الخميس 16 مايو 2024

اقتصاد الجمهورية الجديدة

مقالات29-5-2022 | 13:45

لاشك أن من الدروس المستفادة من الأزمة الروسية الأوكرانية هو ضرورة العمل علي الاكتفاء الذاتي بالتوازي مع تأسيس علاقات اقتصادية متنوعة المحاور والاتجاهات بما يكسبها مرونة تجاه الصدمات بعد أن بات العالم اليوم يتجه إلى التكتلات الاقتصادية الممزوجة بالهوى السياسي وهو ما تحسبت له روسيا منذ فترة ما أكسبها مناعة تجاه الإجراءات غير المسبوقة خارج إطار الشرعية الدولية في محاولة لتركيعها وهو اتجاه تنبهت له القيادة المصرية مبكرا منذ سنوات فنوعت علاقاتها وانفتحت على العالم كله بعلاقات متوازنة تقوم على تحقيق المصالح وثقافة احترام  الآخر فبعد أن كان 90% من أوراق اللعبة بيد الأمريكان كما قال الرئيس الراحل أنور السادات بات العالم اليوم رافضا لهذا مقاوما له وبقوة .

ولعل اتجاه مصر إلى توطين الصناعة والتوسع الزراعي وتنويع مصادر السلاح مظهرا من مظاهر انخراط مصر وبقوة في النظام العالمي الجديد الذي يتشكل اليوم على وقع الصراع الدائر بين روسيا من جانب وأكثر من 50 دولة أخرى تأتمر بأوامر أمريكا.

وباتت أوروبا اليوم أكثر استيعابا للدرس من تحالفها مع الأمريكان ضد الروس حيث تبين أنها الطرف الأكثر تضررا فبدأت تتنامى الدعوات إلى استقلال أوروبي بعيد عن مصالح أمريكا التي لا تكترث اليوم وهي ترى أوروبا تتدمر وينكمش اقتصادها وتعاني شعوبها موجة تضخمية هائلة فقد دعت فرنسا إلى تكوين جيش أوروبي وهي إشارة واضحة  أن الناتو لم يعد مفيدا لأوروبا وأنه ليس إلا أداة لحماية المصالح الأمريكية كما أن اتجاه ألمانيا إلى مضاعفة الأنفاق العسكري نوع من الفطام من الحماية الأمريكية التي باتت ضربا من الدعاية لا أكثر.

وهنا أيضا لا يمكننا تجاهل دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تشكيل محاور اقتصادية جديدة بديلة عن السوق الأوروبية دليل على ما نحن مقبلون عليه من عالم سيفتقد التوازن إلى مساحة التحالف اللصيق في ما يعرف بقانون بوش الابن من ليس معنا فهو علينا.

فقد أعلن بوتين عن رغبته في إقامة سوق حرة مع دبي ودراسة أخرى مع مصر في وقت تسعى فيه مصر إلى تهيئة البيئة لذلك بتمكين أكبر للقطاع الخاص الذي تتطلع الدولة إلى رفع مساهماته في الاقتصاد الرسمي  من 30 إلى 65% خلال الثلاث سنوات المقبلة ونرى تكثيف أركان الدولة رحلاتها من أجل ذلك ومن أبرزها لقاء رئيس الوزراء بكبار المستثمرين الإماراتيين والذي أكد على مجموعة من المحددات من أهمها الرغبة في تواجد أكبر عدد من الشركات الإماراتية في مختلف المجالات على أرض مصر وأن الدولة عازمة على فتح المجال للاستثمار الخارجي والعمل على تبسيط وتسهيل الإجراءات الخاصة بالاستثمارات في إطار وربط تخصيص الأراضي بقيمة الصناعات التي ستقام بالإضافة إلى  تعزيز بيئة ثقة الأعمال عبر طرح بعض الأصول أمام القطاع الخاص لكي يستحوذ على نسب منها، وقدرت الدولة البداية بـ 40 مليار دولار على مدار أربع سنوات حيث تمتلك مصر فرصا شديدة الجاذبية خاصة في ما يتعلق بالتوسع في إنشاء محطات وخطوط الإسالة ومجالات الطاقة المتجددة وتحلية المياه والسيارات الكهربائية والإنتاج الزراعي والحيواني والأمصال واللقاحات والزراعة الذكية والتقاوي المحسنة ومن المهم أن ندرك ونحن نجيب تساؤل لماذا الإمارات أن ننظر إلى حجم التبادل التجاري بين البلدين حيث بلغ في 2021 ما يتجاوز 13 مليارا ونصف المليار دولار لتعد الإمارات أكبر شريك تجاري لمصر في منطقة الشرق الأوسط.

ومن تلك الجهود أيضا زيارة نائب وزير المالية إلى باريس حيث التقى رجال التجارة الصناعة الفرنسيين ممثلين في 20 شركة في مجال الاستثمار المباشر حيث استعرض الخطوات التي اتخذتها الدولة المصرية للتوسع وجذب الاستثمارات وتوفير البيئة الآمنة لذلك باستحداث  وثيقة "سياسة ملكية الدولة" لإحداث التوازن بين مشاركة القطاعين العام والخاص في النشاط الاقتصادي فضلًا على بدء منح "الرخصة الذهبية" للمشروعات الاستثمارية الجديدة بما يسهم في تسريع وتيرة تنفيذ الأنشطة الإنتاجية والاستثمارية بعد أن أظهر الاقتصاد المصري خلال أزمتي كورونا والأوكرانية أنه يتمتع بمرونة وقدرة كبيرة على امتصاص الصدمات الداخلية والخارجية والمؤشرات على ذلك كثيرة ومنها انخفاض نسبة العجز  الكلى إلى 4.9% وزيادة الإنفاق على قطاع الخدمات فزاد قطاع الصحة بنسبة 24٪، وتم سداد 135 مليار جنيه مستحقات صندوق التأمينات والمعاشات، واستطاع الاقتصاد دعم السلع الغذائية بـ 50 مليار جنيه.

إن التحرك الواسع الذي تسعى فيه الدولة للابتعاد قليلا عن الاعتماد على الاقتصاد الريعي المستند إلى عائدات السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج حيث تتأثر تلك المصادر للنقد الأجنبي بشدة نتيجة تطور الأحداث العالمية يؤكد أهمية التوجه بقوة إلى الصناعة وتوطينها باجتذاب الشركات الكبرى عالميا في هذا الإطار ومن هنا يكتسب الاقتصاد المصري قيمة مضافة وترتفع مساهمته في الناتج المحلي وتتعاظم قدرته على توفير فرص عمل دائمة لا تخضع بشكل مباشر لمفاجآت السياسة.