بقلم: أحمد بهاء الدين
هذا الشعار هو بغير شك الشعار المنطقى والمناسب للمرحلة التى نحن فيها. إنه يحدد حجم «الخطوة الأولى والضرورية» التى لابد لنا من إنجازها أولًا وهى إعادة قوى العدوان إلى خطوط ٥ يونيو قبل أن نفكر فى خطوة أخرى.
ومع ذلك، فإن تصور أن «إزالة آثار العدوان» معناها عودة كل شىء فى الواقع العربى إلى ما كان عليه تمامًا وبالضبط، تصور خاطئ!..
كثير من الأوضاع سوف تتغير، وكثير من الأفكار والأساليب سوف تتغير..
ولهذا يجب أن نفكر، من الآن، فى بعض هذا الذى يجب أن يتغير، فى بعض ما يتعلق بقضية فلسطين بالذات.
أبسط ما يجب أن نتعلمه من النكسة هو أن نسأل أنفسنا، هل كانت الطرق التى سلكناها لمحاولة تحريك قضية فلسطين، كانت طرقًا سليمة أم أن هناك طرقًا ومبادرات أخرى يجب أن نفكر فيها.. للحصول على الحق العربى الكامل؟
إن كثيرًا من الأوضاع العربية بين سنة ١٩٤٨ وسنة ١٩٦٧، أدت إلى تجميد الموقف العربى إزاء قضية فلسطين. كانت الحصيلة التى خرج بها العرب بعد ما يقرب من عشرين سنة هى مجرد «الرفض» اللفظى للوضع الذى تخلف عن سنة ١٩٤٨، حتى كسرت إسرائيل بعدوانها هذا التجمد وأصبحنا الآن أمام واقع ساخن جديد..
وفى هذه الأيام التى نسمع فيها أنباء المقاومة الفلسطينية الباسلة فى الأراضى المحتلة- أول شىء جدى يجب أن يتم ويتدعم- يجب أن نستخلص من هذه الحقيقة أهم درس من دروس النكسة..
إن أبسط وأهم شىء «للدفاع» ضد إسرائيل، قبل أن نتمكن فى ظروف أخرى من الخروج من خنادق الدفاع، ولإحياء قضية فلسطين هو: أن تكون هناك أولًا فلسطين..
الغزو الصهيونى سنة ١٩٤٨ نجح فى اقتطاع جزء من فلسطين.،لكننا بدلًا من أن نبقى ما تبقى من فلسطين متماسكًا وصامدًا ومطالبًا، قمنا نحن العرب بتفكيك ما تبقى فى أيدينا من فلسطين..
الغزو الصهيونى سنة ١٩٤٨، بدأ فى تجميع المهاجرين واللاجئين اليهود من شتى أنحاء العالم ليحولهم إلى مواطنين: مزارعين وصانعين ومحاربين. والعرب قبلوا تحويل المواطنين الفلسطينيين إلى مهاجرين ولاجئين..
وعندما مرت السنون بعد السنين، وبرزت فكرة إيجاد كيان فلسطينى وتنطيم فلسطين، وجدت المنظمة، وهى فاقدة أهم شرط من شروط التعبير عن شعب وعن وطن: الأرض! هذا مع أن الأرض، مهما كانت قد تقلصت، موجودة.. فأصبح «النضال» الفلسطينى يدار من القاهرة وبيروت وغيرهما من البلاد العربية.. إلا فلسطين!..
وقد كان هذا كافيًا لأن يعطى العالم إحساسًا عامًا بأنه لم تعد فلسطين، ولا شعب مطالب بأرضه هو شعب فلسطين.. إنما هى دول عربية مجاورة تقاوم دولة أخرى اسمها إسرائيل!
لقد فرضت الظروف الدولية والاستعمارية أوضاعًا أخرى مشابهة- مع الفوارق العديدة طبعًا- فى بلاد أخرى وفرضت التقسيم فى كوريا.. ولكن كل جزء يدعى أنه هو الأصل لم يحل وجوده لأن الاستعمار اغتصب جزءًا آخر. وفى فيتنام فرضت القوى الخارجية التقسيم، استسلمت لانتصار الثورة الوطنية فى فيتنام الشمالية واحتفظت بقاعدة استعمارية فى الجنوب، ولكن الوطن الناقص الذى لم يتمكن من كسب حقه كاملًا لم يحل نفسه بل دعم وجوده وجعل من نفسه قاعدة لتحرير الجزء المستعمر المغتصب..
إذن فنقطة البدء البديهة والضرورية التى لا بد أن تدرس بل وتقرر من الآن هى: أن تعود إلى الوجود دولة اسمها فلسطين!
دولة تضم الأردن، بالضفة الغربية للنهر والضفة الشرقية له، وتضم قطاع غزة.. أى تضم كل ما تبقى من فلسطين زائدًا ما كان يسمى شرق الأردن واندمج فى السنوات الماضية بفلسطين..
قد يقال: ولكن هذا اقتراح لا يغير شيئًا.. فهو مجرد تبديل اسم باسم.
والرد على ذلك: أن أى مبادرة سياسية يمكن أن تقف عند العنوان فقط وتبقى كالإنا الفارغ من محتواه، ويمكن بالعمل الدءوب أن تصبح تغييرًا جوهرًيا، يملأ الإناء الفارغ بمحتوى جديد..
إن إعادة اسم فلسطين فى حد ذاته وكمجرد اسم، سوف يكون له أثر معنوى وبالتالى سياسى كبير إزاء العالم وفى المراحل التالية للقضية: فها هو الاسم الأصلى القديم للبلاد قد عاد. ها هى دولة فلسطين التى اغتصب منها جزء تقف صامدة فى الخط الأول أمام الاغتصاب تطالب بحقها المشروع..
يأتى بعد ذلك أن إعادة اسم فلسطين إلى أرض فلسطين، يجب أن يستتبع إعادة شعب فلسطين إلى أرض فلسطين..
ماذا كان يحدث بصراحة فى السنوات التسع عشرة الماضية لشعب فلسطين، باستثناء من بقوا فى ديارهم الأصلية فى الضفة الغربية؟..
لم يكن أمام الفلسطينى إلا أحد أمرين: إما أن يكون لاجئًا عاجزًا فى الخيام.. وإما أن يتحول إلى فلسطينى سابق. يهاجر إلى آفاق الدنيا كلها من كندا إلى أمريكا اللاتينية إلى البلاد العربية كلها من الجزائر غربًا إلى الكويت شرقًا.
ومن الذين كانوا يهاجرون؟..
أكثر أبناء فلسطين قدرة أو كفاءة وموهبة. الذين تحولوا إلى رجال ناجحين.. كرجال أعمال أو مهندسين أو أطباء أو اقتصاديين أو صحفيين.
تابع التفاصيل في العدد الجديد في المصور الموجود حالياً في الأسواق .