السبت 4 مايو 2024

همسة عزيز

مقالات18-4-2022 | 22:11

لقد كان فقدان الشاعر عزيز أباظة لزوجته نقطة فارقة فى مشواره الشعري، جعلته يبدع لنا العديد من الدواوين والمسرحيات الشعرية التى تخصص فى كتابتها ومنها مسرحية " قيس ولبنى" المستلهمة من القصة العربية الشهيرة لقيس بن ذريح ولبنى بنت الحباب التي يُحكى فيها أن قيسًا قد مرّ بحى لبنى وقد احتدم الحر، فاستسقى من إحدى الخيام، فبرزت إليه فتاة ممشوقة القوام، بهية الطلعة، عذبة الحديث، فسقته الماء، فلما رُوِى وهَمَّ بالذهاب قالت له: ألا تتريث قليلا وترتاح عندنا؟ فطاب له ذلك، فمهدت له مجلسا فى الظل حتى جاء أبوها، فلما وجده، رحَّب به لما بينه وبين الحسين بن على – رضى الله عنهما – حيث إنهما قد رضعا صغارا من امرأة واحدة، ونحر الحباب لقيس جزورًا، فأقام عندهم طوال اليوم، ثم انصرف وهو أشغف الناس بلبنى، فجعل يكتم ذلك فى قلبه إلى أن بلغ به الحب مبلغه، فعاد إلى زيارتها، وشكا إليها ما يعانيه من حبها، فوجد عندها مثلما عنده، فانصرف وهو فى أشد الغبطة.

 

ثم تكتمل القصة برفض أبويه الزواج منها حتى يتدخل الحسين بن على متوسطا فى إتمام تلك الزيجة التى كتب لها أن تحدث بالفعل، فيعيش قيس ولبنى أسعد أيام حياتهما حتى يتدخل أهل قيس مرة أخرى للضغط عليه كى يطلقها ويتزوج بغيرها كونها عاقرا لا تلد.

 

وتحت شدة الضغوط والمكائد المحكمة ينفصلان ويتزوج بغيرها وتتزوج بغيره فتسوء حالتهما بشكل مأساوي، ثم يهيم على وجهه فى البوادى لا يريد من الدنيا شيئا إلا حبيبته.

 

وتمضى الأيام حتى يتأكد زوج لبنى أنها لن تنسى حبيبها فيخيرها بين البقاء معه أو أن يطلقها فتعود لقيس، فتختار أن تعود لحبيبها مرة أخرى، لكن القدر لم يمهلها فتموت قبل أن يرجعا فمات بعدها مباشرة!

 

وفى تلك القصة وجد شاعرنا عزيز أباظة المادة الثرية التى ألهمته كتابة مسرحيته الشعرية على غرار مسرحية "مجنون ليلى" لأمير الشعراء أحمد شوقى والتى تناول فيها القصة الأشهر بين قيس بن الملوح وليلى بنت مهدى التى يعرفها الجميع.

 

لكن عزيز أباظة قد سلك طريقا جديدا فى كتابة تلك المسرحية فتجرد من المكان والزمان فيها وكتب بلغة عربية رصينة ما تخيل أنها لواعج الحب التى تجيش بها الأفئدة وتهيم معها الأرواح، وفى قصيدة "همسة حائرة" التى تغنّى بها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مزج الشاعر بين أبيات من ديوانه "أنات حائرة" الذى كتبه بعد فقدانه لزوجته ومسرحية قيس ولبنى فأنشد:

 

يا منيةَ النفس ما نفسى بناجية     وقد عصفتِ بها نأياً وهجرانا

 

أضنيتِ أسوانَ ما ترقا مدامعهُ  وهجتِ فوق حشايا السهد حيرانا

 

يبيت يُودِع سمعَ الليل عاطفةً     ضاق النهار بها سرّاً وكتمانا

 

هل تذكرين بشطّ النيل مجلسنا    نشكو هوانا فنفنَى فى شكاوانا

 

تنساب فى همسات الماء أنّتنا     وتستثير سكونَ النهر نجوانا

 

وحولنا الليل يطوى فى غلائله    وتحت أعطافه نشوى ونشوانا

 

لم يشهد الرافدُ الفضى قبلهما     إلفين ذابا تباريحاً وأشجانا

 

نكاد من بهجة اللقيا ونشوتها      نرى الدُّنا أيكةً والدّهر بستانا

 

ونحسب الكون عش اثنين يجمعنا  والماءَ صهباءَ والأنسامَ ألحانا

 

لم نعتنق والهوى يُغرى جوانحنا     وكم تعانقَ روحانا وقلبانا

 

نُغضى حياءً ونغضى عفةً وتقىً   إن الحياء ثياب الحب مُذْ كانا

 

ثم انثنينا وما زال الغليلُ لظىً    والوجدُ محتدمًا والشوقُ ظمآنا

 

وقد وجد الموسيقار فى هذه الأبيات ما حرك بداخله ألحانا عذبة جعلته يلحنها ويغنيها فى واحدة من أجمل ما غنى رغم رصانة لغة الكلمات ووجود بعض الصعوبة فى معانيها حتى أصبح عبد الوهاب قد غنى للقيسين، قيس بن الملوح فى "مجنون ليلى" لشوقى وقيس بن ذريح فى "همسة حائرة" لعزيز أباظة.

Dr.Randa
Dr.Radwa