الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

من وحى مسلسل القرار و"الاختيار": الدراما المصرية أمسكت بتاريخنا من أجل مستقبلنا..!


  • 12-5-2022 | 13:18

أسامة سرايا

طباعة
  • أسامة سرايا

استطاعت الدراما المصرية الإمساك بالسنوات ‏العصيبة فى التاريخ المصرى (٢٠١١ - ٢٠١٣)، التى اجتاحت منطقتنا العربية، وأثرت على حاضرها، بل صنعت مستقبلها الحالى، فقد قضت على الإرهاب، والإرهابيين، وتجار الدين، والجماعات المتطرفة (المتأخونة)، أو (المتأسلمة) الباحثة عن السلطة، متلبسين بجرائمهم الفظيعة فى حق الوطن، وسلمتهم للجماهير (الناس)، أصحاب المصلحة فى المستقبل، بالصوت والصورة لمحاكمتهم جماهيريا، وعبر مسلسل تاريخى، ودرامى جميل، ملأ العقول والنفوس معا.

 الدراما والمسلسلات فى موسم رمضان ٢٠٢٢ فاقت فى جمالها، واستخدامها الصور، والتوثيق التاريخى، حدود الواقع، وجسدته بعبقرية الفن، وأساليب المبدعين، فى تغذية خيال المشاهدين والناس بكل الصورات، والتطورات المتوقعة منها، والتى حدثت وأعادت هز الضمائر، والتساؤل: كيف حدث هذا لمصر؟.. وفى حقيقة الأمر فإننا كنا نتوقع، بل ننتظر من الدراما، والسينما، أن تلاحق مصر، والعرب، والمصريين، فى كل أحوالهم، عبر صنع التاريخ، وتصويب الحاضر، وبناء المستقبل، ونستطيع أن نقولها إنها بهذه الأعمال تتقدم، وتعطينا أملا آخر، بل كانت فى مقدمة الصفوف من أجل بناء وعى جديد، وتحصين وعى قائم.

أخطر ما مر على بلدنا فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين أن تعرضت مصر لسطو إخوانى متأسلم من جماعة قديمة ظهرت فى أحضان الاستعمار البريطانى فى العشرينيات من القرن الماضى (العشرين)، وظلت تطمح وتبنى خلايا سرية، وميليشيات، وإرهابا، وتترصد كل وطنى لتقتله، بل تبحث عن لحظات الضعف الوطنى لكى تقتنص الوطن، وتسرقه من أهله، حتى تقتنص السلطة، وتسيطر على مقاليد الأمور، وهذا ما تهيأ لها تماما بعد ما عُرف بـ"الربيع العربى" الكاذب ما بعد ٢٠١١، حيث تجهز البلد، وسقط فريسة فى أيديهم باستخدام، وتغييب وعى الجماهير، والتسلط على الناس باسم الدين، والإرهاب، وصاغوا مقولة كاذبة أنهم الناس الطيبون الذين انتظرناهم، أو أهل الإسلام الذين أوهموا البعض بأنه غاب طويلا.. لم يكن كل أبناء الوطن يعرفونهم جيدا، خاصة البسطاء من أهل الريف، والأحياء الشعبية، بل كانت جرائمهم، وأفعالهم الإجرامية المكتوبة فى سجلات الأمن، ولدى السلطات المختصة لا تخرج للناس كثيرا، وبمرور الأيام والزمن أخفوا كل الوجوه القبيحة عن الناس، وتجملّوا، وقاموا بعملية سطو كاملة على الوعى الوطنى، وغسل الأدمغة، عبر الرشاوى، ودعاوى خادعة للفقراء حتى يتسلطوا على الوطن ككل، ويصلوا إلى كرسى الرئاسة، بل يسيطروا على المجالس النيابية، والدستورية، ويصبحوا المتصدرين، ويغيبوا العقل المصرى كاملا، بل إنهم أصبحوا الثوار المدافعين عن الناس، وعكسوا حقيقتهم المخيفة، وأخفوها عن العامة، والمضمرة فى النفوس التى لا تعرف أى قيم إنسانية، لكى يسيطروا على السلطة ومقاليد الأمور، وفجأة ظهر الوجه الحقيقى لهم عندما تسلطوا، وتصوروا أنهم سيحكمون إلى الأبد، فظهرت الفجاجة، صورتهم لم تكن قبيحة فقط بل كانت إجرامية، ومزرية إلى حد كبير، أرادوا تسليم الوطن للإرهابيين فى كل مكان، وأرادوا التخلص من مصر والمصريين، وأرادوا أن يجعلوا بلادنا رهينة لكل الإرهابيين من كل فج عميق، وأرادوا إخصاء مصر، وجمالها لمصلحة "داعش"، والإرهاب العالمى، وأصبحت مصر والمصريون فى مواجهة عصيبة، ودامية سنوات أُغرقنا فيها بحقيقة دامغة أن الوطن الذى بنيناه لا ينهار فقط، بل يسرق منا علانية باسم الإسلام، بل يتسلط علينا وعليه أراذل الناس الذين هم بلا قيم.. حقيقتهم المخيفة أصبحت علنية، ويمكن تصويرها، ومشاهدتها، فرفض الشعب، وثار، وكانت صورة يوليو ٢٠١٣ الوجه الأبيض، والناصع لمصر، الذى كشف الحقيقة التى أدركها كل مصرى ومصرية، وكان القرار المنقذ للوطن من الرئيس عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، فى ذلك الوقت، بالوقوف مع الشعب، وإرادته، وكان فى ظهره الشعب، ومؤسساته، بكل شجاعة، واقتدار، حيث تفوق على اللحظة الدقيقة التى كنا نعيشها حتى لا يُفرّغ الإخوان كل المؤسسات من مضمونها، فقد كانوا يريدون قضاء موازيا إخوانيا، وكانوا يبحثون عن ميليشيا إخوانية تكون بديلا عن الشرطة، والمؤسسات الأمنية العريقة، وكانوا يخططون ليكون هناك جيشُ موازٍ، حرسُ ثورىُ جديدُ مثل الذى نراه فى البلاد المجاورة يتعامل مع الشعب لمصلحة قوة خارجية، ومصالح الغير، ضد إرادة الوطن، والمواطنين، ولمصلحة أحزاب باسم "الدين لله"، أو "أنصار الله"، وإخوان، وجهاد.. وغيرها من مسميات ما أنزل الله بها من سلطان لا تصنع أوطانا، بل تفرغ الدول من مضمونها، وتميز بين الناس، ليس على أساس المواطنة، والحقوق، والقيم، والقانون، والدور، والفاعلية، بل منهم الإخوانى، والمتأسلم، والسلفى، والجهادى... وغيرهم.. هذا مواطن صالح مميز، وآخر لا ينضم إليهم ليس له حقوق، عدنا إلى زمن الطبقية، والعبودية ليس لله، ولكن للجماعات، لحظة تاريخية عظيمة عشناها شكلت مضمون الإنقاذ لمصر والمصريين، بل للعرب، والمنطقة ككل، شبيهة تماما إلى حد الدقة بما حدث لنا عندما واجهنا الهزيمة المنكرة بعد ١٩٦٧ والاحتلال الأجنبى- الإسرائيلى، حيث عبرت قواتنا القناة، وحررت سيناء حربا، وسلاما، وتحكيما بقرار مصرى خالص كان وراءه الرئيس الراحل (السادات)، والجيش المصرى العظيم، الذى صمم على التحرير، واسترداد الأرض منذ لحظة الهزيمة فى ١٩٦٧ ، بعد ٦ سنوات قاسية تحت الاحتلال البغيض. 
قراران يسكنان التاريخ المصرى الحديث وراء بناء الدولة الحديثة التى نعيش فى ظلها الآن، هما: قرار التحرير فى ١٩٧٣، أو العبور العظيم، وقرار التخلص من الإخوان المتأسلمين فى ٢٠١٣، الذين سيطروا على الحكم، وعلى الشارع، باستخدام سلاح المظاهرات، والميليشيات، والتخويف بحرق الوطن، وحرق المدن عبر إشعال محطات البنزين، التى كانوا يملكونها، وباستخدام خلاياهم الإرهابية المنتشرة فى عروق الوطن، وعبر إعادة سيناء لتكون إمارة للمتأسلمين تستخدم لإخضاع الوطن ككل لإرادتهم.
قرار التخلص من الإخوان فى يونيو ٢٠١٣ صنعته الجماهير التى خرجت عن بكرة أبيها فى كل شوارع، ومدن الجمهورية، منددة، ورافضة لحكم المرشد، لهذا الحكم الدينى الجائر، الذى صادر الوطن، وحجّم مؤسساته، بل كاد يلغيها تحت وطأة الخيانة، والتآمر مع القوى الخارجية.. كان القرار المنقذ علامة صحة للوطن، وقدرة، وعلامة اقتدار للجيش، والمؤسسات الأمنية، سجلها ضمير المصريين، وسجلتها سجلات الخالدين أن فى مصر قادة كبار، وعظماء قادرون على الحسابات الدقيقة، وقادرون على اتخاذ القرارات الصعبة فى كل الظروف المحيطة، ويتحملون نتائجها، ومسئوليتها، ويصنعون منها نصرا للوطن، وأبنائه..


قرار صعب خلّصنا من أكبر مافيا، وميليشيات انتهازية فى تاريخنا كله، والتى تسلطت على مصر، وخططت لكى تحكم بالحديد، والنار، وباستخدام السلاح الدينى الجبار، وتخويف المصريين، وحرقهم بنار جهنم.. لم يكن القرار سهلا، بل دقيقا، وشجاعا، ومحاطا بتخوفات داخلية، وخارجية، كبرى، فنحن أمام أكبر، وأهم، جماعة دينية عمرها يقترب من ١٠٠ عام، تغذت على أموال بترولية ضخمة، واستفادت من الصراعات السياسية، وتم توظيفها من أجهزة المخابرات العالمية منذ الحرب العالمية، وقدمت للجميع خدمات جاهزة طوال سنوات وجودها، بل كانت تشكل ذراعا تستخدم لإجهاض أية إصلاحات وطنية، أو بناء نظم حديثة، وتطوير مجتمعاتنا حتى تواكب العصر، وكانت أداة تعويق، وتخويف، فأعضاؤها جنود الظلام، بل جنود التخلف والرجعية، وهم لا يبخلون بشىء من أجل السلطة وحدها، وهو ما يبحثون عنه، وهو هدفهم، ليس من أهدافهم حماية الناس، أو حماية الأوطان، أو تقدمها، ولكن السلطة، والتحكم، ولمصالح شخصية ضيّقة مافياوية، وإرهابية خطيرة لمصلحة الغير.
 لقد تحملت مصر، وقادتها، ومؤسساتها هذا القرار الخطير لكى تصنع المستقبل لشعبها، والحمد لله نحن الآن نقف على أرض صلبة، وتمت هزيمة هذا التيار ، وتحجيم آثاره السلبية الحقيرة، التى عطلت مصر كثيرا، بل كانت وراء تأخيرها كل هذه السنوات، وإعاقتها عن موالية العصر، وعن صناعة ديمقراطية حقيقية تعبر عن إرادة الناس، وتصنع مستقبلهم، وتحصّن حاضرهم،
بل إن هذا التيار هو الذى أجهض طاقات الشباب بحجة الجهاد، واستخدامهم باسم الإسلام لصناعة الإرهاب، والتطرف، الذى أخاف العالم من المسلمين، والذى ساد منطقتنا، والعالم، فى العقود الأربعة المنقضية، وعندما يخبو، ويُهزم يعودون من جديد بغتة باستخدام الأموال الطائلة التى تحت أيديهم، والتى يحصلون عليها عبر غسل الأموال القذرة، والمخدرات، وإدارة شبكات مشبوهة لتوظيف التطرف فى المنطقة ككل، والسيطرة على البلاد..
إن حقائق هذا التنظيم، وعمليات الإرهاب التى قام بها، كان يجب أن تصل إلى الجميع، ويجب أن تصل بكل الأساليب الفنية الإبداعية إلى الناس، وإلى المستفيدين من الاستقرار، وبناء الوطن، وكشفْ ألاعيب هذه الجماعات، لكى يعرفوا الحقائق عبر مسلسل درامى مبدع، وإذ بنا نجد أن الفن المصرى مبدع، والدراما تعيد بعثْ ما حدث، وإعادة تصويره، وعادت الأيام حية بكل تفاصيلها، وأحداثها، ووقائعها الجسيمة، والمثيرة،  بل شخوصها التاريخية، بعمل درامى فذ، ومتتالٍ ومميز من عام لآخر فى سنوات ٢٠٢٠ و ٢٠٢١ و ٢٠٢٢، حتى وصلنا فى هذا المسلسل الحالى إلى نقطة الذروة، أو قمتها الدرامية، عندما اتخذت مصر ورئيسها السيسى القرار الخطير المنقذ للناس، وللوطن كافة، وترجمه الشعب، ومؤسساته، على الأرض بتكلفة عالية من دماء، وجهود رجال القوات المسلحة، والأمن، على أرض الواقع، ومازلنا نسير فى هذا المسار العظيم لنكشف خديعة التنظيمات المتطرفة، والإرهابية، وكل جرائمها فى حق الناس.


ما كشفه الشعب، ومؤسساته، ترجمته، وصاغته الدراما، والفن، فى حدث، ومسلسل، اجتمعت حوله الناس فى مظاهرة حب، وتأييد، جديدة، فقد أعاد المسلسل تصوير المشهد المصرى، بكل ‏ملابساته التاريخية، بواقعية، وبلا مبالغة، لكل الطبقات، والنخب المثقفة، والعامة، والتجاوب الجماهيرى الذى حظى به مسلسل "الاختيار"، بأجزائه الثلاثة، كان ضخما، والجزء الأخير أكثر كفاءة، واقتدارا، وأكد للمشاهد، والمواطن عامة، خطورة ما مر بالوطن، وتم اجتيازه بسلام، وشجاعة، وتضحيات أبنائه الجسام، وأرواح شهدائه، واستخدام العقول الفذة، والأجهزة المخابراتية الدقيقة، والأمنية، والمعلوماتية، التى أكدت باقتدارها أن هذه الجماعة كانت وراء كل جريمة، وكشفت كل تفصيلة لتؤكد لنا من جديد ما كنا نعرفه عن كفاءتها، واقتدارها، وثقتنا بأننا وراءنا، وأمامنا رجال أمن أكفاء يحظون بثقتنا، ويؤدون الأمانة، بفضل ما وصلوا إليه من معايير عالمية، وتقدم، جعلت مصر تحتل مكانتها فى عالمنا، وجعلتنا نثق أن وراءها جيشا، وشرطة، يحميانها، وتتابعها أجهزة معلومات، وأمن عصرية، وحديثة، وكذلك وطنية، وتضحى بكل شىء من أجل الوطن، وتجعلنا نسير فى النور، وتحمى القانون، ولديها القدرة على الفعل، والتحليل.

وإذا كنا نعيش فى عصر المعلومات والثورة التكنولوجية التى جعلت المعرفة أهم عنصر فى تحقيق النصر، فإننا نفتخر بقدرة أجهزتنا على تحقيق الهدف، وقدرتها الأمنية، والمخابراتية، على اختراق كل الأعداء، والمتربصين، والمجرمين، والمتآمرين والمنحرفين، لتعرف ما يدور، ويُخبئه لنا هؤلاء الذين يكرهون أوطاننا، ويبيعون حقوقنا، ومصالحنا للجريمة، ولأوهامهم الخبيثة.
أوقن أن الأوطان تنتصر بالجيوش الحديثة، ولكن المعلومات، والبحث الدقيق، عنها يوفر علينا حتى الحروب نفسها، بل إن المعلومات مفتاح النصر سلما، وحربا، لأننا نكون جاهزين بالمعرفة الدقيقة لما يحدث حولنا، ويدور فى كواليس هذه المنظمات الإجرامية، وكذلك ما يدور ضدنا.
أعتقد أن ما رصدته الدراما هذا العام أكد لنا قدرة مصر، وذراعها الطويلة، وعقلها التحليلى، والأمنى، الذى يصل إلى الحقيقة، ويبنى القدرة على معرفة ما يدور داخلها، وحولنا.
لقد انتصرت مصر على سنوات الفوضى، وعلى أجيال الإرهابيين، والمتطرفين بالمعلومات، ورجال الأمن، والمعرفة، والتى يحصلون عليها بتضحيات جسام، وبعقول قادرة، ومدربة.
ولقد شعرنا ونحن نتابع المسلسل الدرامى بقدرتها، وأنهم كانوا هناك، دائما، يعرفون، ويحمون الناس، ولم يتخاذلوا، أو يتأخروا عنا أبدا، وتحملوا، هم وأسرهم، أعباء ضخمة ينوء عن حملها حتى الجبال، وحتى أصحاب الهمم الجسام، ولكنهم كانوا يدفعون الثمن، ولا يهابون أعداءهم، وكلهم ثقة، وروح عالية وثّابة، ويقين بما يدافعون عنه، وأنهم يحمون أهاليهم، وأبناءهم، وأحفادهم، ويحمون كذلك الوطن، ومستقبله.
لقد خرجنا من المسلسل ونحن نشعر بقدراتنا، وكفاءتنا، واقتدار أبنائنا، ومؤسساتنا الأمنية عالية الاقتدار، وقد عدت بالذاكرة إلى حرب أكتوبر، وإلى حرب الاستنزاف عندما رفضنا الهزيمة، وإلى مسلسل "رأفت الهجان"، الذى كان يعرف ما يدور فى تل أبيب بإسرائيل، وينقله إلى وطنه بدقة، وشجاعة المحاربين، وهاهم رجال المعلومات، و الأمن المصرى، ترتفع هاماتهم عالية، ويجسّدون روح البطولة، بل يصنعون للوطن مجدا تاريخيا، وما أصعب الحب، والكفاءة، والانتصار، والاقتدار، فى معارفنا القاسية لبناء الوطن، وحماية أبنائه!
إننا إذا كنا نسجل للدراما المصرية أنها استطاعت أن تصل إلى هذه الحقائق، وتنقلها، وتسجلها للتاريخ، والأجيال الحاضرة، والمستقبلية، والناس، ليس لكى نتسلى بها فى دراما فقط، ولكن لكى نحصّن وعينا، ونحمى تاريخنا من أى تضليل، أو ضياع، أو أكاذيب تعيد هذه الجماعات المخزية للحياة مرة أخرى، والإرهابية، وإنتاجها من جديد لكى تتسلط على الوعى، وتعيد إنتاج نفسها أمام الناس بصورة جديدة- فإنه لا يمكن أمام هذه الحقائق الدامغة التاريخية، وما كشف عنه هذا المسلسل، السماح مرة أخرى بإنتاج هذه الجماعات المتأسلمة، أو مثلها، بمسميات جديدة تحت أى وضع، أو تكون لاعبا سياسيا فى المشهد المصرى مرة أخرى، بل لن نسمح مرة أخرى أن يشعر الوطن بأى لحظة هوان، أو ضياع، من جديد تمّكن هذه الشرذمة من العودة.
إن الأبعاد، التى كشف عنها هذا المسلسل، وما صاحبه من تصور دقيق لفكر الجماعات المتأخونة، أو الإخوانية، كشفت فاتورة هذا العقل الإجرامى على الوطن ككل، وعلى الهوية المصرية، وكذلك على مستقبل الأجيال القادمة، وأن تحصين الوعى، وخلقْ الإرادة الوطنية للبناء هو الهدف الأسمى لكل المصريين كافة، حتى نحصل فى النهاية على نظام سياسى متكامل ديمقراطى تحميه الجماهير بلا عنف، وبلا إرهاب، وبلا تسلط على الناس، وبلا جماعات تخريبية تضر بالوطن، وبالمصلحة الوطنية، بل تضرب عُرض الحائط بمستقبل الوطن مقابل حصولها على السلطة، وتوظيفها لمصلحة الغير، وضد الناس، ومستقبلهم، على عكس السلطة فى المجتمعات الديمقراطية، فهى ليست هدفا فى حد ذاتها، بل هى وسيلة وهدف لخدمة الناس، والوطن، وبناء المؤسسات، والهوية الوطنية الخالصة، وحماية ما يتحقق لكل الشعب، وأبنائه الحاليين، والأجيال المستقبلية، بل لحماية ثرواته وإنجازاته.
 إن الحقائق التاريخية التى كشف عنها مسلسل "الاختيار"، والنزعة الوطنية التى صاحبته، والأبعاد الجمالية، والفنية التى أحاطته من الدراما، والحكى المتسلسل المبدع- تعكس قدرة الوطن، وقدرة المصريين على الاستمرارية، وعلى حماية هويتهم بكل الوسائل، والتعبير عنها بكل جسارة، وصنع مستقبله باقتدار، وتفوق.

فكل التحية إلى رواد، وصنّاع الدراما المصرية كتابا، ومخرجين، وفنانين، وفنونا، وصناع الصورة، وبناء هذا الحدث، والدروس المستفادة كثيرة، ومتنوعة، تجعلنا نعظم، ونثمن هذا الحدث الدرامى إلى حد كبير، فهذه الأعمال الدرامية هى التى تبنى العقول، وتغذى الأرواح، وهى كذلك تبنى الوعى الجمعى للوطن، وأبنائه، وتحمى الذاكرة الوطنية من أى شوائب، أو دعاوى، وتغذى الضمير الوطنى، وتجدده، وتعطينا الثقة فى حاضرنا، واليقين بقدرتنا على صناعة المستقبل، وبناء دولة مصرية حديثة تقوم على وعى المواطنين بكل صفاتهم، بل صناعة نخب حديثة، ومتطورة فى كل مجالات الحياة، تحميها مؤسسات دستورية، وأمنية عصرية، وقادرة على مواكبة كل التطورات، وتحقيق أهداف الناس، وحماية مستقبلهم، فنشعر نحن أبناء الوطن بثقة، لأن وراءنا عقولا، ومؤسسات تعمل ليل نهار على حماية ما نبنيه، ونصنعه.
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة