في مبادرة رئاسية جديدة على غرار المبادرات الرئاسية التي شهدتها الأعوام الماضية، حمل خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى في حفل إفطار الأسرة المصرية في رمضان المنقضى، العديد من المبادرات التي رسمت خطته لقيادة الدولة والمجتمع في المرحلة القادمة، إذ شمل الخطاب إلى جانب رصده لما تحقق من إنجازات ونجاحات عدة، قرارات توزعت على 13 بندا تضمنت أبعادا سياسية واقتصادية واجتماعية، هدفت هذه القرارات إلى التأكيد على بدء مرحلة جديدة في العمل الوطنى، تلك المرحلة التي استوجبت شراكة مجتمعية حقيقية عبر المكاشفة والمصارحة الحكومية للواقع الراهن بتحدياته ومتطلباته.
ومن بين البنود الثلاثة عشرة التي حددها الرئيس، جاء الحديث عن الحوار وضرورة البدء فيه، سواء أكان حوارا بشأن دور مؤسسات المجتمع المدنى أم بشأن قضايا العمل الوطنى الاشمل، إذ طالب الرئيس في دعوته من مختلف القوى السياسية والحزبية والشبابية ان تنخرط في حوار سياسى حول قضايا العمل الوطنى، بل مما يكسب هذه الدعوة أهمية خاصة إشارة الرئيس إلى مشاركته الشخصية في المراحل النهائية من جولات الحوار، فضلا عن تأكيده على أن مخرجات هذا الحوار سوف تعرض عليه مباشرة لترجمتها إلى تشريعات وقوانين وسياسات.
في ضوء هذه الدعوة الرئاسية لإطلاق حوارا وطنيا يجمع كافة القوى والاطياف السياسية والحزبية والتكتلات الشبابية، يصبح من الأهمية بمكان التأكيد على ملاحظتين مهمتين:
أولا- أن توقيت الدعوة يحمل دلالة مهمة في اللحظة الراهنة التي تمثل نقطة فاصلة بين مرحلة عبرت فيها الدولة المصرية مخاطر التهديدات الإرهابية من جانب، ومحاولات الاختراق الخارجي من جانب آخر، إذ نجحت الدولة في استعادة قدراتها وامكاناتها في بسط سيادتها على كامل أراضيها وحماية مقدراتها.
وتبدأ اليوم مرحلة جديدة شعارها الجمهورية الجديدة التي اطلقها الرئيس في سبتمبر الماضى، وهذا البدء يتطلب رؤى جديدة ومشاركات فعلية واسهامات حقيقية من الجميع.
ثانيا- أن الدعوة وضعت الجميع أمام مسئولياته الوطنية، إذ ان التهرب من المشاركة الجادة في هذا الحراك السياسى إنما يُعنى تخاذل واضح بل قد يُنظر إلى هؤلاء المتخاذلين تحت حجج واهية نظرة الشك والريبة فيما يحملونه من اجندات ترفع شعارات الإصلاح والتطوير والتنمية. مع الاخذ في الحسبان أن هذه الدعوة لن يُسمح بالمشاركة في فعالياتها من تلوثت يديها بالدماء، لأن أمثال هؤلاء لم يعتدوا استخدام لغة الحوار في الحصول على ما يريدون، إنما اعتادوا على لغة العنف والترهيب، والاستقواء بالخارج في فرض ما يبتغون.
منتهى القول إن اللحظة الراهنة التي تعيشها البلاد مع بدء تدشين الجمهورية الجديدة إنما تمثل مرحلة فاصلة في حياة الامة المصرية، بما يوجب اغتنامها للعبور إلى بر الامن والأمان بتلاحم مجتمعى وتكاتف شعبى وتعاضد سياسى، بحيث يحمل كل طرف مسئوليته وفى الوقت ذاته يؤدى واجبه ويحصل على حقوقه، تلك هي ثلاثية الوطنية بمعناها الاوسع (واجبات تُؤدى، وحقوق تُستحق، ومسئوليات تُنجز).