الثلاثاء 14 مايو 2024

الشاعر الحلاق


حلمي ياسين

مقالات12-5-2022 | 14:07

حلمي ياسين

للعام‭ ‬الثالث‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬وفي‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الكريم،‭ ‬نتابع‭ ‬مسلسل‭ ‬“الاختيار”‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬يتناول‭ ‬تفاصيل‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬جماعة‭ ‬حسن‭ ‬البنا‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬والشعب‭ ‬المصري‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬محتدمة‭ ‬من‭ ‬تاريخنا،‭ ‬وهي‭ ‬السنوات‭ ‬من‭ ‬2011‭ ‬وحتى‭ ‬سنة‭ ‬2013،‭ ‬أي‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬ثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‭ -  ‬30‭ ‬يونيو،‭ ‬بما‭ ‬ترتب‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬وما‭ ‬أدت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬وقائع‭ ‬وكشفت‭ ‬وجوهًا‭ ‬وأسقطت‭ ‬أقنعة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الجزء‭ ‬الثالث‭ ‬منه‭ ‬الذي‭ ‬تابعناه‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬2022‭ ‬حمل‭ ‬نقطة‭ ‬تميز‭ ‬خاصة،‭ ‬وهي‭ ‬وجود‭ ‬جانب‭ ‬توثيقي‭ ‬أو‭ ‬تسجيلي،‭ ‬يتعلق‭ ‬ببعض‭ ‬المواقف‭ ‬وبعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتسيّد‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬إذ‭ ‬اشتملت‭ ‬كل‭ ‬حلقة‭ ‬على‭ ‬لقطة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬للأبطال‭ ‬الحقيقيين‭ ‬بالعمل،‭ ‬فيطلّ‭ ‬علينا‭ ‬خيرت‭ ‬الشاطر‭ ‬بصورته‭ ‬وصوته‭ ‬الحقيقي‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمرشد‭ ‬الجماعة‭  ‬محمد‭ ‬بديع،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬محمد‭ ‬مرسي‭ ‬وعصام‭ ‬العريان‭ ‬وغيرهما‭.‬

سبق‭ ‬لبعض‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬أن‭ ‬استعانت‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المشاهد‭ ‬التوثيقية‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نحصرها‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مواقف‭ ‬مثل‭ ‬قرار‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬بتأميم‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬سنة‭ ‬1956،‭ ‬أو‭ ‬خطاب‭ ‬التنحي‭ ‬أو‭ ‬مشهد‭ ‬جنازة‭ ‬عبد‭ ‬الناصر،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬للرئيس‭ ‬السادات‭ ‬يأتي‭ ‬خطاب‭ ‬16‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭ ‬خطاب‭ ‬النصر‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشعب‭ ‬أو‭ ‬مشهد‭ ‬زيارته‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬سنة‭ ‬1977،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬للفترة‭ ‬الحالية‭ ‬يقتصر‭ ‬الاستشهاد‭ ‬على‭ ‬قرارات‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬يوليو‭ ‬2013‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسي‭ ‬في‭ ‬حضور‭ ‬رموز‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬استشهادات‭ ‬بعضها‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬حماس‭ ‬المشاهد‭ ‬وسخونة‭ ‬العمل،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التذكير‭ ‬بأهمية‭ ‬اللحظة،‭ ‬وليس‭ ‬تقديم‭ ‬معلومة‭ ‬أو‭ ‬وثيقة‭ ‬جديدة‭ ‬لها،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬جميعها‭ ‬معروفة‭ ‬لنا‭ ‬وللمشاهدين‭ ‬جميعًا‭.‬
في‭ "‬الاختيار‭" ‬يختلف‭ ‬الأمر‭ ‬كثيرا،‭ ‬المشاهد‭ ‬التوثيقية‭ ‬تذاع‭ ‬معظمها‭ ‬وتعلن‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تقدم‭ ‬معلومات‭ ‬جديدة،‭ ‬موثقة‭ ‬للمشاهد،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬اللقطات‭ ‬الوثائقية‭ ‬تهدم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دعايات‭ ‬وأكاذيب‭ ‬جماعة‭ ‬البنا،‭ ‬وتكشف‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬حرصت‭ ‬تلك‭ ‬الجماعة‭ ‬أن‭ ‬تخفيه‭ ‬عن‭ ‬المواطن،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬عن‭ ‬أعضائها‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬شاهدناه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬المتابع‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أننا‭ ‬بإزاء‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬البلطجية‭ ‬والإرهابيين‭ ‬بمعنى‭ ‬صحيح‭ ‬ومباشر،‭ ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجماعة،‭ ‬كما‭ ‬زعم‭ ‬البعض،‭ ‬حمائم‭ ‬وصقور،‭ ‬ليس‭ ‬فيهم‭ ‬طيب‭ ‬وشرير،‭ ‬كلهم‭ ‬نسخة‭ ‬واحدة،‭ ‬وكلهم‭ ‬أشرار،‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬ممارسة‭ ‬الشر‭ ‬وفعله‭.‬
تابعنا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المشاهد‭ ‬محمد‭ ‬مرسي‭ ‬وهو‭ ‬يتفاخر‭ ‬بأنه‭ ‬اتصل‭ ‬بأحد‭ ‬نواب‭ ‬الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬وهو‭ ‬محمد‭ ‬رجب‭ ‬وهدده،‭ ‬كان‭ ‬رجب‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬ندوة‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬واتصل‭ ‬به‭ ‬مرسي‭ ‬مهددًا‭ ‬وسمعناه‭ ‬وهو‭ ‬يتفاخر‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬المشهد‭ ‬تكرر‭ ‬كثيرا،‭ ‬من‭ ‬كل‭ "‬الإخوة‭"‬؛‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬قدمته‭ ‬تلك‭ ‬اللقطات‭ ‬أن‭ ‬مصر،‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬محمد‭ ‬مرسي‭ ‬كانت‭ ‬تُدار‭ ‬من‭ ‬مكتب‭ ‬الإرشاد،‭ ‬وأن‭ ‬الحاكم‭ ‬الفعلي‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬المهندس‭ ‬خيرت‭ ‬الشاطر‭ ‬نائب‭ ‬المرشد‭ ‬العام،‭ ‬والذي‭ ‬يعلو‭ ‬تنظيميا‭ ‬داخل‭ ‬الجماعة‭ ‬على‭ ‬محمد‭ ‬مرسي،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬إلى‭ ‬مرسي‭ ‬الأمر‭ ‬وأن‭ ‬يتقبله‭ ‬مرسي‭ ‬وينفذه،‭ ‬باختصار‭ ‬كان‭ ‬يملك‭ ‬عليه‭ ‬سلطة‭ ‬التوجيه،‭ ‬بل‭ ‬الأمر‭ ‬والنهي،‭ ‬كشف‭ ‬المسلسل‭ ‬ذلك‭ ‬بجلاء‭ ‬تام،‭ ‬نحن‭ ‬كنا‭ ‬نعرف‭ ‬ذلك‭ ‬وقتها،‭ ‬بحكم‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي،‭ ‬الذي‭ ‬يتيح‭ ‬لنا‭ ‬رؤية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬والمشاهد‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬باختصار‭ ‬كان‭ ‬مكتب‭ ‬الإرشاد‭ ‬بالمقطم‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يصوغ‭ ‬القرارات‭ ‬الجمهورية‭ ‬وتذهب‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬مغلق‭ ‬إلى‭ ‬الاتحادية‭ ‬للاعتماد‭ ‬فقط،‭ ‬وقد‭ ‬قامت‭ ‬خطة‭ ‬مكتب‭ ‬الإرشاد‭ ‬وقتها‭ ‬والرجل‭ ‬القوي‭ ‬به‭ ‬خيرت‭ ‬الشاطر‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬كل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭ ‬وترهيب‭ ‬القائمين‭ ‬عليها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ترهيب‭ ‬المواطن‭ ‬العادي،‭ ‬بل‭ ‬ترهيب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬نفسه،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬تصرفاته‭ ‬عبر‭ ‬أحمد‭ ‬عبد‭ ‬العاطي،‭ ‬رجل‭ ‬الشاطر‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬مرسي‭ ‬بالاتحادية‭ ‬فكان‭ ‬عينًا‭ ‬عليه‭ ‬وصوتًا‭ ‬آمرًا‭ ‬له‭.‬
نجح‭ ‬المسلسل‭ ‬كذلك‭ ‬عبر‭ ‬الجانب‭ ‬التوثيقي‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يكشف‭ ‬كيف‭ ‬تمت‭ ‬هندسة‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬كي‭ ‬ينتهي‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬حسن‭ ‬البنا‭ ‬التي‭ ‬تفننت‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الإرهاب‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬الأربعينيات‭ ‬مع‭ ‬اغتيال‭ ‬أحمد‭ ‬ماهر،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬ثم‭ ‬المستشار‭ ‬أحمد‭ ‬الخازندار‭ ‬ومن‭ ‬بعد‭ ‬محمود‭ ‬فهمي‭ ‬النقراشي،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬وسليم‭ ‬زكي،‭ ‬حكمدار‭ ‬العاصمة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الملكي،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ثورة‭ ‬1952‭ ‬كانت‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬في‭ ‬المنشية‭ ‬سنة‭ ‬1954،‭ ‬وتبين‭ ‬في‭ ‬التحقيقات‭ ‬أنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬قائمة‭ ‬اغتيالات‭ ‬أخرى‭ ‬ضمت‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬قيادة‭ ‬الثورة،‭ ‬مثل‭ ‬محمد‭ ‬أنور‭ ‬السادات،‭ ‬وزكريا‭ ‬محيي‭ ‬الدين،‭ ‬وتكررت‭ ‬المحاولة‭ ‬سنة‭ ‬1965‭ ‬مع‭ ‬تنظيم‭ ‬سيد‭ ‬قطب،‭ ‬ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬أن‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬تنظيم‭ ‬قطب‭ ‬وهما‭ ‬محمد‭ ‬بديع‭ ‬ومحمود‭ ‬عزت‭ " ‬يُحاكَمان‭ ‬الآن‭"‬،‭ ‬حوكما‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬1965‭ ‬وخفف‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬الحكم‭ ‬عليهما‭ ‬نظرا‭ ‬لحداثة‭ ‬سنهما‭.‬
حاول‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬أن‭ ‬يمنح‭ ‬الجماعة‭ ‬فرصة‭ ‬للتطهر‭ ‬وللبداية‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لكنهم‭ ‬خرجوا‭ ‬أكثر‭ ‬حقدًا‭ ‬وأشد‭ ‬شراسة‭ ‬،‭ ‬خرجوا‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتخريب‭.‬
‭"‬الاختيار‭" ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬سجل‭ ‬الجماعة‭ ‬بالصوت‭ ‬وبالصورة،‭ ‬مما‭ ‬يجعلنا‭ ‬ندرك‭ ‬سر‭ ‬فشل‭ ‬تلك‭ ‬الجماعة‭ ‬ماضيًا‭ ‬وحاضرًا‭ ‬ومستقبلًا،‭ ‬الحق‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تفشل‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬فقط،‭ ‬لاحقهم‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬حلّوا‭ ‬به،‭ ‬من‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬والجزائر‭ ‬والمغرب،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الأردن‭ ‬وسوريا،‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬قاطبة،‭ ‬بل‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬نفسها،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬تعللوا‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬رفضوا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬تحديدا‭ ‬أمر‭ ‬مردود‭ ‬عليه،‭ ‬فشلهم‭ ‬بيّن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬فشلوا‭ ‬مع‭ ‬الأنظمة‭ ‬الملكية‭ ‬كفشلهم‭ ‬مع‭ ‬الأنظمة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬هُزموا‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحافِظة،‭ ‬كما‭ ‬هُزموا‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المنفتحة،‭ ‬لأن‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬صُلب‭ ‬فكرتهم‭ ‬ومشروعهم،‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للبناء‭ ‬ولا‭ ‬للنجاح‭.‬
وفيما‭ ‬يخص‭ ‬العداء‭ ‬مع‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬،‭ ‬كشف‭ "‬الاختيار‭" ‬بوضوح‭ ‬تام،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬لديها‭ ‬عداء‭ ‬مطلق‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وخاصة‭ ‬ثلاث‭ ‬منها،‭ ‬وهي‭ ‬الدفاع‭ "‬الجيش‭"‬،‭ ‬والأمن‭ "‬الداخلية‭"‬،‭ ‬والقضاء،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ "‬الثقافة‭ ‬والإعلام‭ ‬والفنون‭"‬،‭ ‬عايشنا‭ ‬ورأينا‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬معركة‭ ‬حصار‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬العليا‭ ‬وكانت‭ ‬بالتنسيق‭ ‬بين‭ ‬خيرت‭ ‬الشاطر‭ ‬وحازم‭ ‬أبو‭ ‬إسماعيل،‭ ‬ومعركة‭ ‬عزل‭ ‬النائب‭ ‬العام‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬محمود،‭ ‬أما‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬المقرات‭ ‬الأمنية‭ ‬فهو‭ ‬قديم‭ ‬ودائم‭ ‬لديهم‭.‬
معركتهم‭ ‬الكبرى‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭ ‬المصري،‭ ‬ليست‭ ‬معركة‭ ‬جديدة‭ ‬وليس‭ ‬صحيحًا‭ ‬أنها‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬والمشير‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسي،‭ ‬الحق‭ ‬أنها‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات‭ ‬أيام‭ ‬زعيمهم‭ ‬حسن‭ ‬البنا،‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬اختراق‭ ‬الجيش‭ ‬وتكوين‭ ‬خلايا‭ ‬داخله‭ ‬بزعم‭ ‬مقاومة‭ ‬الاستعمار،‭ ‬ثم‭ ‬تبين‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬للجيش‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬تابعا‭ ‬له‭ ‬ولأغراضه‭ ‬الخاصة‭ ‬وأهدافه‭ ‬الشريرة،‭ ‬اكتشف‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬مبكرًا‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬البنا‭ ‬وجماعته‭ ‬لا‭ ‬يعترفون‭ ‬بالقضية‭ ‬الوطنية‭ ‬ولا‭ ‬بالوطن،‭ ‬هم‭ ‬يريدون‭ ‬مشروعًا‭ ‬أمميًا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬الخلافة،‭ ‬لذا‭ ‬حدثت‭ ‬القطيعة‭ ‬بين‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬والجماعة‭ ‬وصارحهم‭ ‬البكباشي‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬بذلك‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1949‭.‬
لما‭ ‬قامت‭ ‬ثورة‭ ‬1952،‭ ‬تصور‭ ‬المرشد‭ ‬الثاني‭ ‬حسن‭ ‬الهضيبي‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬المرجعية‭ ‬لضباط‭ ‬الثورة‭ ‬ولما‭ ‬رفضوا‭ ‬طلبه،‭ ‬ناصبهم‭ ‬هو‭ ‬وجماعته‭ ‬العداء،‭ ‬وتكرر‭ ‬الأمر‭ ‬زمن‭ ‬حكم‭ ‬الإخوان‭.‬
رأينا‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬في‭ "‬الاختيار‭" ‬محمد‭ ‬مرسي‭ ‬وهو‭ ‬يعرض‭ ‬على‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسي،‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الجماعة،‭ ‬بذريعة‭ ‬أن‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬رجل‭ ‬متدين‭ ‬وملتزم،‭ ‬ولا‭ ‬ينقصه‭ ‬سوى‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الجماعة‭ ‬وهي‭ ‬ذريعة‭ ‬بلهاء‭ ‬تتجاهل‭ ‬الفكرة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وتتجاهل‭ ‬تاريخ‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬الذي‭ ‬راعى‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسه‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬مشروع‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬والفكرة‭ ‬الوطنية‭ ‬عمومًا،‭ ‬كان‭ ‬رد‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬على‭ ‬العرض‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬إخوانيًا‭ ‬وليس‭ ‬سلفيًا‭ ‬ولن‭ ‬يكون،‭ ‬وأن‭ ‬الجيش‭ ‬جيش‭ ‬وطني‭ ‬هدفه‭ ‬حماية‭ ‬مصر‭ ‬والمصريين‭ ‬جميعا،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يستوعبوا‭ ‬تلك‭ ‬الرسالة‭ ‬ويحترموا‭ ‬رد‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع،‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬أعلنوا‭ ‬العداء‭ ‬له‭ ‬شخصيا‭ ‬واستهدفوه‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الشائعات،‭ ‬كما‭ ‬استهدفوا‭ ‬كبار‭ ‬القادة‭ ‬والجيش‭ ‬كله،‭ ‬لم‭ ‬يدركوا‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرنين‭ ‬كان‭ ‬حاميًا‭ ‬لوطنية‭ ‬الدولة،‭ ‬والمدهش‭ ‬للكثيرين‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬أيضا‭ ‬حاميًا‭ ‬لمدنية‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬هم‭ ‬أرادوه‭ ‬جيشًا‭ ‬طائفيًا‭ ‬يعمل‭ ‬لمشروع‭ ‬وهمي‭ ‬اسمه‭ "‬أستاذية‭ ‬العالم‭ ‬ودولة‭ ‬الخلافة‭"‬،‭ ‬وفقا‭ ‬لمصطلحات‭ ‬حسن‭ ‬البنا،‭ ‬لكنه‭ ‬بفضل‭ ‬قائده‭ ‬العام‭ ‬وسائر‭ ‬القادة،‭ ‬ظل‭ ‬عصيًّا‭  ‬على‭ ‬الاختراق،‭ ‬أو‭ ‬التحول‭ ‬عن‭ ‬عقيدته‭ ‬الوطنية‭. ‬
إن‭ ‬العمل‭ ‬الإبداعي‭ ‬كـ‭ "‬نص‭ ‬أدبي‭" ‬أو‭ ‬مشاهد‭ ‬درامية‭ ‬وفنية،‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬إنجازه‭ ‬بإتقان‭ ‬يصبح‭ ‬وثيقة‭ ‬بحد‭ ‬ذاته،‭ ‬ويصير‭ ‬توثيقًا‭ ‬لحقبة‭ ‬معينة‭ ‬وللقضية‭ ‬التي‭ ‬يتناولها،‭ ‬وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬فيلم‭ "‬الزوجة‭ ‬الثانية‭" ‬للمخرج‭ ‬العظيم‭ ‬صلاح‭ ‬أبو‭ ‬سيف‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬كمصدر‭ ‬لفهم‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بالريف‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تاريخية‭ ‬بعينها،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬العمدة‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ويتحكم‭ ‬في‭ ‬مصائر‭ ‬أهل‭ ‬القرية،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬القوانين‭ ‬السائدة‭ ‬والقيم‭ ‬العامة،‭ ‬ومسلسل‭ ‬مثل‭ "‬رأفت‭ ‬الهجان‭" ‬يوثق‭ ‬مرحلة‭ ‬الصراع‭ ‬المخابراتي‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬مرورًا‭ ‬بالعدوان‭ ‬الثلاثي‭ ‬وحرب‭ ‬1967‭.‬
الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬أكد‭ ‬أهمية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬الكثيرون،‭ ‬إن‭ ‬المشاهد‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬سنويًا‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬ثورة‭ ‬1919‭ ‬والمظاهرات‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬مأخوذة‭ ‬عن‭ ‬فيلم‭ "‬بين‭ ‬القصرين‭" ‬للمخرج‭ ‬حسن‭ ‬الإمام‭ ‬ورواية‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬ومع‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬صار‭ ‬البعد‭ ‬التوثيقي‭ ‬ملمحًا‭ ‬بارزًا‭ ‬للأعمال‭ ‬السياسية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬ليتأكد‭ ‬المشاهد‭ ‬أنه‭ ‬بإزاء‭ ‬عمل‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬وأحداث‭ ‬حقيقية‭ ‬وأن‭ ‬مساحة‭ ‬الخيار‭ ‬فيه‭ ‬محدودة،‭ ‬متروكة‭ ‬لبعض‭ ‬التفاصيل‭ ‬الجانبية،‭ ‬أما‭ ‬صُلب‭ ‬العمل‭ ‬وقضيته‭ ‬الكبرى‭ ‬موثقة‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬المصداقية‭ ‬ورسالة‭ ‬إلى‭ ‬المشاهد‭ ‬أنه‭ ‬بإزاء‭ ‬عمل‭ ‬حيّ‭.‬
ولعل‭ ‬حجم‭ ‬الهلع‭ ‬الذي‭ ‬تلبس‭ "‬الذباب‭ ‬الإلكتروني‭" ‬التابع‭ ‬للجماعة،‭ ‬يؤكد‭ ‬أنه‭ ‬أصاب‭ ‬كبد‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فـ‭ "‬الاختيار‭" ‬يقدم‭ ‬سجلًا‭ ‬حيًا‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬لفشلهم‭ ‬طوال‭ ‬تاريخهم‭ ‬وعجزهم‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬نموذج‭ ‬يمكن‭ ‬البناء‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬نهضة‭ ‬الأوطان‭.‬
حين‭ ‬تولوا‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2012‭ ‬قلت‭ ‬ليس‭ ‬أمامهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتمصّروا‭ ‬أو‭ ‬ينقرضوا،‭ ‬وقد‭ ‬ثبت‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬التمصّر،‭ ‬لذا‭ ‬فشلوا،‭ ‬وأقصاهم‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬يونيو‭ ‬وهربوا‭ ‬إلى‭ ‬أوكارهم‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬مصيرهم‭ ‬الأبدي‭. ‬
نجاح‭ "‬الاختيار‭ ‬3‭"‬،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬جانبه‭ ‬التوثيقي،‭ ‬يؤكد‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬مسيس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬أخرى‭ ‬عديدة،‭ ‬وفي‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬قناة‭ ‬وثائقية‭ ‬تقدم‭ ‬تاريخنا‭ ‬وقضايانا‭ ‬بشكل‭ ‬توثيقي‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬تاريخنا‭ ‬مهدًا‭ ‬للكذابين‭ ‬والمدلسين‭ ‬والمزورين‭ ‬من‭ ‬أعداء‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬المدنية‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭.‬
اسمه  محمد النبوي سلامة، عنوانه محافظة دمياط، إحدى محافظات الوجه البحري ، همه الأول و الأخير الشعر، مهنته حلاق، يمارس مهنته في دكان له، يقع في أحد الشوارع الرئيسية بالمدينة، فهو شيخ شعراء العامية بدمياط،  وكان صالون الحلاقة الذي يعمل فيه، هو المكان الأساسي لتجمع المبدعين، وعليه جلس الزوار الآتين من القاهرة والإسكندرية مثل محمد الفيتوري  وفتحي سعيد، وأحمد عبدالمعطي  حجازي، وأحمد سويلم، وأحمد فضل شبلول  ومحمد مكيوي وعبدالله أحمد عبدالله، وليلي نظمي، وعشرات غيرهم. كتب النبوي عشرات الأغاني لإذاعة القاهرة، ومن هنا بدأت شهرته، وقد كان النبوي هو الأب الروحي الحقيقي للحركة الأدبية الوليدة ، خاصة أنه واحد من ثلاثة شكلوا "جماعة الرواد" 1960، والتي تحولت إلى "جمعية أدبية" 1966 قبل أن تدمج في جمعية قصر وبيوت الثقافة 1970ميلادية.
تقول حبيبة محمد النبوي سلامة، ابنة الشاعر، أن نشأته أصلت فيه خصلة  التنبه لتناقضات الحياة ومشكلاتها، كما جعلته جانحا إلي الكلمة  –كفن شعري – ليجد فيها جناحا يرتفع به عن أقرانه وأترابه،  ولهذا جاء في سياقات شعره تقديس الكلمة، وشرفه، وتأثيرها الإيجابي والسلبي على بنية الفكر والموقف الاجتماعي من مشكلات الحياة والواقع بشكل عام، لهذا لا أبتعد عن الحقيقة إذا قلت أن والدي  تنبه إلى أهمية الكلمة في حياتنا ، وحينما تم تجنيده عام 1949 أي بعد نكبة فلسطين بعام، انتهز فرصة وجوده بالجيش واعتبرها فرصة تعليم ، فدرس حتى حصل على الشهادة الابتدائية القديمة من المدارس الليلية، ولم تكن الشهادة الابتدائية آنذاك قليلة القيمة، بل كانت تعد الفرد للعمل موظفا في أية جهة حكومية أو خاصة، ثم ثابر أكثر حتى حصل على دبلوم التمريض، ولم يغادر الجيش لو لم تنته فترة تجنيده عام 1953 ميلادية، إلا وهو حاصل علي الابتدائية القديمة ودبلوم التمريض، وبذلك أعد نفسه إعدادا عصاميا جديدا، جدد فيه حس المحاولة والصبر على النفس .
كان الشاعر محمد النبوي  مثابرا على نشر إنتاجه في المنافذ التي تحترم شعر العامية، فنشر أزجاله في المجلات التي تتبني العامية، مثل "البعكوكة" ، و"المطرقة " و"المصيدة"، و"حلاوتهم"، و"كيداهم" ، و"الاثنين" ، و"الدنيا" كما نشرت كتاباته العامية في صحف "العمال" و"الشباب العربي" و"المساء" وكتب الأغاني، وهنا اعتمدت أغانيه لدى الإذاعة المصرية وغنى له الكثير من المطربين، مثل  الفنان عبد اللطيف التلباني  الذي غنى له "خد الجميل يا قصب " من ألحان  الموسيقار محمود مندور، والثلاثي المرح غنوا له أغنيته الشهيرة "صباح الخير" التي نسمعها كل صباح تقريبا في الّإذاعة المصرية، من ألحان الموسيقار الكبير عبد العظيم عبد الحق،  وغنت له الفنانة ليلى نظمي  عددا من الأغاني مثل أغنية "عيب يا مديحة " و "شاويش في الجيش " من ألحان وفيق بيصار، وغنت له الفنانة سعاد محمد أغنية  "يا أم الحبيب الغالي" وهيام هلال، غنت له شيلي الصينية يا هانم " و"يا جميل يا خلي " و"حن ع القلة "و "الشاي ع النار " وكلها من ألحان وفيق بيصار.
 
ترأس محمد النبوي سلامة نادي الأدب بدمياط لسنوات طوال، وأثر - بشكل لافت للنظر- في الحركة الأدبية بمدينة دمياط الساحلية وصدر له ثاني ديوان شعري عنوانه "ورقة من بطاقتي"  الأول من سلسلة إشراقات أدبية، التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، والديوان يضم اثنتين وعشرين قصيدة، تمثل مختارات شعرية للشاعر محمد النبوي سلامة، وليس كل نتاجه، فهو بالطبع  شاعر غزير الإنتاج، ولكن ما يقدمه للنشر قليل، وتمتد هذه القصائد بين عامي 1965و1987 ميلادية، أي حوالي ثلاث وعشرين سنة ، وبذلك تكون هده المختارات قليلة بالقياس إلى نتاج الشاعر وذلك يكون أمامنا قصيدة لكل عام تقريبا، والديوان كتب له الدكتور مدحت الجيار الدراسة النقدية،  فكتب عن محمد النبوي سلامة، أنه شاعر فوق الستين ، فهو من مواليد سنة ألف وتسعمائة وثمانية وعشرين بمدينة دمياط ، ولهدا فهو من مؤسسي الحركة الأدبية في المدينة مند عشرات السنين، فقد بدأ الكتابة مبكرا جدا، إذ بدأ الكتابة في سن الثانية عشرة، وهي سن مبكرة يخضع فيها الإنتاج الأدبي للإيقاع، والانفعال أكثر من المعاناة والتجربة، ولهدا فقد بدأ زجالا نظاما، فقد خلب سمعه إيقاع الزجل ووزنه، ولكننا - للأسف -لا نجد نماذج من هذا الإنتاج المبكر، فقد كان مفيدا أن يوجد للتعرف على البدايات والأوليات التي حصرت الشاعر- فيما بعد – داخل نطاق العامية المصرية.
وأضاف الناقد الدكتور مدحت الجيار، أن محمد النبوي سلامة لم يذهب إلى المدرسة كغيره من أولاد دمياط، ولم يكن التعليم صعبا في الحصول عليه آنذاك، لكنه ثابر مع الحياة وتعلم من جيرانه وأصحابه المتعلمين، وتعلم من خلالهم القراءة والكتابة، واكتفى بهذا القدر من التعليم غير المباشر، واعتمد على تجربته الحياتية ، وقد دفعته ظروف الحياة للعمل، وترك اللعب منذ هذه الفترة الأولي.
وشاعر العامية المصرية محمد النبوي شاعر غنائي بالدرجة الأولى، ولا نعني هنا أنه يكتب شعر الأغنية – على الرغم من نتاجه في هذا السبيل – بل نقصد أنه يمتلك  روح غنائية تشمل إنتاجه جميعا، فموسيقاه واضحة وسلسة، وتصوراته قريبة المأخذ، كما تتسلل الصور الشعرية إلى نتاجه في تلقائية مؤثرة وفي غير تصنع، وصدر له أيضا ديوانه الأول "غنوة شقيانة" في طبعة بسيطة توازت مع شقاء الكلمة في هذا العمر، ومن بين قصائده:
قول الكلمة الحق إن شالله في عين الجن
وامشى خطاوي السكة المعدولة
وأوعى تكن
أوعى تطاطي
راسك في الواطي
تتذل ما تعرف فين ح توديك المطاطية
ده أنا يا بنى مرة طاطيت
بوست الإيد النجسة المسمومة
ومشيت .. كتفي ورا كتف الكلب
بص الكلب وشافني ضحك لي
قلت: يا سيد
وبقيت أوطى من الكلب
كل ده يا ابني
علشان اللقمة الملعونة
علشان سترة ولايانا
لا ..
لأ يا ابني لأ..
ملعونة اللقمة الملعونة
ملعون اللي  يطاطي يقول.. للكلب يا سيد
وإن كان لك حاجة ف إيد الكلب
قول له يا كلب !.

وقد تم تكريم الشاعر محمد النبوي سلامة، في العديد من المنتديات والمؤتمرات الأدبية منها على سبيل المثال، شهادة تقدير من وزير الدولة للثقافة "محمد عبد الحميد رضوان " بمناسبة انعقاد المؤتمر الأول لأدباء مصر في الأقاليم في فبراير 1984 ميلادية، وشهادة تقدير من الدكتور "محمد زغلول سلام" عميد كلية الآداب ورائد اللجنة الفنية والثقافية بمجلس تنسيق الأنشطة الطلابية لاشتراكه بمهرجان شعر الربيع مارس 1983 ميلادية، تم تكريمه يوم الاثنين 25 أبريل 1983 ميلادية، في احتفالية رائعة بمناسبة تسليمه راية نادي الأدب للأستاذ سمير الفيل، إيمانا منه بضرورة تمكين الشباب لضخ دم جديد في هذا المجال، تقدير من مديرية الثقافة بدمياط لتحكيمه في مسابقة طاهر أبو فاشا في فرع شعر العامية لعام 1991 ميلادية، كما حصل على شهادة تقدير من مركز شباب السرو المطور تقديرا لتميزه في مجال الشعر عام 1992:1993م
كما أرسل له الشاعر الكبير الحاج عبد العزيز محمد زين الدين، قصيدة حب وتقدير بشعر العامية، مطرز علي حروف اسمه العزيز "محمد النبوي سلامة".

Dr.Radwa
Egypt Air