الثلاثاء 21 مايو 2024

الاختيار 3.. بين التجسيد والتقليد والتقمص

مقالات9-4-2022 | 23:59

في علم النفس وضع العلماء تفاسير علمية للفرق بين التقمص والتقليد، وأوضحوا الفرق بين الاثنين وخيوط التماس والاختلاف بينهما، فقد فسر العلماء التقمص بأنه يتم بشكل لا شعوري، ويقصد بذلك أن يدمج الفرد بذاته من خلال الدوافع واتجاهات والسمات الخاصة بقدر ما فيتقمصها حتى تصبح جزءًا من كيانه، في حين أن التقليد يتم بشكل شعوري، فيقوم الفرد بتقليد موقف أو شخصية معينة أو سلوك ما فالتقليد عملية نفسية وعقلية، في حين ذهب أساتذة الفنون للوقوف على كلمة التجسيد "أو التشخيص" بأنها إبراز المجرد في قالب محسوس وهو تمثيل الأشياء أو المفاهيم المجردة في صورة بشرية في سياق الأدب أو الفنون.

وفي مسلسل "الاختيار 3" وجدنا كل هذه الأشكال، بعيدًا عن ما يقوم به العمل من كشف للحقائق وتفسير وتصحيح لمعلومات كانت مشوشة لدى البعض والدور الذي يقوم به منذ الجزء الأول في عودة الروح الوطنية للأعمال الدرامية ودمج الدراما بوقائع حقيقية، فهو مباراة تمثيلية بين كل النجوم والممثلين المشاركين فيه من أصغر دور لأكبر دور، فاشتعلت المنافسة بين جميع العاملين في المسلسل ليس في التمثيل فقط، بل على كل المستويات من ديكور الذي يحاكي الواقع بشكل متطابق لدرجة أن خط الإيهام بين الواقع والتمثيل يتلاشى تمامًا، وكأن العمل تم تصويره في أثناء وقوع الأحداث، خاصة في المظاهرات والقصور الرئاسية، نافس الديكور التصوير الذي اعتمد على اللقطات الضيقة في المظاهرات والتي تظهر ما كان يحدث داخلها، في حين استعان المخرج بلقطات حية لتوضح حجم الحشود هذا بالنسبة للمظاهرات أما تتبع سير العمل المخابراتي، فكان من خلال لقطات متحركة لتوضح حالة التوتر الدائم للإمساك بشبكات التجسس، وكشف العمليات التخريبية التي يقوم بها الإخوان ومن والاهم. 

أما السيناريو فقد لعب المؤلف هاني سرحان على ثلاثة خطوط أساسية، الأول ما يدور في أروقة جماعة الإخوان من مخططات لتمكينهم من مفاصل الدولة وعشوائية القرارات التي تصب في صالح الجماعة وليس الوطن ووثق هذه الأمور بلقطات حية، والثاني هو خط المخابرات العامة والدور الذي قاموا به لحماية الوطن من دخول أسلحة وتهريب، من ما قيل عنهم أنهم مجاهدين، والسيطرة على مخططاتهم والقبض عليهم، والخط الثالث يكمن في المواطن البسيط الذي يتفاعل مع الأحداث، وألقى الضوء على ما أطلق عليه ساعتها "حزب الكنبة". 

وسط كل هذا يكمن نجاح العمل في الإدارة المتميزة للمخرج بيتر ميمي الذي مازال يستمر في تألقه بعد أن قدم جزئين من العمل، ليقدم الصعب الممتنع ويقدمه بصورة سلسلة بعيدًا عن التعقيد أو " الفزلكة".

نعود للحديث عن الفرق بين التقمص والتقليد والتشخيص، وهو ما يخص أبطال العمل الذين بزلوا مجهودًا كبيرًا لتجسيد شخصيات موجودة على أرض الواقع عايشها الشعب كله، وهنا تكمن الخطورة فقد أجاد بشكل متميز نجوم العمل، للوصول إلى مستوى تقمص الشخصيات، وليس التقليد، خاصة كل من ياسر جلال الذي قدم دور وزير الدفاع، ساعتها، عبد الفتاح السيسي، والذي تقمص الدور لأبعد الحدود، ونفس الأمر فعله خالد الصاوي في تجسيد دور الإخواني خيرت الشاطر، والذي قدمه بشكل أقرب للواقع وأفضل من محاولات نجوم آخرين جسدوا الشخصية قبله، أما صبري فواز فرغم تمكنه من أدواته وأدائه المتميز إلا أنه لم يستطع أن يصل لشخصية مرسي، فما قام به تقليد ولم يصل للتقمص سواء في لكنة كلام مرسي الذى يغلب عليها الطابع الفلاحي أو ملابسه المهندمة على عكس مرسي ذو البدل الواسعة "المرهرطة" أو حتى جسده الممتليء بعض ما، في حين تقمص عبد العزيز مخيون شخصية المرشد محمد بديع بشكل كبير، وهو ما ينطبق على أحمد بدير في دور المشير طنطاوي، وصبحي خليل في دور هشام قنديل، ومجدي سعيد في دور محمود عزت، وهناك نجوم حاولوا تقليد الشخصيات الحقيقية في الشكل وطريقة الكلام والمشية، لكنهم لم يصلوا للتقمص، أما أحمد عز وكريم عبد العزيز والسقا ومحمد رياض ومحمود البزاوي، استطاعوا تجسيد أدوارهم ببراعة تحسب لهم، خاصة وأن هذه الشخصيات رجال الظل لم يكن الجمهور على دراية بالأشخاص الحقيقيين، 
ويبقى أن نتكلم على الماكير العملاق أحمد مصطفى الذي كان له دور كبير في اقتراب كل النجوم بالشخصيات الحقيقية، وموسيقى خالد الكمار التي تختلف من موقف لآخر وتظهر براعته.

كلمة أخيرة هذا العمل يعد الأول من نوعه بأحزائه الثلاثة الذي يتناول فترة حرج في تاريخ مصر الحديث، ويكشف ما هو مسكوت عنه، واعتقد أنه لا يوجد أي عمل درامي في العالم تناول كشف حساب لفترة حرجة لم يمر عليها فترة زمنية.