السبت 1 يونيو 2024

دقات المسرح .. حياتنا المسرحية

15-7-2017 | 11:05

بقلم: د.عمرو دوارة

أسوأ دعاية ومحاربة لعروض الفنان أشرف عبد الباقي ومجموعته من المضحكين الجدد في عروض "مسرح مصر" التي تعرض الموسم الحالي بقناة "إم بي سي" هو ما تفعله حاليا قناة "الحياة" بإعادة عرض مجموعة مسرحيات "تياترو مصر" التي سبق لها تقديمها بالمواسم الأولى بنفس مجموعة النجوم، فهي تكشف مدى الإفلاس الفني ومدى تدني مستوى تلك العروض، التي لا يمكن أن تصمد أمام الزمن ولا يمكن مشاهدة أي منها أكثر من مرة، فجميعها تعتمد على تقديم بعض القوالب الشعبية للكوميديا المرتجلة واللعب بالكلمات والقفشات اللفظية، والسخرية من بعض العاهات أو الأحداث الآنية، وذلك على النقيض لتلك الأشكال والقوالب الكوميدية الراقية التي تعتمد على حبكات جيدة ومجموعة من المواقف الدرامية محكمة الصنع.

اختفت تماما خلال الموسم الأخير عروض فرق القطاع الخاص الكبرى، وبالتحديد فرقة "المتحدين"، "مسرح الفن"، "الإبياري" "المسرح للجميع"، وهي نتيجة منطقية لمغالاة النجوم في أجورهم والارتفاع الرهيب في تكلفة الإعلانات وأيضا إيجار المسارح، مما استلزم ضرورة رفع قيمة تذاكر الدخول إلى خمسمائة جنيه !!، وهو رقم كبير جدا لا يتناسب مع الظروف الاقتصادية التي تمر بها بلادنا خاصة مع غياب جمهور السياحة العربية. وبالتالي فقد افتقدنا مشاركات كبار النجوم وفي مقدمتهم النجوم : عادل إمام، سمير غانم، أحمد بدير، محمد صبحي، والذين اجتذبتهم الدراما والبرامج التليفزيونية خلال السنوات الأخيرة.

ظهرت على الساحة المسرحية خلال الشهور الأخيرة عدة جهات وتكوينات انتاجية جديدة أو فرق عشوائية تعتمد في أغلبها على محاولات تخفيض تكلفة الإنتاج والدعاية إلى أقل قيمة ممكنة، مع الاعتماد على التسويق لعدة ليال غير متتالية، وجميعها لا تعتمد على مشاركات نجوم الصف الأول ومن بينها على سبيل المثال خلال موسم 2017: "عفريت بابا" لفرقة تياترو تأليف أحمد حامد وإخراج رضا حامد، وبطولته مع: محمد شرف، عبير الشاعر، شيماء صبحي، محمد عبد المنعم، "الباشا في الفلاشة" لمؤسسة محمد قاسم تأليف فتحي الجندي وإخراج سامح بسيوني وبطولة: ندى بسيوني، عبد الله مشرف، شمس، وائل علاء، "دولة بهانة" لفرقة المسرحجية تأليف وإخراج عادل جمعة وبطولة مصطفى الشامى، سمية الامام، عبد المنعم المرصفى، أشرف فؤاد، "في بيتنا عروسة" لفرقة كلاكيت للإنتاج الفني، تأليف حسن عبد الحميد وإخراج محروس عبد الفتاح وبطولة مصطفى درويش، وشروق، عبير محمود، محمد عبد الفتاح، "عائلة فيس بوك" لمسرح القرية الفرعونية تأليف وإخراج أيمن إسماعيل وبطولته مع فتحي سعد، سحر عبد الحميد، شوقي المغازي، مجدي حنفي.

الخبر السار الذي أسعدني وأسعد جميع المسرحيين أخيرا والذي سجله جميع الصحف ووسائل الإعلام وأكدته الإيرادات بمسارح الدولة هو عودة الجمهور لجميع المسارح، وهو الضلع الثالث والمهم من الأضلاع الثلاثة للظاهرة المسرحية، لتعود لافتة كامل العدد على شباك التذاكر طوال أيام العيد والأيام التالية، والمدهش أن جميع عروض مسارح الدولة - باستثناء أوبريت "ليلة من ألف ليلة" للفنان القدير يحيى الفخراني - تفتقد إلى مشاركة نجوم الشباك، ومع ذلك فقد أقبل الجمهور بكل هذه الأعداد ليؤكد وعيه وحرصه على مشاهدة عروض الفن الراقي، وأيضا إصابته بالملل من متابعة برامج المقالب السخيفة ومسلسلات الأكشن المرعبة والتي تفقد متعة متابعتها بسبب الإعلانات الكثيرة المزعجة التي تتخللها.

عودة الجمهور إلى جميع المسارح وبهذه الكثافة والأعداد الكبيرة - وفي غياب الدعاية المناسبة بالأساليب المتطورة - ظاهرة إيجابية يجب المحافظة عليها، والحقيقة أننا جميعا كنقاد ومتخصصين لم نستطع سوى رصد وتسجيل الظاهرة دون محاولة البحث عن أسبابها، ولكن نظرا لأهميتها أرى ضرورة تحليلها بأساليب علمية ومنهجية، للوقوف على أسبابها والتعرف على نوعية هذا الجمهور وفئاته العمرية والاجتماعية والثقافية، ولذلك فأنني أطالب كل المراكز المتخصصة وفي مقدمتها "المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية" بدراسة هذه الظاهرة الإيجابية وتحليل أسبابها مع وضع التوصيات الجادة لكيفية المحافظة عليها.

يتنافسون ويتشدقون بتكريم بعض الرواد من كبار المؤلفين والمخرجين ويكررون بعض الأسماء لمنحها شهادات التقدير ودروع التكريم دون إصدار كتب أو حتى كتيبات لرصد وتسجيل عطائهم وإنجازاتهم ودورهم المتميز. والحقيقة أنني أرى أن التكريم الحقيقي لهؤلاء الرواد وللأجيال التالية وللفنون المسرحية بصفة عامة يكون بمنحهم الفرصة كاملة لتقديم نصوصهم أو لاستكمال إبداعاتهم بمجال الإخراج وتقديم إضافات جديدة لمسيرتهم العطرة، أتحدث عن الأساتذة: د.محمد عناني، يسري الجندي، رأفت الدويري، أبو العلا السلاموني، عبد الغني داود، محمد سلماوي، كرم النجار، صلاح عبد السيد في مجال التأليف المسرحي، والأساتذة: د.كمال عيد، جلال الشرقاوي، سمير العصفوري، مجدي مجاهد، عبد الغني زكي في مجال الإخراج السرحي، وجميعهم على سبيل المثال لا الحصر.

عبر مسيرة المسرح المصري - والتي قاربت من مائة خمسة وأربعين عاما - حمل راية الإبداع وغرس عادة الذهاب للمسرح والاستمرار والتجديد مجموعات من هواة المسرح وعشاقه المخلصين، بدءا من يعقوب صنوع (عام 1870) ومرورا بالرواد سلامة حجازي، منيرة المهدية، لطيفة عبد الله، جورج أبيض، نجيب الريحاني، علي الكسار، عبد الرحمن رشدي، يوسف وهبي، فاطمة رشدي وعقيلة راتب ووصولا إلى أصغر هاو حاليا بفرق الهواة بالأقاليم، وبالتالي ليس بغريب استمرار هواة المسرح في حمل راية الإبداع والتجديد بالمسرح العربي منذ بدايات الألفية الجديدة.

الظاهرة الإيجابية والمدهشة والتي تحتاج لمزيد من دعم جميع الجهات المعنية بالشباب هي نجاح فرق الهواة وخاصة بالفرق الجامعية في جذب جمهور جديد لعروضهم المتميزة، والخروج بتلك العروض خارج أسوار الجامعات وتقديمها لعدة ليال متتالية ببعض مسارح العاصمة والأقاليم، اعتمادا على دعم جمهورهم وإيرادات شباك التذاكر. لقد نجح "هواة المسرح" وعشاقه المغامرون من تحقيق التواصل مع جمهورهم عبر وسائل الاتصال الحديثة، وكذلك في التخلص من جميع القيود الرقابية وأهمها لوائح ممارسة المهنة بنقابة المهن التمثيلية وقوانين ضريبة الملاهي وقبل كل ذلك كله فكرة ضرورة مشاركة النجوم لاجتذاب الجمهور.

المشاهد لعروض فرق الهواة التي تقدم عروضها ببعض دور العرض التجارية سوف يدهشه أولا هذا الإقبال الجماهيري الكبير برغم وجود قيمة لتذاكر الدخول تتراوح بين خمسة وعشرين ومائة جنيه، وكذلك هذا النظام الدقيق وهذه الروح الحماسية الكبيرة التي تذكرنا على الفور بروح وسلوكيات شباب ثورة يناير، وأيضا هذه الأعداد الكبيرة التي تشارك في العرض كبطولة جماعية وقد يصل عددهم ببعض المشاهد إلى خمسين أو ستين ممثلا !! لقد أسعدني الحظ بمشاهدة عروض: "1980 وأنت طالع" لفرقة البروفة تأليف محمود جمال وإخراج محمد جبر، "المخطوطة" لفرقة 500 ب تأليف حسن الجندي وإعداد وإخراج أحمد زكي، "هيبتا" لفرقة فن محوج من تأليف محمد صادق ومسرحة كريم معوض وإخراج محمود عبد العزيز، و"في قلبي أنثى عبرية" لنفس الفرقة من تأليف خولة حمدي ومسرحة محمد زكي وإخراج محمود عبد العزيز، "الفيل الأزرق" لفرقة الحلم من تأليف أحمد مراد ومسرحة وإخراج آيات مجدي، "لما روحي طلعت" لفرقة الورشة المسرحية من تأليف مصطفى حمدي وإخراج أحمد سيف، "سينما 30" لفريق تجارة عين شمس من تأليف وإخراج محمود جمال، وجميعها تؤكد أنهم جيل جديد من الشباب يمتلكون الموهبة والثقافة والخبرة وأنهم قادمون بقوة.

 

بدأ موسم الاستعداد لامتحانات القبول بالمعاهد الفنية، وكثرت الإعلانات عن تنظيم الورش والدورات التدريبية لتدريب الراغبين في الالتحاق بتلك المعاهد، وتعاظم عدد الورش التي ينظمها بعض الأدعياء من الانتهازيين بائعي الوهم عديمي الخبرة والموهبة، والمؤسف أنهم يطالبون الراغبين في الانضمام إلى قسم التمثيل - نظير بعض المحاضرات النظرية والإشراف على تجهيز مشهدين أحدهما بالفصحى والآخر بالعامية - بمبالغ كبيرة قد تصل إلى خمسة آلاف جنيه، والمضحك والمبكي في نفس الوقت أن أغلب القائمين بالتدريب بهذه الورش قد فشلوا في الالتحاق بمعاهد أكاديمية الفنون عدة سنوات متتالية، لذا فأنني أطالب اتحاد النقابات الفنية وبالتحديد نقابة المهن التمثيلية ورئاسة الأكاديمية بضرورة التدخل قانونيا لمنع المتاجرة بأحلام الهواة وعشاق الشهرة الفنية.