السبت 20 ابريل 2024

التجديد والشيخ الدوجماطيقى

مقالات8-4-2022 | 13:28

هذا المصطلح يُطلق على الرجل المتعصب الذى يعرض آراءه بتشدد وعنف، وكثيراً ما يوصم المختلف معه بالسوء انطلاقاً من اعتقاده الحازم بأن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ، ورأى غيره خطأ لا يحتمل الصواب.

وغالباً ما يقوم هذا الدوجماطيقى بوصم المخالف له حتى يخرجه من الإنسانية أو الدين أو .. الخ

وبعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعى التى أتاحت للجميع المشاركة فى تناول كل القضايا حول العالم بكل حرية، ظهرت أنماط كثيرة من هذه الشخصيات المتعصبة  للدين أو حتى المتعصبة ضد الدين.

أو العلماء الذين أصيبوا بالجمود الفقهى والعلمى ويجهضون كل مشاريع التجديد، ولقد رأيت على وسائل التواصل الاجتماعى صوراً كثيرة لهذه النماذج منها   :

1-  شخصية المكفراتى أو المتعصب فى الدين، الذى يعتبر الناس جميعاً خارج نطاق الإسلام أو خارج نطاق الاستقامة الدينية، ويعتبر نفسه البوابة الوحيدة الى الله وإلى الاسلام، ومن رفض آراءه كفره أو وصمه بالفسوق والعصيان أو حرض ضده بدعوى خروجه عن الإسلام.

وقد حاولت الجماعات المتطرفة خطف الكثير من الناس وابتزازهم بهذا الأسلوب الوضيع الذى لا يمت للدين بصلة، بل يعتبر جريمة دينية محضة وفق القرآن والسنة.

وقد عرض مسلسل الاختيار 3 فى حلقة يوم الخميس 7 أبريل 2022 مشهدًا يسجل تحريض مرشد الإخوان لأتباعه فى مواجهة القوى الوطنية عام 2013 وضرورة تسويق أن الإخوان يمثلون الإسلام والشريعة ومخالفيهم يمثلون الكفر والفسوق.

ولقد عشنا جميعاً هذه الأحداث وخطاب الإرهاب فى هذا التوقيت الداعى إلى وصم المصريين بالردة والكفر، لدرجة أن خطبة الجمعة في التلفزيون قبل الثلاثين من يونيو عام 2013. وصفت قتلى الإخوان بالشهداء، كما وصفت قتلى المصريين على أيدى الإخوان بأنهم فى النار، واستدل الخطيب الإخوانى وقتها جمال عبدالستار   بنص حديث رسول الله للمشركين يوم معركة أحد "قتلانا فى الجنة وقتلاكم في النار".

اعتبر الخطيب الاخوانى أن الخلاف السياسى وقتها معركة كفر وإيمان، واستدعى نصاً نبوياً فى شأن مشركى قريش ليسقطه على المصريين، وهذا هو نهج كل الجماعات الإرهابية فى تعاملها مع الناس.. من كان معهم فهو مؤمن، ومن خالفهم فهو كافر.

2-  وهناك أيضاً من مشايخنا فى الأزهر الشريف من يرفض أى دعاوى للتجديد فى الفقه الإسلامى أو فى الخطاب الدعوى بنفس الدافع، الحرص على فرض رأيه الفقهى بالقوة واتهام من يحاول التجديد بالخروج عن الوسطية أو عن المنهج الأزهرى أو أنه مفتون ويسعى إلى أغراض خاصة .

ولقد عانيت على المستوى الشخصى بكل هذه الاتهامات وأكثر خلال مسيرتى الدعوية، لدرجة أننى حينما كتبت 15 مقالاً في بوابة "دار الهلال" عن ضرورة تجديد الفقه الإسلامى وأبديت الكثير من الحجج والبراهين العقلية والمنطقية فضلاً عن البراهين الشرعية التى تثبت ضرورة إعادة النظر فى كثير من المسائل الخاصة بالأحوال الشخصية والنواحي الاجتماعية.

بالطبع لا أحد يتحدث عن الثوابت، فالثوابت كالإيمان بالله واليوم الآخر وفرائض الإسلام لا تمثل مشكلة، ولا تصطدم بالواقع ،إنما المسائل الفرعية هى محل النظر لكونها مسائل فقهية قديمة لا تتناسب مع الواقع المعاصر، كحضانة الطفل مثلاً فى صور متعددة، ومنع الزوجة الكتابية من ميراث زوجها المسلم، والولاية على الصغير إذا ثبت سفاهة الأب، وفتاوى تحريم استخدام منتجات الخنزير فى المجال الطبى والعلاجي.

وإطلاق مصطلح معركة على المعارك فى عهد الرسول بدلاً من مصطلح غزوة،    لأن الرسول لم يغزو ولم تتوفر آليات وظروف الغزو، واستخدم مصطلح غزوة فى كتابة السيرة النبوية مجازاً وليس حقيقة، لأن كل المعارك كانت دفاعية وليست هجومية.

وصناعة خطاب دينى فى إطار الواقع المصرى لمواجهة تحديات الأمن القومى وليس فى إطار أممى عالمى.. إلخ .

 فوجئت ببعض الأساتذة يتهمنى بالجهل وعدم التخصص وبالتالى لا يجوز لى الحديث فى هذا الموضوع على حد ادعائه.. ووجدت الكثير من رسائل الزملاء على موقعى الشخصى تتهمنى اتهامات متعددة.

ويرى البعض بنفس السلوك الدوجماطيقى، أن التجديد حكرُ عليه ولا يجوز لأجيال من الأزاهرة دونه الحديث فى هذا الموضوع، ووصل الأمر إلى درجة الاضطهاد الإدارى والأذى النفسى لكل من يحاول مجرد إبداء رأيه حول هذا الموضوع، وقد عانيت كثيراً أنا وبعض زملائى فى السنوات الماضية من هذا النمط الذى يُعد من أخطر أنماط الدوجماطيقية فى ساحة العلم الدينى وفى المؤسسة الدينية، لأنه يهدم جدران التجديد وهو مدعٍ للتجديد.

ومع يقينى استخدام البعض وهم الدفاع عن الإسلام والشريعة ليجهض مشروع التجديد الحق الذى أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويغازل السوقة والدهماء وخاصة من أتباع  تيار الجماعات الدينية المحتقنة بسبب لفظ المجتمع  لتلك الجماعات من الواقع السياسى والاجتماعى.. إلا أنه يجب خوض معركة التجديد إلى النهاية مهما كان الثمن، إنقاذاً للإسلام من عفونة بعض عقول أتباعه وإنقاذا للأمة كلها حتى لا تعيش فى عصر متأخر عن عصر بقية البشر.

إن تجديد الفقه الاسلامي حتي يعود شريعة سمحة ميسرة قابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر أمرٌ واجبٌ وضروري، أمرنا بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما قال : (يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدو له، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) رواه أبو النضر الطوسي عن مالك.

وقوله أيضاً: (يبعث الله علي رأس كل مائة عام من يجدد للأمة أمر دينها) رواه أبوداود بسند صحيح .

وتجديد الفقه يعني تنقيته من كل الشوائب التي حطت عليه بفعل أهل التقليد والجمود، الذين  هم من أسباب ضعف الفقه الاسلامي بل وضعف أمة الإسلام منذ القرن الرابع الهجري وحتى الآن.

والتجديد يكون بفتح باب الاجتهاد خاصة فيما لا نص فيه، وذكر الإمام النووي رحمه الله أنه منذ القرن الرابع الهجري وحتي الآن لم يوجد مجتهد مطلق، والمجتهد المطلق هو القادر علي أخذ الأحكام من أدلتها الشرعية، الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستدلال.

وكان هناك أهل الاجتهاد المقيد، وهم مجتهدو المذهب الذين لهم القدرة علي استنباط المسائل من الأدلة بقواعد مذهب إمامهم، وكان من بين هؤلاء المازني وابن العربي وابن رشد.

ثم تحول الحال إلى مجتهدي الفتوى -أصحاب الترجيح في الأقوال- لا يستنبطون حكماً من مسألة وحسبهم نقل ما استنبطه المتقدمون، كابن شاس وابن الحاجب في القرن الثامن الهجري.

ولم يبق فى عصرنا الحاضر سوي أهل التقليد المحض الذين جعلوا نصوص المذهب مقام نصوص الشرع الحنيف، فهم نقّالون وفقط، وهذا هو حال الفقه من القرن الثامن الهجري إلى الآن.

وبالتالي وضع هؤلاء على أحكام الإسلام قيوداً فوق قيود، وآصاراً فوق آصار، وأسلاكاً شائكة، حتى يظن الناس أن الفقه هو حكرٌ علي علماء معممين، وليس القصد منه العمل بأوامر الله ونواهيه وتسهيله لكل الناس، لقول النبي صلي الله عليه وسلم (سددوا وقاربوا) رواه أحمد.

 إن ما كتبه الفقهاء وتابعيهم إلى اليوم ليس معصوماً من الزلل أو الخطأ إنما  المعصوم فقط هو الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وما دون ذلك يمكن قبوله أو رده .

ولابد أن يعرف كل من يقف حجر عثرة أمام العلم مستدلاً بآراء فقهية مؤولة، أن خوفه ليس فى محله، وأن التجديد جزء من الحفاظ على المحجة البيضاء التى تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وعلى هذا أقترح الآتى:

جمع كل ما كتب في الفقه الإسلامي من القرن الثاني الميلادي وحتي الآن، ثم كتابة  خطة عمل وآليات منضبطة لتنقية الفقه وتجديده وحذف كل ما يضر ولا ينفع أو ما وضع لعصور سابقة، وبحث كل مسائل المستجدات والقضايا المعاصرة.

وتقوم هذه الآليات المنضبطة للتجديد وتنقية هذه الكتب على أساس ما ذهبت إليه مدرسة الرأي، فكان أهل الرأي يقولون إن أحكام الشرع معقولة المعنى، ومشتملة على مصالح راجعة إلى الأمة، وإن العقل يمكن أن يدركها ويدرك حسنها وقبح ضدها.

هذا الفريق من العلماء يبحث عن العلل والمقاصد في الأحكام ويجعل الحكم دائراً  معها وجوداً وعدماً.

كما تتضمن هذه الآليات الأخذ بحقائق العلم فى حسم المختلف فيه من المسائل الفقهية الفرعية، والاستناد إلى حقائق العلم أثبت وأأمن من الاستناد إلى أراء الفقهاء القدامى، وخاصة أن الفتاوى الفقهية القديمة لها حدود فى الزمان والمكان والواقع، فإذا تغير الزمان أو المكان أو الواقع تغيرت الفتوى.

كما تتضمن تلك الآليات ما يُسمى فى العلم "العلوم المستقبلية" والتنبؤ بالواقع المستقبلى القريب أو البعيد، وكيف ستتغير حياة الإنسان فى كل جوانب الحياة وكيفية الربط بين الشرع الحنيف وهذا الواقع المتغير بمرونة الفقه الإسلامي.

وبعد تنقية كل التراث الإسلامي الفقهي، سيكون أساساً لمناهج طلبة العلم في الكليات الشرعية والباحثين في الفقه الإسلامي.

وبذلك نقطع الطريق أمام الإرهاب ووعاظه الذين لا يزالون يبثون سمومهم في عقول طلبة العلم حتى اليوم، كما يمكن تنقيح وتنقية كل العلوم الشرعية بهذا المنهج، كعلم الحديث وعلم التفسير وغيرهم.

 3- صورة التعصب ضد الدين بدعوى الاستنارة :

فهو يعتبر الناس جميعاً جهلاء ومتخلفين وهو البوابة الوحيدة للحياة، ومن ناقش آراءه أو رفضها فهو - من وجهة نظره - متطرف بشرطة.. ويظهر التسامح ويبطن مكفراتى صغير داخله.

ويرى أن مشكلة التطرف فى كل ما هو دينى، والدينى عنده متهم حتى تثبت براءته، وبراءة الدينى عنده يعنى رضاه الشخصى عن الدينى.

هذه الصور تحتكر الحقيقة زوراً وبهتاناً ولا علاقة لها بالإسلام أو التنوير.

ومما هو معلوم للجميع أن صاحب مقولة: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيي غيري خطأ يحتمل الصواب هو الإمام الشافعى رضى الله عنه  — المتهم معنا  — وفق العقل الدوجماطيقى ".

مثل هذه المظاهر توجب علينا بذل الجُهد والجَهد على المستوى الفكرى والثقافى لتفادى معارك فيسبوكية وثقافية، أشبه ما تكون بمعارك العرب قديماً عشرات السنين حول ناقة .

ولا يخفى على عاقل تأثير ذلك على الاستقرار الاجتماعى والنفسى.. وغياب لغة الحوار والتسامح.

كما يتوجب على كل مؤسسات الوعى فى المجتمع دراسة هذه الظواهر ووضع حلول لها وعمل توصيات لكل مؤسسات الدولة المصرية حتى نحافظ على السلم الاجتماعى .

وليعلم الجميع أن لنا وطن ينبغى الحفاظ على وحدته وتماسكه، كما يجب الحفاظ على قدسية الأديان ورموزها ومحاسبة كل من يشيع الفتنة ويهدد السلم الاجتماعى بها.

والله الموفق والمستعان.