السبت 11 مايو 2024

الدراما كوثيقة تاريخية


دعاء حلمى

مقالات12-5-2022 | 14:22

دعاء حلمى

ترتبط الدراما سواء كانت تليفزيونية أو سينمائية ارتباطا كبيرا منذ بداياتها بتسليط الضوء على أحداث وشخوص تركوا علامات في تاريخنا القديم أو المعاصر على حد السواء لما تمتاز به الدراما بشكلها الأعم في تشكيل الوعي والتأثير في وجدان الشعوب، حيث تمتلك الدراما من عناصر الجذب والإبهار مثل القصة الإنسانية، الاجتماعية والحبكة الدرامية والأداء الجيد للممثلين والمؤثرات الصوتية والألوان وكلها عناصر تأثير تعيد تجسيد الحياة أمام المتلقي وهو ما يكسبها تلك الأهمية الآسرة للقلوب والعقول معا، وخاصة تلك التي تتخذ من التاريخ مسرحا لأحداثها حيث تلعب دوراً بالغ الأهمية فى رصد مراحل تاريخية مهمة فى وجدان كل أمة، وتظل باقية طوال الدهر فى الذاكرة كمرجع مهم وملهم لتشكيل فكر ووعى شباب وشعوب كجمهور مستهدف لتلك الأعمال.

تتنوع هذه المسلسلات التاريخية ما بين مسلسلات تاريخية دينية مثل مسلسل "عمر بن عبد العزيز" وأبو حنيفة ومسلسل عمرو بن العاص أو تاريخية اجتماعية مثل "ألف ليلة وليلة"، أو مسلسلات تاريخية سياسية مثل "جمهورية زفتى" و"الملك فاروق" و"الطارق"، أو مسلسلات تاريخية تتناول السيرة الذاتية للمشاهير مثل "أسمهان" أو "السندريلا" و"أم كلثوم" و"قاسم أمين" و"مشرفة.. رجل لهذا الزمان".

جميعها أمثلة لمسلسلات ارتبطت بتشكيل وجدان أجيال عدة حول التاريخ المصري والعربي. 

إلا أن المسلسلات ذات الطابع السياسي خاصة تلك التي تدور حول التاريخ المعاصر عن بطولات حقيقية لرجال الظل من أبطال المخابرات المصرية استكمالاً لهذا الدور المهم للدراما المصرية كانت دائما ما تلقى أكبر الأثر مثل ملحمة (رأفت الهجان) و(جمعة الشوان) "دموع في عيون وقحة" أو "السقوط في بئر سبع" أو "الحفار" أو "حرب الجواسيس".

فكلها مسلسلات ساهمت في رفع الحس الوطني وترسيخ قيم الانتماء والهوية المصرية. وقد تناولت هذه المسلسلات أحداثاً تاريخية حقيقية من خلال تجسيد عملية حربية مثلاً على غرار "الحفار" أو قصة حقيقية من ملفات المخابرات المصرية مثل "رأفت الهجان". كانت هذه المسلسلات لتجسيد الواقع وساهمت في تأريخ مراحل مهمة من الحياة السياسية المصرية. وقد حققت نجاحاً كبيراً لأنها مارست دوراً في نقل ما حدث على الشاشة وقد كانت مسلسلات مقنعة لأنها خاطبت عقل ووجدان المشاهد، حتى لو كانت هناك بعض التغييرات عن الواقع، فإنها تبقى في نطاق ضيق لا يؤثر في الأحداث الهامة، حيث تهدف دائما إلى إضفاء الطابع الدرامي ، فدائما ما يلجأ المبدع بتأطير جانب معين من حدث تاريخي أو لحظة تاريخية معينة أو شخصيات محددة، فلا يمكن أن يقوم المبدع برصد الحدث التاريخي بكافة تفاصيله ولكنه يختار زاوية محددة تعبر عن منظوره عن الحدث التاريخي نفسه.

إلا أن الدراما المصرية شهدت فترات ازدهار كبيرة، بالإضافة إلى فترات انحدار وتراجع، من حيث عمق الموضوعات وجودة السيناريو والحوار، منذ بدأت ظاهرة ورش الكتابة في الانتشار بسوق الدراما المصرية وتراجع دور الكاتب وتعظيم دور النجم الذي أصبح المتحكم الأول في ما يقدم على الشاشات، وهو ما أثر بشكل سلبي على صناعة الدراما التليفزيونية، فلم تعد الموضوعات التي تعالجها المسلسلات بالجودة والاحترافية مقارنة بما كان يقدم في السابق.

إلا أن هناك عدد من المسلسلات استطاع كسر تلك القاعدة التي أصبحت تحكم العملية الإنتاجية في السنوات الأخيرة لتعيد للمحتوى أهميته المفقودة منها مسلسل الاختيار بأجزائه الثلاثة 

 الذي يتناول فترة مهمة من تاريخ مصر المعاصر، حيث تابع جموع المصريين مسلسل الاختيار في جزئه الأول الذى رصد فترة مهمة من تضحيات رجال الجيش المصرى فى سيناء فى مواجهة هذا الإرهاب الأسود من خلال تجسيد قصة الشهيد أحمد المنسي، ليستمر الإبداع بأحد أهم الأعمال الدرامية برمضان الماضي في الاختيار ٢، متناولا حجم الخطر الذى كان يحيط بمصر والمصريين، من خلال ملفات الأمن الوطني واستعراض بطولات رجال الشرطة وتعرضهم للاستشهاد دفاعاً عن مقدرات هذا الوطن.  

أما جزئه الثالث والذي يعرض حاليا على القنوات الفضائية المختلفة فقد تناول المسلسل زاوية بالغة الخطورة والحساسية لأنها قدمت كواليس حكم الجماعة الإرهابية سواء من الجانب التوثيقي القائم على تسجيلات ولقطات مأرشفة حقيقية ومن خلال التقمص المذهل الذي وصل إلى حد التجسيد من كل من الفنان الرائع ياسر جلال والفنان أحمد بدير وعبد العزيز مخيون وخالد الصاوي وعدم الاعتماد على التقليد في تقديم تلك الشخصيات الحقيقية خلال الأحداث التي يسلط عليها الضوء في المسلسل تحديدا في عامي 2012 و 2013. 

كما تم تقديم كواليس عمل الأجهزة الأمنية خلال تلك الفترة والتي لم يعلم عنها جموع المصريين شيئا لأنها حدثت بعيدا عن تناولهم ليكشف المسلسل جزءا من الأخطار التي أحاطت بالأمة المصرية بل أخطر مؤامرة هددت استقرارها وبقائها على حد السواء.  

وهو ما يدلل بما لا يدع مجالا للشك حول أهمية الدراما وخطورتها في توثيق التاريخ لتكون خير شاهد ترقى إلى مستوى الوثيقة التاريخية يستخدمها الأجيال كمرجع موثوق عن فترة ما من فترات التاريخ .
 

Dr.Radwa
Egypt Air