في ذكرى ميلاد الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، ومسرحيته مأساة الحلاج التي كتبها الشاعر متناولًا فيها شخصية المنصور بن حسين المعروف "بالحلاج" وهو أشهر المتصوفين الذين عاشوا في منتصف القرن الثالث الهجريّ، ولماذا اختار عبد الصبور شخصية الحلاج للكتابة عنها، وهل حقًّا شخصية الحلاج تعبر عن شخصية الشاعر صلاح عبد الصبور؟.
تعد مسرحية مأساة الحلاج، أروع المسرحيات الشعرية في العالم العربي، لم تقتصر المسرحية على سردٍ شعريّ فقط، أو توجيه الضوء على قصة الحلاج بل طغى عليها مفهوم وفكرة أقوى وحملت المسرحية جوانب وأبعاد سياسية، تدرس العلاقة بين السلطة المتحالفة مع الدين والمعارضة، ومدى تأثير ذلك على المجتمع، وعلى الشعب البسيط ذات العقول المتواضعة فكريًّا، والتي تنقسم ما بين السلطة الدينية وبين السياسة، والذي عندما عاد الحلاج من مكة ليشق طريق تصوفه، كما تتوق له روحه، نادى بما لم تتقبله السلطة، وكم أثرت السلطة في الناس مطوعة الدين تحت رغبتها وسيطرتها!.
وتطرقت المسرحية أيضًا لمحنة كبيرة كما أدرجها النقاد بعد ذلك في مدرسة المسرح الذهني، وهي "محنة العقل"، الذي ازدان الشاعر صلاح عبد الصبور في وصفها، ومناقشتها داخل إطار مسرحيته "مأساة الحلاج"، وبرغم تعدد الصور الواقعية في المسرحية والإسقاطات الكبيرة لم تفقد المسرحية صورها الشعرية بل ازدادت بصور شعرية فريدة ذات ثراء موسيقيّ.
أراد صلاح عبد الصبور أن يدافع عن ضرورة وجود المسرح الشعري، كفنٍّ أدبيِّ فريد وقوي، لا يقل أبدًا عن أي فن، بل يتميز بمميزات عديدة، وأستطاع صلاح عبد الصبور أن يظهر هذا ويسلط الضوء على ضرورة وجود المسرح الشعري، واستعادة لغته الشعرية قوية كما كانت من قبل، ونتذكر من أبرز مَن كتبوا مسرح شعري أمير الشعراء أحمد شوقي، وقد أظهر "صلاح" أن الشاعرية هي الأسلوب الوحيد للمسرحية الجيدة.
كتب صلاح عبد الصبور مسرحية مأساة الحلاج في عام 1965م، وقسمها إلى قسمين أساسيين، الأول منها أتى بعنوان "الكلمة" وكم الكلمة تكون في أوقات كثيرة قاتلة، برغم أنها مجرد كلمة، ولكن للكلمة ثقل خاص وعمق كبير بما يحتويه معناها، وقد تكون أشد ضرواة وقسوة وخاصةً إذا فسرت بأكثر من معني، فقد كان يدرك الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور هذا الأمر وقيمة الكلمة ولهذا جعل لها قسم خاص في مسرحيته بما جاء من حياة الحلاج، والقسم الثاني جاء بعنوان "الموت" وهنا تبدأ المسرحية أثناء تجول ثلاثة رجال "تاجر، واعظ، فلاح" إشارة إلى الطبقات الفكرية في ذلك الوقت، وفي أثناء سيرهم في طرقات بغداد يجدون شيخ مصلوب كما السيد المسيح، فتبدأ القصة مَن قتل الحلاج؟.
ونأتي لسؤال مهم، لماذا اختار صلاح عبد الصبور شخصية الحلاج الصوفي في أن يبني عليها مسرحيته الشعري؟ لأن "عبد الصبور أراد أن يوظف التراث الديني المتمثل في شخصية الحلاج لكي تكون تعبيرًا ذاتيًّا له، لشعور صلاح عبد الصبور أن شخصية الحلاج هي الأقرب له ولشخصه وتفكيره في هذا الأمر، واستطاع "عبد الصبور" أن يقوم بتوظيف التراث الديني بصورة فنية، كما تردد في هذه المسرحية، فقد كان يشعر الشاعر صلاح عبد الصبور أنه لم يوفق في اختيار طريق الإصلاح السياسي والاجتماعي كما كان الحلاج مما يجعلنا أن نتطرق إلى أن صفات الحلاج هي ذاتها صفات الشاعر صلاح عبد الصبور كما كانت صورته عنها ولنفسه.
لدى صلاح عبد الصبور مسرحيات أخرى غير مأساة الحلاج وهي: "مسافر ليل"، "ليلى والمجنون"، "بعد أن يموت الملك"، "الأميرة تنتظر"، "مأساة الحلاج".
يذكر أن صلاح عبد الصبور هو شاعر مصري ولد في 3 مايو من عام 1931، ويعد من أهم رواد حركة الشعر العربي، والمسرح الشعري، ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي، ورحل الشاعر الكبير عن عالمنا يوم 14 أغسطس من عام 1981، عن عمر ناهز الـ 50 عامًا.