نبدأ فى هذا المقال عرض نتائج الدراسة المهمة التى أعدها الباحث د. أحمد شحاتة عبد الفضيل عبيد المدرس بكلية الإعلام جامعة بنى سويف للتحليل التداولى للخطاب السياسى الرئاسى فى محاولة من الباحث للخروج عن المألوف فى الدراسات الإعلامية، وأيضا فى ضوء الحرص على الاستفادة من منهجية التكامل المعرفي، وما يمكن أن تسهم به علوم اللغة واللسانيات فى تقديم تحليل متعمق فى تناول الخطاب السياسي، ذلك أن الخطاب الرئاسى يستحق منا الاهتمام، والمجهودات الكافية من التحليل والدراسة، بدون الاكتفاء بالوصف الظاهر لمحتوى الخطاب.
وفى ظل ما شهدته مصر من تحولات مهمة فيما يتعلق بأجندة القضايا والأزمات المطروحة محليا ودوليا، خصوصا بعد ثورة 30 يونيو، وفى ضوء ما يتمتع به الخطاب الرئاسى من آليات، اعتمدت الدراسة على تحليل 21 خطابا للرئيس خلال عام 2021 والتى تم الحصول عليها من الموقع الرسمى لرئاسة الجمهورية.
وقد توصلت الدراسة إلى أن الخطابات الرئاسية ركزت على ست أُطروحات رئيسة، وذلك على النحو التالي:
1- الأطروحة الخاصة بخطورة الزيادة السكانية:
أكد الخطاب الرئاسى أن النمو السكانى تحدى كبير يواجه الدولة المصرية، وأنها المشكلة الرئيسة فى تعطيل عجلة التنمية، وينتج عنها قضايا كثيرة من الهجرة غير الشرعية، والفقر، والبطالة، مع ربط هذه الزيادة بالتعدى على الأراضى الزراعية، وارتفاع الأسعار، وأن استمرارها بتلك المعدلات، ستلتهم أية إنجازات تتحقق، وهو ما طالبه الرئيس فى خطاباته، بضرورة تعاون الشعب المصرى مع كافة مؤسسات الدولة لمواجهة تلك الأزمة، ونلاحظ هنا اعتماد الخطب الرئاسية فى تلك الأطروحة على مسارات برهنة وتحديدا الأرقام والإحصائيات، كما جاء فى خطابه خلال افتتاحه عددا من المشروعات القومية: "إحنا من 2010 لغاية دلوقتى زدنا 20 مليون، ده معناه زيادة الأسعار عشان الطلب زايد،... مين يقدر يوفر مليون فرصة عمل لإنسان وإنسانة سنويا مين اللى يقدر يعمل كده،... كان لدينا 4 ملايين مواطن و4 ملايين فدان، أصبح لدينا 100 مليون مواطن، ولكن ليس لديك 100 فدان"، وأيضا تم الاعتماد على المسار الدينى فى تلك الأطروحة، كما جاء فى خطاب الرئيس: "أنت مسؤول أمام الله عن الأولاد اللى أنت هتجيبهم، يا ترى قدراتك المالية تتيح إنك تنفق عليهم إنفاق مناسب، لأنه لو ماعندكش يبقى أنت هتظلمهم وهتتحاسب".
2- الأطروحة الخاصة بالعدالة الاجتماعية فى مصر:
أكد الخطاب الرئاسى على مفهوم العدالة الاجتماعية، من خلال المبادرات الرئاسية المتتالية التى أطلقها الرئيس لتحسين جودة الحياة وبناء الإنسان فى إحداث تغييرات كبيرة فى الواقع المصري، والتى ساهمت فى توطين مفهوم العدالة الاجتماعية، كمبادرات “تكافل وكرامة”، “حياة كريمة” و”100 مليون صحة”، حيث شدد الرئيس فى خطاباته على الجمهورية الجديدة سواء بالمشروعات القومية الكبرى، والمدن الجديدة، التى تتسع لكافة المصريين فى كل ربوع الوطن، وإسكان اجتماعى يوفر المسكن الملائم لشبابنا، وتطوير للمناطق الخطرة وغير الآمنة، للقضاء على العشوائيات، وتحديث شامل لشبكة الطرق القومية، وزيادة للرقعة الزراعية، وصولا إلى انطلاق المشروع الوطنى لتنمية الريف المصرى "حياة كريمة"، والذى يسعى إلى رفع مستوى المعيشة لأكثر من "أربعة آلاف" قرية، وتحسين جودة الحياة لحوالى 60 مليون مواطن.
ونلاحظ تدعيم تلك الأطروحة بالاستشهاد بالأرقام والإحصائيات، والوقائع التاريخية، فى خطابات الرئيس، كما جاء:" الدولة على مدار 30 سنة بتصرف 900 مليار جنيه.. فى السبع سنوات تريليون جنيه.. اللى بتصرفه فى 7 سنوات أكبر ما تم صرفه فى 30 سنة.. واللى بيتصرف الهدف منه تعويض اللى فات"، كذلك الاستشهاد بالمسار الاقتصادي، عندما صرح الرئيس فى إحدى خطبه" لما قولنا نوفر الأرض للمطورين مقابل توفير وحدات سكنية.. مع زيادة حجم المعروض.. مثل مبادرة التمويل العقارى بتكلفة 100 مليار جنيه.. لتطوير هذا النوع من الإسكان لزيادة المساحة.. فيه يقدر يدفع قسط على 5 سنين أو 10 سنين.. وبقى المدة 30 سنة كأنه إيجار.. لتقليل قيمة القسط والإتاحة تكون بشكل أكبر للمواطنين"، كما دعم الرئيس حججه بالآيات القرآنية فى حديثه عندما قال" إن من مبادئ رسالة الإسلام التى نشرها قدوتنا ورسولنا الحبيب، هى تحقيق التعايش والسلام الاجتماعى بين البشر، وحق الناس جميعاً فى الحياة الكريمة… وإننا إذ نتخذ من تلك المبادئ الغالية نبراساً ومنهج عمل …ولتوفير تلك الحياة الكريمة لكل فئات الشعب المصري، إعمالا بقول الحق "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً"، كذلك الاستشهاد بدعاء النبى الكريم خلال رعاية مليون أسرة فى احتفالية أبواب الخير، حيث قال:" "اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم.. اللهم إنى أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربى على صراط مستقيم".
3- الأطروحة الخاصة بتطوير التعليم للنهوض بالمجتمع
أكدت الخطب الرئاسية على أن العلم والتعليم هما أساس النهوض بالمجتمع والعمل على تنميته، حيث تستهدف الدولة تنشئة العقل المفكر المستنير، المستعد لقبول العلم والمعرفة، من خلال تطوير المنظومة التعليمية لضمان تعليم جيد، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمتطلبات المجتمع وسوق العمل المحلى والدولي، ويسهم فى تخريج أجيال قادرة على الإبداع والمنافسة.
حيث استشهد الخطاب الرئاسى بأدلة وبراهين تدعم تلك الأطروحة، كما جاء فى خطاب الرئيس:" ولقد استمرت الدولة فى تنفيذ وخدمة رؤيتها التنموية، لا سيما عن طريق زيادة المخصصات المالية الموجهة للتعليم العالى والبحث العلمي، كما بدأت الحكومة فى إعادة صياغة بنية تشريعية طموحة ومتكاملة ومحفزة للبحث العلمى والابتكار، إلى جانب إنشاء الجامعات الجديدة الإقليمية، والدولية، والخاصة، والتكنولوجية، لإتاحة فرص تعليمية لائقة لأبنائنا، كما دعمت الدولة إنشاء مراكز للتميز العلمى ومكاتب نقل وتوطين التكنولوجيا."
4- الأطروحة الخاصة بتمكين المرأة فى كافة المجالات
أكد الخطاب الرئاسى على أن دعم وتمكين المرأة محورا أساسيا فى خطة الدولة الشاملة للتنمية، سواء بتعزيز خدمات الحماية الاجتماعية للمرأة، وتدعيم سُبل حمايتها من العنف، أو تعزيز تمكين المرأة اقتصادياً، وتوفير فرص عمل مناسبة للعناصر النسائية من العمالة غير المنتظمة، إضافة إلى دعم صحة المرأة، حيث استشهد الرئيس فى خطاباته بالأحاديث النبوية لبيان مكانة المرأة فى الإسلام، وضرورة تمتعها بمكانة لائقة فى المجتمع، إعمالا لقول نبى الرحمة (ص): "استوصوا بالنساء خيرا" وقوله (ص): "اتقوا الله فى النساء"، أيضا تدعيم حججه بالأدلة والشواهد التى تؤكد دور المرأة المصرية ودعمها للدولة قائلا:" فالمرأة كانت فى البيت وسندا للدولة، ولما طلبت من الناس تنزل تفوضنى لمحاربة الإرهاب كان فى رمضان وكانت هى المرأة التى جمعت الشعب"، كذلك أمثلة ومشاهدات من الواقع تظهر اهتمام الدولة المصرية بالمرأة، حيث قال الرئيس:" واستكمالا لمسيرة دعم وتمكين المرأة المصرية، أوجه الحكومة.. بما يلــــى قيام البنك المركزى بدراسة الإجراءات التى تنص صراحة على منع التمييز القائم على الجنس فيما يتعلق بالوصول إلى القروض والتمويل، لمراعاة الظروف الخاصة للمرأة الأكثر احتياجا.... تنفيذ برامج لمساندة المرأة الريفية، من خلال قروض إنتاجية وبرامج تثقيف مالي.... متابعة وضع المرأة فى مراكز اتخاذ وصنع القرار".
5- أطروحة اهتمام الدولة المصرية بذوى الهمم
أكدت الخطب الرئاسية محل الدراسة على اهتمام الدولة المصرية بذوى الاحتياجات الخاصة، وإعطائهم حقوقهم، وتوفير كافة سبل المعيشة، ودمجهم فى المجتمع فى جميع المشروعات والمبادرات القومية التى تقوم الدولة بتنفيذها، من خلال تكافؤ الفرص بينهم وبين الأشخاص العاديين، وعدم التمييز ضدهم، وذلك تماشيا مع رؤية مصر 2030، حيث دلل الخطاب الرئاسى على مجموعة من الأدلة والشواهد التى تظهر حرص الدولة على تمكين ذوى الهمم ودمجهم فى المجتمع، ففى خطاب الرئيس خلال كلمته باحتفالية قادرون باختلاف قال:" أعلن لكم عن حزمة من الإجراءات التنفيذية والموجهة خصيصًا لأبنائنا من ذوى الهمم ومنها... توفير برامج وأنشطة رياضية مخصصة لذوى الهمم لصقل مهاراتهم الرياضية.. تدريب وتشغيل الشباب من ذوى الهمم لصقلهم بمتطلبات سوق العمل فى مختلف قطاعات التشغيل...تمكين ذوى الهمم من التعلم والتحصيل الجيد، والتفوق فى مختلف المجالات الدراسية والعملية".
6- أطروحة الدولة المصرية نجحت فى التصدى لجائحة كورونا
أكد الخطاب الرئاسى فى أطروحاته على أن مصر ليست من الدول التى أثرت الجائحة عليها بشكل كبير، خصوصا أن المبادرات الرئاسية فى مجال الصحة قللت من حجم المصابين والوفيات بكورونا، مع حصول المواطنين على اللقاحات ضد الفيروس، حيث استشهد الخطاب الرئاسى بالشواهد والبراهين على اهتمام الدولة بكافة مؤسساتها بالتصدى للجائحة، كما جاء فى كلمة الرئيس فى احدى خطبه:" وزارة الصحة شغالة فى عملية تطعيم ضد فيروس كورونا... مع نهاية هذا العام نكون انتهينا من تطعيم نسبة كبيرة جدا من الشعب المصري...كذلك كان أداء الأطباء والكوادر الطبية متميزا وساهموا فى الحد من الإصابات، وأيضا السيطرة على الكثير من تداعيات المرض، وإنقاذ حياة الآلاف من الذين أصابهم هذا المرض".
ونستكمل استعراض نتائج الدراسة الاسبوع المقبل.