الإنشاد الديني هو فن يربطه بالإسلام علاقة وثيقة وروحانية، فهو لون من ألوان الغناء باستخدام الآلات البسيطة التي صنعها الإنسان، وهو من الفنون الهادفة التي تسمو بالروح الإنسانية إلى أعلى مراتب السكينة والاطمئنان، عبر أصوات خاشعة وحناجر تصدح بكلمات طيبة تتسرب إلى روحك كلمات تحمل معاني التضرع والذكر لله سبحانه وتعالى.
وتقدم "دار الهلال" خلال شهر رمضان الكريم كل يوم ابتهالا لأحد المبتهلين المصريين الذين تناولوا في إنشادهم موضوعات عدة كلها ذات طابع ديني منها العشق الإلهي وأو مدح الرسول ووصف أخلاقه وتعالميه وسيرته الطاهرة.
ولد الشيخ محمد الهلباوي بحي "باب الشعرية" بمدينة القاهرة، في الثاني من ربيع الأول عام 1365 هـ التاسع من فبراير 1946 ميلادية، ومنذ صغره لفت الأنظار إليه، بعذوبة صوته وقوته، وقد ورث عن جده الشيخ الهلباوى أحد محفظى القرآن بقرية ميت كنانة بالقليوبية، حبه وحفظه لكتاب الله عز وجل، فأتم حفظ القرآن الكريم، وهو ما زال صغيراً على يد أكثر من محفظ، وكان جده أحدهم، ومنذ ذلك الوقت بدأ يتلو القرآن وينشد التواشيح الدينية وأناشيد الصوفية حتى أصبحت له قاعدة عريضة من المستمعين الذين جذبتهم إليه عذوبة صوته وقوة أدائه بالرغم من حداثة سنه.
واقتربت شهرته من شهرة الرعيل الأول لفن التواشيح، مثل الشيخ سيد النقشبندى والشيخ نصرالدين طوبار، والشيخ محمد عمران، حتى إن الهلباوى اتجه إلى التزود بالدراسات والأبحاث الصوتية والموسيقية لصقل موهبته بالعلم والدراسة، ولذلك يعتبر الهلباوى أول مبتهل يهتم بميدان البحث العلمى، حتى إنه أضاف إليه مؤلفات وأبحاثاً فى هذا المجال، التى ترجمت إلى اللغات الأجنبية، مما دفع فرق ومعاهد الموسيقى للاستعانة به لتدريس أصول الإنشاد الدينى، وكان من أبرزها معهد الحفنى للدراسات الموسيقية، خاصة بعد اعتماده بوزارة الثقافة، فضلاً عن العديد من الابتهالات والتواشيح الدينية التى سجلتها له وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث بأن بدايته كانت مع بداية الأذان، وكان الصحابي بلال بن رباح -رضي الله عنه- يجود في أذانه كل يوم 5 مرات، ويرتله ترتيلاً حسنًا بصوت جميل جذَّاب، ومن هنا جاءت فكرة الأصوات الندية في الإنشاد بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في الشام ومصر والعراق وأصبح له قوالب متعددة وطرق شتى.
وتؤكد كتب التراث الإسلامي أن بداية الإنشاد الديني كان على أيدي مجموعة من الصحابة، ثم مجموعة من التابعين. وكانت قصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم، هي أساس المنشدين.
ثم أنشدوا قصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا في موضوعات متنوّعة منها: الدعوة إلى عبادة الله الواحد، والتمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض، غيرها.
وفي عهد الأمويين أصبح الإنشاد فنًّا له أصوله وضوابطه وقوالبه وإيقاعاته، واشتهر كثير من المنشدين، وكان أكثر المشتغلين بفن الإنشاد الديني وتلحين القصائد الدينية، إبراهيم بن المهدي وأخته عَليَّة، وأبو عيسى صالح، وعبد الله بن موسى الهادي، والمعتز وابنه عبد الله، وعبد الله بن محمد الأمين، وأبو عيسى بن المتوكل، وغيرهم. وكان عبد الملك بن مروان في دمشق يشجع الموسيقيين وأهل هذا الفن ويدعمهم.
وفي عهد الفاطميين تطور فن الإنشاد، فأصبحوا أول من احتفل برأس السنة الهجرية، وبليلة المولد النبوي، وليلة أول رجب، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وغرة رمضان وعيد الفطر وغيرها من المناسبات.
وفي بدايات القرن العشرين أصبح للإنشاد الديني أهمية كبرى، حيث تصدى لهذا اللون من الفنون كبار المشايخ والمنشدين الذين كانوا يحيون الليالي الرمضانية، والمناسبات الدينية.
وتطوّرت قوالب الفن فأصبحت له أشكال متعددة وأسماء كثيرة تمجِّد الدين الحنيف، وتدعو لوحدة المسلمين، وتشجب الرذيلة، وتدعو إلى الفضيلة، كما ظهرت قنوات متخصصة للإنشاد.