في بداية الخمسينيات، بدأت الإذاعة المصرية تصوير ورصد المعالم الرمضانية، وذلك من خلال الأوبريتات الرمضانية التي كتبت من وحي أيام وليالي شهر رمضان، فعندما أعدت الإذاعة أوبريت «رمضان في الريف»، جاءت فكرة رمضان في القاهرة لينتج عنها أوبريت «رمضان في الحسين»، وفي السطور التالية نلقي الضوء على الصور الغنائية والأوبريتات الرمضانية التي التف حولها جموع المواطنين قبل نشأة التليفزيون بعشر سنوات.
رمضان في الريف
تعم العادات والثوابت الرمضانية مصر بأكملها لكن رمضان في الريف المصري قديما كان يختلف عن رمضان في القاهرة والمدن، ففي القاهرة كانت تقام الليالي الرمضانية والسهرات التي تجمع شيوخ الإنشاد الديني عند الأثرياء القادرين على إقامة تلك الليالي ، والتي تتيح للجميع حضورها من الفقراء والأثرياء، وتقدم لهم الحلوى والمشروبات الرمضانية، أما الريف فكانت تقام ليالي رمضان عند أحد الأعيان، وهو القادر على جلب عدد من مداحي القاهرة لإحياء الليالي، كما رأينا في مذكرات الشيخ زكريا أحمد عندما كان يحيي الليالي الرمضانية في السنبلاوين طوال رمضان في شبابه، وقد تعرف وقتها على أم كلثوم لأول مرة.
من كنوز الإذاعة قدم الإذاعي القدير طارق مصطفى الأوبريت الإذاعي النادر"رمضان في الريف" من إنتاج برامج ركن الريف عام 1951 بالإذاعة المصرية، والبرنامج من تأليف الشاعر طاهر أبو فاشا وألحان سيد مصطفى وأخرجه عثمان أباظة .. أما الغناء فكان لفاطمة علي وسيد مصطفى والسيد فرج السيد .. ويصور البرنامج فرحة الريف باستقبال شهر رمضان، وإضاءة المساجد والمنازل بأنوار العبادة، ثم يرصد ليالي المديح في الشهر الكريم وأفضاله على العباء من خلال مجموعة من الشخصيات تتنقل بين شوادر الإنشاد الديني والإبتهالات الرمضانية.
رمضان في الحسين
ومن الريف إلى قلب القاهرة حيث يصور لنا البرنامج الغنائي "رمضان في الحسين" فرحة حي الحسين بشهر رمضان والأجواء الروحانية التي تعم القاهرة، البرنامج تأليف وألحان محمود إسماعيل جاد وأداء الثلاثي المرح وخضرة بخاتي وصلاح عبد الحميد والشنتوري وأولاد أبو الغيط، ويلقي الضوء بأسلوب غنائي على باعة الكتب التراثية في الحسين وباعة السبح والمشروبات والمكسرات الرمضانية بعد الإفطار، وحلقات الذكر التي تقام بحي الحسين .
عزومة رمضان
تكثر في رمضان العزومات على الموائد الرمضانية، وقد صورت الإذاعة جانبا من تلك العزومات في برنامج "عزومة رمضان" وهو من تأليف إبراهيم رجب أما الألحان والغناء فكانت لسيد إسماعيل وسعاد علي، وتمثيل ملك الجمل ورفيعة الشال وأحمد راضي ومحمود علوان .. وبأداء تمثيلي مع الغناء يصور البرنامج مدى التعاطف والمودة بين الناس في الشهر الكريم من خلال محاولة أسرة لعزومة أسرة أخرى دون إحراجهم من خلال حيلة دبرتها سيدة البيت لعزومة جيرانهم ، حيث تعمدت أن تستعير من جارتها وابور الجاز من جارتها قبل الإفطار، وبالتالي لم تتمكن جارتها من إعداد الإفطار ، وينزل زوجها لدعوة جيرانهم على الإفطار، ويفطن الجيران للحيلة ويضحك الجميع ويطلبون منهم أن ينتناولون الإفطار معهم في اليوم التالي.
فانوس رمضان
ولأن فانوس رمضان أصبح من المعالم الرمضانية التي تسعد الصغار والكبار أيضا، فقد قدمت الإذاعة الصورة الغنائية "فانوس رمضان" ، وذلك من خلال أداء تمثيلي وغنائي يصور المعلم فانوس صانع وتاجر الفوانيس ، ويحكي الرجل تاريخ صنع أول فانوس للخليفة ، من خلال كتاب قديم ورثة المعلم فانوس عن أجداده، حيث يؤكد أن أول فانوس صنع في عهد الدولة الفاطمية، وكان يعمل بالزيت ومصنوع من الزجاج المزركش واستقبال الأهالي لشهر رمضان بالفوانيس في موكب الخليفة الذي يتقدمه الخليفة ومن بعده أشراف القوم والأعيان ، ويتجه الموكب من قصر الخليفة إلى مكان مرتفع لإستطلاع هلال رمضان، وبعد ثبوت الرؤية يعود الناس إلى الشوارع ليبدأوا الاحتفال بالفوانيس مع الأطفال بأغنية "وحوي يا وحوي" وتفسير معنى كلمة "وحوي" ومعناها الإحاطة، أي أن الأطفال يحيطون بالرجال القادمين من الموكب ، ويصور البرنامج أيضا تطور فانوس رمضان من مرحلة الشموع إلى اللمبة الكهربائية .. البرنامج تأليف يحيى نصار وتلحين محمد الشاطبي والغناء لعبد الرؤوف إسماعيل وتيتا صالح ، أما التمثيل فكان لمحمد السبع وأحمد الجزيري وأحمد سعيد وراجية محسن ومحمود عزمي وملك الجمل وناهد سمير وسهير عبد الفتاح .
وجب التأكيد على أن التليفزيون بعد نشأته أعاد إنتاج نفس تلك الصور الغنائية والأوبريتات الرمضانية بنفس التسجيلات الإذاعية، فقط أضاف عليها الصور المرئية التي تعبر عن سيناريو الأوبريت الرمضاني.
https://www.youtube.com/watch?v=5qRakUcQ0Pw