عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: «قال رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةَ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» [متفق عليه].
خلق الله الإنسان وجعله السيد الأعلى في هذا الكون، وسخر له كلَّ أجناس الكون دونه «الحيوان والنبات والجماد»، وكلُّ جنس من هذه الأجناس المسخّرة للإنسان تقوم بمهمتها التي أوكلها الله لها، وإذا كان الإنسان هو السيدَ الأعلى لها، وهي تقوم بمهمتها ولا تَتَأَبَّى على الإنسان باعتبار تسخيرها له، فمَنْ هو سيد الإنسان؟ وما هي مهمة هذا الإنسان؟.
إن سيِّدَ الإنسان هو مَنْ وَهَبَه السِّيَادَةَ في هذا الكون، وهو الله (عز وجل)، وأما عن مهمته، فإن الغاية من وجود الإنسان في الكون (وهي المقاصد العُليا للمكلِّف) أن يحقق غاياتٍ ثلاثة: ( العبادة – العمارة – التزكية ).
أما العبادة: فقد قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [ الذاريات : 56 ]، والعبادات في الإسلام متنوعة، فمنها: «الشعائرية، والبدينة، والمالية، واللسانية، والقلبية.... الخ».
وأما العمارة: فقد قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [ هود : 61 ]، أي طلب منكم عمارة الأرض، وهذا يتطلب فقه التعاون والتكامل وتحقيق الجسد الواحد واستثمار جميع الطاقات والقدرات والمواهب في استخراج كنوز الأرض، وتقديم الاقتراحات والخبرات والتجارب من ذوي الألباب، مع اعتبار إزالة الفُرقة والمحافظة على النسيج الواحد والقضاء على بذور الفتنة حتى لا تتفرق الطاقات.
وأما التزكية: فقد قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [ الشمس : 7-10 ]، أي طلب الله (عز وجل) منا أن نتزكى بالأخلاق المحمودة دون المذمومة، ومعلوم أن البناء الأخلاقي يرتبط ارتباطًا وثيقا بالبناء الحضاري والعمران وتقدم الأمم، وعلى العكس انهيار الأخلاق يرتبط ارتباطًا وثيقا بانهيار الأمم والحضارات.
وإذا كنا نعيش في هذا الزمان الشريف (شهر رمضان) شهر الصيام والقرآن، فإن الأصل أنه على كلِّ مسلم أن يُصّوِّمَ الجوارح عن كل ما نهى الله عز وجل، وقد جرت العادة دائمًا أن الإنسان يُعلِّقُ مَعَاصِيَه وما يصدر منه من شرور وقبح وفساد وغير ذلك من الأمور المذمومة على الشيطان، فكأنَّ السَّبَبَ الأصيلَ في كُلِّ ذلك هو الشيطان، لكنا في رمضان أمام كلام نبوي كريم مُنير، يبيّن فيه (صلى الله عليه وسلم) أن الشياطين تُسَلْسَلُ في رمضان، والعلماءُ قالوا في شرح ذلك: أي تُسلسل على الحقيقة، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) :(إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةَ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ) [متفق عليه].
وبناءً على ذلك، فإذا ما وقع من الإنسان حالَ صيامه في رمضان بعضٌ من الأفعال المذمومة أو الشرور أو المفاسد، مع مراعاة أن الشيطان ليس له عملٌ مع الإنسان في رمضان، فمن أين أتت هذه المعاصي وغيرها؟، لا بد وأن يقف الإنسان مع نفسه ليدرك الكلام النبوي المشرّف ولا يقف عند حدود الألفاظ أو النص دون أن يؤصل ويؤسس للمعنى الذي يريد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يوصله إلينا، ويرسّخه فينا، وهو ما يجعلنا في مناعة إيمانية نسد بها كل منافذ الوسوسة (وسوسة إبليس)، (وسوسة الشياطين)، (وسوسة النفس).
نسأل الله أن يحفظنا من الوقوع في المعاصي واتباع الهوى.