الأربعاء 22 مايو 2024

دورة صناعة إرهابى بـ ٣٠٠ جنيه الجماعة الإرهابية تجند الشباب من باب «التنمية البشرية»

14-7-2017 | 18:05

تقرير: مروة سنبل

تخوض مصر منذ ثورة ٣٠ يونيه حربا شرسة ومتواصلة ضد الإرهاب على عدة جبهات، فالحرب على الإرهاب ليست فقط مقاومة إرهابى يحمل سلاحا، أو انتحاريا يرتدى حزاما ناسفا، ولكنها حرب طويلة ممتدة الأمد ومعقدة، تظل الأفكار فى معادلتها رقما صعبا لا يمكن تجاهله.

الأفكار المتطرفة يتم توزيعها وتمريرها الآن من خلال ما يسمى بدورات التنمية البشرية التى يتم تنظيمها داخل قاعات فخمة وكبيرة فى المحافظات يتم استئجارها، وتنتشر إعلاناتها تبدأ تكلفتها من ٣٠٠ جنيه تعلمك كيفية مواجهة الملحد، ودورات تدريبية أخرى تعلمك كيفية تنظيم وإدارة الوقت، والاحتكاك بالجمهور والتنمية الذاتية، فضلا عن تنظيم ورش عمل للاستشارات الأسرية، ومعالجة اضطرابات القلق وتأهيل ما قبل الزواج ومشاكل المخطوبين، يقدمها شباب وشيوخ وسيدات يرتدون ملابس أنيقة، وقد يعتقد البعض أن هذه الدورات عادية جدا ولا خوف منها بل هي مطلوبة وهذا صحيح لكن المشكلة بل الكارثة تظهر عندما نكتشف أن من يديرون هذه الدورات ويحاضرون فيها تاريخهم ملوث بالعنف والتطرف مثل حازمون أو الإخوان أو الجبهة السلفية.

القصة ببساطة أن تنظيم الإخوان الإرهابى يعتمد فى استراتيجية تمدده على العمل فى إطار تكتيكى متنوع ومرن وخاصة « التخفي» لتحقيق هدفه الرئيسى وهو «التمكين»، هذا ما يؤكده المراقبون، وفى محاولات الإخوان للبحث عن باب خلفى للعودة من جديد، يتم تنظيم دورات متخصصة فى علوم البرمجة العصبية والتنمية البشرية والاستشارات الأسرية فى القاهرة وعدد من المحافظات المختلفة، من قبل عدد من أفراد الجماعة الإرهابية غير المراقبين أو المطلوبين أمنيا وغير المسجلين جنائيا، دون الإشارة إلى أى رابط لهم بالإخوان، وذلك فى محاولة للتواصل مع المجتمع من جديد والسيطرة على العقل الجمعي، فدائما اعتمد التنظيم فى تمدده على حركة أفراده وإحداثهم تأثيرا على فئات المجتمع.

وظهرت نماذج لعدد من الشباب فى هذا المجال المحسوبين على الإخوان وحازم صلاح أبو إسماعيل لاستمالة عقول الشباب، فنجد مثلا، سيف ناصف، الذى يعرف نفسه بخبير الاستشارات والتنمية البشرية، ويسوق لنفسه عبر صفحته على الفيس بوك أنه يعطى حلولا سحرية للتعامل مع الضغوط النفسية، وتنمية الشخصية وتطوير القدرات البشرية، وتنمية وتطوير قدرات الأطفال، واستشارات العلاقات الزوجية والأسرية.

وينظم «ناصف» عددا من الدورات فى قاعات مختلفة بالمحافظات، وإلى جانب تلك الدورات، يخصص جلسات عبر الاسكايب بقيمة ١٢٠ جنيها للمصريين و٦٠ دولارا للأجانب للنصف ساعة فقط لتقديم المشورة، وتحمل شخصيته العديد من التناقضات فهو من أتباع القيادى الإخوانى السابق، محمد كمال مسئول العمليات النوعية ووصفه ناصف علي صفحته بالشهيد الذى لقى مصرعه فى مواجهات مع الشرطة.

وعلى عكس دورات التنمية البشرية التى تدعو للحياة والإيجابية وقبول الآخر، وعلى عكس أيضا ما يكتبه علي صفحته العامة يظهر «ناصف» فى صفحته الخاصة شخص أو أخر لا يخفى دعمه لفكرة الإرهاب والجهاد ضد الدولة واستغلال الحالة الاقتصادية لإحداث ثورة على النظام الحالي، بل لم يخجل أن يصرح بأنه لا يجوز للمسلم أن يحتفل بما يسمى « الكريسماس» أول رأس السنة الميلادية، لأن هذه الاحتفالات من أعياد الكفار وهى من أصل دينهم والمشاركة فيها إقرار بالباطل وتشجيع على الكفر!

واستمرارا لأفكاره الشاذة يحرم «ناصف» تهنئة الأقباط بأعيادهم، وقال على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك «: «تهنئة النصارى بعيدهم هو موافقة وإقرار بعقيدة كفرهم ولا يجوز لمسلم أن يفعل ذلك».

وفى الوقت الذى ينظم فيه «ناصف» عددا من الدورات لتنمية قدرات الأطفال والشباب، كشف بلا مواربة عن هدفه عندما بدأ نشاطه وكتب عام ٢٠١٤ على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك «جماعة الإخوان عادت بكل قوة للعمل السرى الذى تجيده، وتعمل الآن بكل طاقتها على إعداد الجيل وفق رؤية جديدة فرضها الواقع الذى تعيشه مصر»!

فى ذات مربع «ناصف»، يظهر كريم الشاذلى الذى كان يرفع دائما شعارات الإخوان، ونجده يعرف نفسه بأنه مدرب العلوم الإنسانية ومهارات التواصل الاجتماعي، ويدعم «الشاذلي» حالة المظلومية التى يعيشها الإخوان، ورغم تواجده فى المغرب حاليا وتنقله بين قطر وعدة دول أخرى، يتابعه عدد كبير من شباب الجماعة الإرهابية على صفحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعى.

ويرى «الشاذلى» أن غالبية الشعب المصرى عبيد، وأنه مجتمع يخشى أفراده الحريةَ، ويهربون منها، ويتجنبون أن يتحرروا من الرق والتبعية» وفقا لمقال له نشر بعنوان «ثمن الحرية الذى لا ندفعه غالبا».

ومن الشباب الذين عرف عنهم انتماؤه للتيار الإسلامى وكان مقدم برامج على قناة الحكمة «عمرو عادل» مدرب التنمية البشرية المعروف حاليا، ويقدم العديد من الدورات فى الاستشارات الأسرية، حيث ظهر شاب ملتحٍ يرى أن المرأة عورة، ويهاجم الليبراليين وحليقى اللحية وهو من أنصار صلاح أبو إسماعيل، وقد أعلن فى بيان استقالته من قناة الحكمة أن بعض العاملين فيها من أبناء حركة ٦ أبريل وحزب الوفد، بجانب كراهية رئيس القناة للرئيس المعزول محمد مرسي، كما وصف رئيس القناة بأنه «حليق ومدخن وصديق توفيق عكاشة ويفرض علينا الضيوف الليبراليين» وأن هذا ضمن أسباب استقالته من القناة.

بعد سقوط الإخوان اختفى «عادل» لفترة طويلة ليعود من جديد فى ثوب التنمية البشرية، ومقدما نفسه باستشارى الصحة النفسية، ومدرب معتمد فى التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية ومهارات التفوق الدراسي، وعضو المعهد الأمريكى الدولى للتدريب، ثم بدأ مرحلة الانتشار من خلال القنوات الفضائيات.

وهناك أيضا المدرب سيد مختار خبير التنمية البشرية ممن يساند الإخوان ويؤيد ما يسمى بالشرعية الإخوانية وهناك الكثير من المدربين الآخرين على نفس نهجهم.

عادة ما يتم استئجار إحدى القاعات ضمن قاعات تسمى بـ» مساحة العمل المشتركة» ويعتبر كنادٍ للعمل الجماعى يوفر جميع الخدمات بأسعار زهيدة، وهى منتشرة فى المعادى ومدينة نصر و٦ أكتوبر والدقى والجيزة ومصر الجديدة والعباسية، حيث يتم استئجار القاعة لمدة يوم أو أسبوعين فقط بحسب الدورة، ويحرص عناصر التنظيم على عدم وجود ما يشير إلى علاقة الإخوان بهذه الدورات.

المثير فى الأمر أن سبوبة الاستشارات الأسرية وتنظيم دورات التنمية البشرية وتأهيل الزواج لا يقتصر على استئجار القاعات فقط، بل تعقد فى المساجد حيث عقد عدد منها فى مسجد يوسف الصحابي، ومن المقرر تنظيم دورة منتصف الشهر الجارى بمسجد الشيخ محمد محيى بشبرا مصر، عقب صلاة المغرب تتعلق بالتأهيل للزواج والاستشارات الأسرية ويوجد مكان مخصص للنساء.

ومن ضمن أساليب توسيع نشاطاتهم أيضا تنظيم كورسات للتفصيل «الخياطة» يقوم بها بعض الفتيات المنتميات للجماعة الإرهابية مثل إحدى فتيات الإخوان التى تنظم تلك الدورات بإنتظام فى مدينة ٦ أكتوبر وتروج فى هذه الدورات لما يسمى «اللبس المحتشم»، وعند اكتمال العدد يتم استئجار القاعة بحسب أقرب مكان للمتدربين فى الكورس، بعيدا عن أعين الجهات الأمنية، وفيما يتعلق بدورات لتحفيظ القرآن تنظم دورات للأطفال وطلبة الجامعات والعاملين حيث تنظم الدورات فى بعض دور تحفيظ القرآن بكرداسة أو فى عدد من مساجد محافظة الجيزة يأتى مقدمتهم مسجد صلاح الدين بالمنيل بل وأمتدت إلى استغلال لجؤ البسطاء إلى الجماعة وتنفيذ دورات لهم لبرمجة عقولهم.

ومن الأبواب الخلفية لعودة الإخوان والتواصل مع المجتمع نجد أيضا -حسبما تشير المصادر - جمعيات الجوالة فى الجامعات، حيث بدأ شباب التنظيم ينفضون أيديهم من الكيانات الواضحة الانتماء للإخوان ليمارسوا عملهم داخل الجامعات، من خلال الجوالة ودون أن يخوضوا انتخابات طلابية أو يعلنوا عن أنشطتهم بشكل واضح

تنظيم مخادع

من جانبه يصف هشام النجار، الباحث فى الحركات الإسلامية الإخوان بأنه تنظيم غادر ومخادع ولا أمان له بأى شكل من الأشكال، ويوظف كل أعضائه ونشاطاتهم وأماكن تجمعاتهم لإحداث اختراقات ينفذون منها بغرض العودة بأى شكل كان وتحت أى عنوان، وطالما الجماعة قد فقدت الأمل تماما فى العودة للمشهد السياسي، والعمل الدعوى لرفض المجتمع لتلك العودة حيث لفظها المجتمع تماما وليس الرفض فقط من التيارات السياسية أو من النظام الحاكم، فإنها تتلون بالشكل الذى ترى فيه متنفسا لها ومنفذا لعبورها من جديد عبر أنشطة غير مرصودة أمنيا ولا معهودة الريبة منها.

فى ذات السياق، قال سامح عيد، الباحث فى الحركات الإسلامية: الإخوان بدأوا فى الاهتمام بالتنمية البشرية منذ حوالى عام ٢٠٠٥ حيث قام عدد كبير منهم بدراسة البرمجة العصبية والتنمية البشرية من بينهم عدد من قيادات التنظيم، وتم تدريب مجموعات كبيرة من أفراد التنظيم على تنمية المهارات والقدرات، وذلك من منطلق أن طرق الوعظ القديمة لم تعد مجدية ولم تعد جذابة فلجأوا لفكرة التنمية البشرية وتنمية المهارات الإدارية من منطلق تغيير الطريقة القديمة بطريقة أكثر جذبا ً.

«عيد» – يحذر بشدة ، من تحركات الإخوان من خلال دورات التنمية البشرية وكورسات الخياطة «التفصيل» وغيرها من الأنشطة التى تمهد لهم الباب الخلفى للعودة من جديد، لافتا إلى أن الإخوان يعملون وفق أيديولوجيتهم التى لن يتخلوا عنها أبدا لتمدد التنظيم وأسلوبه فى التجنيد والتخفى لنشر أفكاره ومعتقداته لتحقيق هدفه الرئيسى وهو «التمكين» لافتا إلى أن دورات التنمية البشرية والاستشارات الأسرية هى الفخ السهل لصيد عقول الشباب من خلال مدربين ينتمون فكريا للجماعات المتطرفة ومحاولة السيطرة على إدارة العقلية الجمعية.

ومن واقع خبرته كمسئول عن عدد من الكتاتيب الصيفية قبل انشقاقه عن الجماعة الإرهابية كشف «عيد» طريقة التجنيد من خلال دورات تحفيظ القرآن، موضحا أنه يبدأ الأمر بإحداث حالة من التعلق والارتباط نفسيا وعاطفيا بين الطالب ومعلمه والمجموعة التى يتدرب معهم حتى يصبح «عجينة لينة «، ثم يتم بعد ذلك زرع بعض أفكار لحسن البنا وسيد قطب وأهداف عودة زمن الرسول والصحابة من جديد؛ حيث يتم تشكيل وجدان الشخص من خلال قصص وحكايات عن التضحية من أجل الإسلام والخلافة حتى تتسرب الفكرة إلى وجدانه.

«عيد» أشار إلى نقطة هامة وهى عودة اجتماعات الأسرة التنظيمية للإخوان فى محافظة البحيرة وعدد من المحافظات الأخرى، لافتا النظر إلى أن التنظيم بدأ فى مساحة تحرك بسيطة مقارنة بما كان عليه الوضع عامى ٢٠١٣ و٢٠١٤، ومؤكدا مواظبة الأسر الإخوانية على الاجتماع ولو فى أضيق الحدود وتجميع الاشتراكات الشهرية، لافتا إلى أن ذلك يتم أحيانا على المقاهى أو المساجد أثناء الصلوات المعتادة داخل المسجد، أو فى الشوارع والموالات؛ لتبدو الأمور بشكل طبيعى وذلك تفاديا للملاحقات الأمنية، بينما تجتمع الأسرة الإخوانية للأخوات بشكل منتظم فى بيت إحداهن والتواصل بينهن لم ينقطع.