الأحد 1 سبتمبر 2024

إبهار .. تفوق.. تميز .. «30 يوم» من المتعة.. ونهاية صادمة!!

15-7-2017 | 11:25

بقلم : هبه عادل

30 يوماً من المتعة الخالصة .. إلي هذا الحد من العبارة وإحساسها كنت أنتوي أن أضع عنواناً لمقالي هذا.. عبر 29 يوماً من مشاهدة حلقات المسلسل البديع «30 يوم» ولم أضف بالطبع عبارة «ونهاية صادمة» إلا مع ختام الحلقة الثلاثين والأخيرة ولكن دعونا نبدأ مع المتعة قبل أن نصل إلي النهاية..

ففي أجواء غريبة ومثيرة جدا تدور أحداث مسلسل «30 يوم» وقد سبق للإعلان عنه نزول برومو «خطير» قبل رمضان بأيام.. يقول فيه بطله الفنان الرائع باسل خياط: «إزاي تقتل إنسان ويفضل عايش.. هنختار شخص ونزرع الخوف في كل حاجة حواليه وفي كل حاجة تخصه» ويصفق بإيديه صقفة هيسترية بحركة أصابع جنونية ويقول: «خوف مطلق... وهو يوجه كلامه لبطل العمل الآخر الفنان الموهوب آسر ياسين والحقيقة كانت العبارات موحية بل وربما مؤكدة علي وجود عمل من نوع فريد وخاص ومتميز جدا وسط العديد من الأعمال التقليدية التي قدمت هذا العام... وغالبا ما تأتي المسلسلات التي تلعب علي تيمة السيكودراما...تأتي بشكل مختلف ومتميز وناجح وفي عملنا هذا وصل النجاح في الحقيقة إلي حد الإبهار.

ونبدأ الحلقات مع تتر مميز كونه جزءاً من توليفة متكاملة أبا أصحابها إلا أن تكون بلا هنة هنا أو هناك تحسب عليهم فالتتر يبدو كمشاجرة يتوسطها البطل آسر ياسين مع اشخاص حوله وكأنها لوحة سيريالية أو تجريبية مع استخدام إضاءة رمادية باهتة وموسيقي «الجاز» التي كانت إحدي أبرز تيمات العمل كله وينتهي التتر بلفة تدور فيها الكاميرا بالتدريج المتعمد ليبدو البطل واقفا علي رأسه إيماءة للأحداث التي يتعرض لها في المسلسل والتي تقلب حياته رأساً علي عقب.... ومع دخول قوي جدا تبدأ الحلقات.. لهذا النجم آسر ياسين، وهو طبيب نفسي يجلس في عيادته ويأتي له النجم باسل خياط ...بملابس سوداء وسماعات في أذنه يستمع فيها لموسيقي «الجاز» وملامح وجهه حادة ويدخل لمقابلته ويقول: «أنا هنا ليس لكوني مريضا نفسيا ولكني أتيت لاشرح لك أني عايز أعمل تجربة نفسية عنوانها إزاي تقتل إنسان ويفضل عايش... هنختار شخص ونسميه المختار» ولما كان التعب النفسي هو أكثر حاجة ممكن تموت الإنسان ويفضل عايش.. فاهنزرع الخوف في كل حاجة حواليه وترتعش يداه وهو يصفق بشر شديد ويقول: هيشوف الجحيم وإحنا حنشوف الجحيم ده هيأثر علي تصرفاته إزاي؟

ولما كان في شرحه قد اوضح أن هذه التجربة تقوم علي اساس زمني مدته 30 يوماً فإن نوع التجربة سيكون مرتبطاً بعلاقة بين رقم اليوم في الشهر والحدث الذي يربط هذا الرقم في حياة هذا المختار وينهي الشرح بتهنئة وكأنها من إبليس قائلاً: مبروك إنت المختار.. إنت الشخص اللي هتطبق عليه التجربة ويضحك بمكر ضحكة صاروخية وكأنها آتية من حنجرة تسكن بئراً جوفاء ومن خلال هذه التجربة عشنا 29 يوما من الأحداث والضغوط النفسية والمخاطر والأهوال والتجارب القاسية والأزمات المصنوعة بحرفية وحبكة في الكتابة في رأيي لا يعلي عليها من الكاتب مصطفي جمال هاشم مؤلف العمل الذي استطاع أن يبهرنا بفكرة وقالب جديد جدا في الكتابة للدراما التليفزيونية فقدم متعة وإثارة حقيقية حركت بركة العقول الراكدة جراء الأعمال المكررة والتقليدية والمستهلكة وجعلتنا ننظر كيف وما عساها أن تكون الكارثة الجديدة التي تحاك للضحية في اليوم الجديد وكيف استطاع أن يربط بين أرقام تواريخ اليوم وبين تلك الكارثة فهو مسلسل يخاطب العقل بمنتهي الرقي بدون لفظ جارح أو مشهد خادش.. وذلك عبر تكنيك في الكتابة مدهش.. فنحن وكأننا أمام عمل متصل منفصل، فكل يوم يحمل الجديد من الأحداث ولكن علي خلفية واحدة وإطار ثابت لا يتغير بنفس الأبطال الممتدة حكاياتهم فقط تفتش كل حلقة في خبايا الماضي أو تغزل كارثة آنية من العيار الثقيل لنتابع بشغف كيف تنتهي وننتظر بترقب شديد الآتي في الغد القريب.. وما أكدته أحداث الحلقات أن الجواب فعلا بيبان من عنوانه وأن هذا البرومو التشويقي لم يكن لمجرد الجذب وإنما هو جزء من حبكة وصياغة متكاملة لعمل بديع أخذنا إلي سكة في الدراما غير معتادة.

والحقيقة أن هذه الكتابة المتميزة لم تكن لتخرج للنور بهذا الألق ما لم يقف وراء تنفيذها المخرج الموهوب حسام علي الذي استطاع أن يحول حروفاً من ألماظ إلي مشاهد من نجمات تتلألأ في زمن الفن الجديد الجميل والراقي ويبدو هذا أول ما يبدو في اختيار الممثلين وعلي رأسهم كان باسل خياط الذي لعب «دور عمره» بلا أدني شك حتي أننا لم نكن لنتخيل غيره في هذا الدور الصعب المعقد نفسيا والمركب جدا .. نبرة الصوت والملابس السوداء التي لا تتغير وملامح الوجه الحاد والطول الفارع وجميع المواصفات الشكلية التي استخدمها ووظفها باسل بمنتهي الاقتدار... حتي ظننا وقد كانت هذه اشكالية العمل كله أنه الشيطان فقد دارت هذه الحوارات في أذهان وعلي لسان الشرير كل متابعي الحلقات عمن عساه أن يكون هذا الشرير الذي اطاح بمقدرات النجاح لحياة د. طارق المستقرة من قتل وتدمير وتخريب وتجادلنا كثيرا هل هو في حلم أو كابوس هل هو في مواجهه مع ضميره واخطائه هل هذا الباسل الخياط هو الشيطان بعينه علي طريقة ونوس والريس عمر حرب؟!

وفي المقابل جاء دور آسر ياسين الغارق والمستغرق حتي الثمالة في جحيم الأهوال التي يحيكها له هذا الشيطان الذي لا نستطيع أن نكرهه مهما عمل وسوي لبراعة أسلوبه في الأداء والتعبير كذلك أجادت الفنانتان نجلاء بدر وإنجي المقدم اللتان حملتا لواء البطولة النسائية في هذا العمل خاصة تجسيد نجلاء بدر لدور الزوجة التي صور لها فيديو فاضح مع زوجها أطاح بمستقبلها كفنانة وممثلة وجعلها تلجأ للهروب للإدمان وأيضا إنجي المقدم هذه الزوجة التي تكتشف أن لها «ضرة» ورغماً عنها مضطرة للتعامل معها كذلك اجادت سلوي محمد علي في دور الأم البائسة التي تري حياة ابنائها تنهار وهي مكتوفة الأيدي والموهوب وليد فواز في دور قوي يضاف لرصيده والشباب نورهان ودعاء طعيمة وأحمد عزمي ومجدي بدر وهند عبدالحليم ونور محمود.

وعلي هذا النحو من الإبداع جلسنا مرهقين ننتظر النهاية وفك شفرات اللغز الرهيب ولكنها في رأيي جاءت صادمة فقد كان كل ما كان مجرد انتقام من صديق عمر البطل «وليد فواز» هذا الضابط المتزوج من «يسرا اللوزي» التي هي واحدة من شلة أصدقاء صديقهم آسر ياسين الدكتور المعذب بكل التجربة وهي مريضة بالاحساس بالاضطهاد ويهيأ لها أن أصدقاءها يكرهونها وتذهب للطبيب النفسي صديقها وصديق زوجها وترفض الاستماع لحقيقة مرضها عندما يشرحه لها فتقرر الانتحار، وعبر المحاولات اليومية الممتدة لثلاثين يوماً تموت في النهاية فيرغب زوجها وليد فواز أو «عبدالوهاب» في المسلسل في الانتقام من الطبيب الذي فشل في علاجها أو هكذا هو متصور .. فيقرر تحويل حياته لجحيم بالاستعانة بضابط شرطة سابق وفاسد هو باسل خياط .. الذي يتعاون معه دون مبرر درامي واضح لجعله ينساق لأوامر وليد فواز حتي يقتل أكثر من ستة أشخاص لا يعرفهم!!

وأتعجب من قبول باسل بعد التألق الرهيب عبر 29 حلقة أن يجعل النهاية وكأن بطلها هو وليد فواز فلماذا لم تكن حبكة العمل تقول إنه هو المنتقم لنفسه ولماذا يجعل البساط ينسحب من تحته في الحلقة الأخيرة التي أخذت من رصيد توهجه الكثير وكانت نهاية غير متوقعة حتي مع قتل الضحية آسر ياسين للبطل الذي بالغ في تعذيبه فقام بشنقه وكان مشهداً مطولا رتيبا مملا مختلفاً عن الإيقاع المشوق الذي اعتدناه في 29 حلقة وكان العمل فلسفياً باميتاز فقد اختتم بمشهد لتحول هذا الطبيب الناجح إلي قاتل تحت تأثير الضغط النفسي العنيف الذي تعرض له حتي يظهر في آخر مشهد وهو مرتديا نفس ملابس عدوه ويسير في الشارع مستمعا للموسيقي في سماعات الأذن بنفس طريقته ليقول إن أي شخص يمكن أن يتحول لشخص مختلف عنه تماما بتأثير الظروف العاتية.

وعلي أي حال فهو في رأيي رغم هذا يعد المسلسل رقم واحد لهذا الرمضان المنصرم ومن لم يقل بهذا أتصور أنه لم يشاهد المسلسل وهؤلاء أدعوهم بشدة لمتابعته وسوف لا يندمون.