يزخر تراثنا العربي بالكثير من الأعمال الأدبية القيمة، والتي حظيت بقراءة واهتمام أجيال عدة منذ وقت صدروها وحتى الآن، واستطاعت الرواية العربية أن تفرض نفسها كلون أدبي في ساحات الأدب العالمية، وتحصد الجوائز أيضا وتظل خالدة، كما أنها ألهمت السينما للإستنتاد على أحداثها وتحويلها إلى أفلام حققت هي الأخرى التفرد والنجاح مثلما فعلت الرواية الأصلية، تاركة هي الأخرى بصمة في تاريخ الفن والأدب.
تعد رواية "الحرام" للأديب الكبير الراحل يوسف إدريس، الصادرة عام 1959، إحدى أهم رواياته التى صور فيها حياة عمال التراحيل وهم فئة مهمشة من طبقة الكادحين فى المجتمع القروى المصري.
تدور أحداث الرواية فى إحدى بقاع الريف المصرى شمال الدلتا فى أربعينيات القرن العشرين، تبدأ الأحداث بالعثور على جثة طفل حديث الولادة تحت شجرة الصفصاف الواقعة بجانب ترعة القرية بواسطة الغفير عبد المطلب الذى ارتبك كثيرًا واضطرب تفكيره بعد أن وجد جثة الصغير ففكر فى إلقائها فى الترعة حتى يهرب من المسؤولية ولكن لم يحالفه الحظ فبدأ أهل العزبة بالظهور واحدًا تلو الآخر وعُرف بأمر الصغير فى جميع أرجاء التفتيش وبعد فحصه جيدا تبين أنه مات مخنوقًا، ووصل الخبر إلى المأمور فكرى أفندى والذى سرعان ما اتجه إلى المكان الذى وجدوا فيه الصغير، هاله المنظر ودارت به الأرض فلم يكن من المعتاد على أهل العزبة مثل هذه الحادثة التى أثرت فيهم جميعًا وزرعت الشك فى قلوبهم فمثالية أهل العزبة وعدم وقوعهم فى أخطاء مثل هذه لم تكن سوى ظاهريًا فقط.
ولد يوسف إدريس في ١٩ مايو ١٩٢٧ بالبيروم، ويعد إدريس أحد أهم كُتاب القصة القصيرة فى الأدب العربي، منذ نشر مجموعته القصصية الأولى "أرخص ليالى"، وقد توالت مجموعاته القصصية ورواياته ومسرحياته، وأشهرها الحرام، العيب، حادثة شرف، النداهة، بيت من لحم.
وشارك يوسف إدريس في الثورة الجزائرية، ولم يكن الكاتب الراحل مجرد طبيب اعتزل الطب وعلا نجمه فى الأدب والصحافة، بل ظل مرتبطا بقضايا الأمة العربية، يعبر عنها فى قصصه القصيرة، والتى تناولت الكفاح ضد العدو الإسرائيلى خلال الحروب التى خاضتها مصر.
كان للأديب الراحل يوسف إدريس تاريخا كبير مع المعارك الثورية والتاريخ النضالى الكبير، فحسبما يذكر الكاتب المسرحى الكبير محمد سلماوى فى مذكراته "يوما أو بعض يوم" إن الأديب الراحل سافر عام 1961م، وحين ذاع صيته ككاتب قصة قصيرة، سافر إلى الجزائر وانضم الثوار هناك، وحارب معهم من أجل الاستقلال وأصيب أثناء المعارك بالجبل، فكان مثل الكاتب الأمريكى الشهير "إرنست همنجواى" الذى شارك فى الحرب الأهلية الإسبانية وكتب عنها بعض أجمل رواياته وقصصه القصيرة، على حد وصف الكاتب.
وانضم يوسف ادريس إلى المناضلين الجزائريين فى الجبال واشترك معهم وحارب فى معارك الاستقلال لمدة ستة شهور وأصيب أثناء المعارك فى الجبل، وأهداه الجزائريون وساماً إعراباً عن تقديرهم لجهوده فى سبيلهم وعاد إلى مصر، وحصل على وسام أخر من الرئيس جمال عبد الناصر.