الجمعة 19 ابريل 2024

لا تغلق الباب

مقالات16-4-2022 | 20:57

"تخيل يا أخي فلان غلط في أنا.. لقد صنع هذا عن عمد متعمدًا إهانتي"، بينما يستمر هو في حديثه يراني صامتًا.. يظن أني أؤيد كلامه لذا يتفاجئ بأني أقول له: (لعله لا يقصد.. لعله لم يعرف.. لعله  ولعله.. أرجوك سامحه). 

يظن أني أدافع  عن الآخر بينما أنا أدافع عن نفسي.. أحاول أن أبرر موقفًا حدث معي منذ خمسة وعشرون عامًا.. في أيام الجامعة حيث السكن في بيت المغتربين القادمين من خارج المحافظة.. في عمارة كبيرة كلها غرف لأمثالي من طالبي العلم حتى لو في الصين. 

أسكن بغرفة معي فيها زميل بلدياتي.. ولكنه أصغر سنًا لذا فقد كنت الأقدم في الغرفة وهو المستجد الذي قدم منذ أسبوعين فقط.. ويخبرني أنه سيسهر مع طلاب دفعته في الدور الثاني للمذاكرة، استعدادًا للامتحانات لذا يقول: "صموئيل لا تضع المفتاح في الباب بعد أن تغلقه"، ويكرر الأمر مرتين وأنا أخبره "لن أنسى.. ولا تقلق أنت تعلم أن  نومي خفيف"، فينصرف بينما استعد أنا للنوم مبكرًا، لأن عندي محاضرات غدًا. 

أنام في عمق لاستيقظ صباحًا بمفردي قبل حتى أن يرن المنبه.. أنظر إلى سريره فلا أجده عليه.. أخمن أنه ربما نام عند أصدقائه.. وأتحرك ناحية باب الغرفة لأكتشف أنني قد أغلقته من الداخل ونسيت المفتاح في الباب!!! 

يا نهار أسود.. كيف نسيت… لقد نبه عليَّ أكثر من مرة..

افتح الباب لأجد طالبًا من الغرفة المجاورة يستعد للذهاب إلى المحاضرة الأولى، وهو ينظر إلي بغضبٍ شديد، قائلًا "أنت نايم نومة أهل الكهف؟..  لقد استيقظ كل السكن بسببك". 

لاكتشف أن "زميلي" حاول أن يدخل الغرفة ولكنه لم يعرف بسبب المفتاح فطرق الباب عدة مرات ومرات أخرى.. وأخرى… حتى أنه من شدة الطرق أيقظ كل الزملاء في الدور، بل لقد حضر مشرف السكن من الطابق الأرضي على صوت الطرق… وكل هذا وأنا لم استيقظ… حتى اضطر آسفًا إلى أن أبيت في غرفة أحد الزملاء متجاوزًا له على سرير يتسع لفرد واحد فقط.

اذهب إلى صديقي معتذرًا.. لا أعرف ماذا أقول.. فكيف يقتنع أنني لم اتعمد أن أغلق الباب بالمفتاح؟.. وكيف يقتنع أني لم استيقظ حتى مع كل هذا الطرق الذي أيقظ مشرف السكن من الدور الأرضي.. طبعًا لم يقتنع.. وطلب نقله من الغرفة ورحل.. رحل بعدما اقتنع أني طردته من الغرفة بالذوق وقلتها لا باللسان وإنما بالفعل الأكيد. 

أخبره وأخبر كل الزملاء.. لم أسمعكم.. صدقوني.. كنت نائمًا كما لو أن أحدهم وضع سدادة أذن في أذني.. ولكن لا أحد يصدق.. فالجرم جرمان.. غلق الباب وعدم الاستيقاظ.. والعتب شديد لأني صديق  قبل أن أكون زميل سكن. 

تذكرت وقتها قصة حدثت سنة 323م، قرأتها ولم أصدقها حتى أصحبت أنا نفسي أحد أبطالها، فقد حضر ضيفًا إلى الأنبا باخوميوس.. وإذ استمر الحديث معه حتى منتصف النهار.. دخل عليهم تلميذه  فقال له الأنبا باخوميوس: اتعب وضع طعامًا للضيف.. فقال له التلميذ حاضر ثم انصرف، لتمر ساعتان ويحضر تلميذ آخر ويكرر الأنبا باخوميوس الطلب "يا ابني احضر طعامًا للضيف"، ويقول التلميذ حاضر يا أبي، وينصرف وتمر ساعات حتى يشعر الأنبا باخوميوس بالحرج ويقوم بنفسه (مع كبر سنه).. ليعد الطعام للضيف… وبعدها يلتقي تلاميذه ويعاتبهما بمحبة الأب: طلبت منكما أن تحضرا طعاما للضيف ولم تحضرا فهل يقول الضيف إننا بخلاء؟!. 

ليخبراه التلميذان في نفس الوقت: "ما سمعناك تطلب طعامًا وإنما سمعناك تقول لنا أغلق الباب وانصرف.. فأطعنا وانصرفنا". 

كيف سمعا شخصان مختلفان كلماتٍ غير حقيقية؟.. وكيف نسيت أنا ولم استيقظ بعد كل هذا الطرق وأنا الذي استيقظت صباحًا دون حتى جرس المنبه؟… لا أعرف.. ولكني أحكي قصتى هذه كلما رأيت مشاجرة، قائلًا: أعطي عذرًا… فالأمور ليست دائمًا مثلما ترى.. والشيطان بالحقيقة.. شاطر.. شاطر جدًا.