الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

الخطاب الرئاسي المصري تجاه القضايا الاجتماعية (4)

  • 30-5-2022 | 21:07
طباعة

نستكمل في هذا المقال عرض نتائج الدراسة المهمة التي أعدها الباحث د. أحمد شحاته عبد الفضيل عبيد المدرس بكلية الإعلام جامعة بني سويف للتحليل التداولي للخطاب السياسي الرئاسي في ظل ما شهدته مصر من تحولات مهمة فيما يتعلق بأجندة القضايا والأزمات المطروحة محليا ودوليا، خصوصا بعد ثورة 30 يونيو، وفي ضوء ما يتمتع به الخطاب الرئاسي من آليات، اعتمدت الدراسة علي تحليل 21 خطابا للرئيس خلال عام 2021 والتي تم الحصول عليها من الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية.

اتضح من الدراسة أن الأفعال الكلامية تنقسم إلي ثلاثة مستويات، هي الأفعال الصوتية التي ينطق بها الشخص عند التحدث، والأفعال التركيبية، وما تنتجه من كلمات وجمل إسنادية خاضعة للقواعد التركيبية والنحوية، وأخيرا الأفعال الدلالية وهي المستوي الدلالي الذي نعتمد فيه علي السياق والمرجع لإعطاء معني للكلام.

 وإذا نظرنا في البداية إلي الفعل الصوتي داخل الخطب الرئاسية نلاحظ كثرة حروف الجهر على حساب حروف الهمس، لأن المقام یتطلب ذلك، فهي أصوات قوية، تسهم في جذب الانتباه، وإسماع صوت المتكلم، لكن هذا لا ینفي وجود أصوات الهمس، فهي حاضرة، حتى يخلق الانسجام والتناغم في الخطاب جرسا موسيقيا تؤثر علي المتلقي، وتجعله يشعر بقربه من الرئيس.

فالانتقال من الجهر، إلى الهمس والعكس، یفرضه مقام الخطاب، وطبیعة المواضیع، والأفكار، والقیم، والمشاعر، والحالات النفسیة التي یتطرق إلیها الرئيس، حیث تؤدي هذه الأصوات معاني مختلفة، باختلاف موقعها في البنیة اللغویة، فهي وسیلة من وسائل الموسيقى اللغوية، لأن تناغم الحروف، وحلاوة أجراسها، يساعدان في الإعلام والتواصل، وتقريب المعاني إلى النفوس، خاصة  إن تكررت هذه  الأصوات، حيث تكررت حروف )الباء، والجیم، والدال، واللام، والنون، والعین، والسین...) داخل الخطب الرئاسية الأمر الذي يزيد قوة الخطاب علي الإقناع، والوصول إلي المتلقي، فعلي سبيل المثال:" بكلم كل المصريين، وبقولهم صدقونى"،" انتوا بتفقدوا أرض عزيزة أوي إحنا في أشد الحاجة لها"، " شعب مصر الأبي بعد عودة سيناء إلى أحضان الوطن الأم، انتهي تحدي تحريرها وبدأ تحدي تعميرها" وغيرها من الجمل الإيقاعية والتي تؤثر في المتلقي.

 كما أن حروف الجر، والنصب، والاستفهام، والتعجب، والشرط والنهي وغيرها من أدوات الاستثناء، وأفعال التفضيل، كلها تجعل أسلوب الخطاب یتنوع، فهذه الحروف لم ترد اعتباطا ولغير فائدة، فيظهر في المثال التالي تنوع حروف الجر والنصب كالتالي:"قامت جمهورية مصر العربية في السنوات القليلة الماضية باتخاذ خطوات فاعلة نحو توفير البنية التحتية اللازمة لتحقيق التحول الرقمي ، وهو ما انعكس إيجاباً على جودة هذه الخدمات في مجالات متعددة، وعلى سرعة تقديمها للمواطنين"، أيضا توظيف أدوات الاستفهام والتعجب، فعلي سبيل المثال:" "هل الهدف إنجاب أطفال كتير؟! ولا أطفال جيدين؟!"، كما تم توظيف حروف الشرط والنهي والنفي في الخطاب، كالتالي:"عاوزين نعيش وفى الأخر المواطن عاوز يعيش، بس لازم يفهم إن ده لا يمكن يحصل"،"أنه لم يعد أمامنا خيار"،" فلولا قوتك وعزيمتك وقدرتك على التحمل، لم نكن لنصل إلى ما نحن عليه الآن"، أما أدوات الاستثناء فتم توظيفها في العبارات التالية علي سبيل المثال لا الحصر: "مش هنقدر أبدا محاربة الجهل إلا اذا كان لدينا قدرات اقتصادية"،" ودا برضه ثقافة اتشكلت في وجدان الناس ودي مش موجودة غير في بلدنا إحنا بس"، وأخيرا توظيف الخطاب الرئاسي لأفعل التفضيل في مجموعة من الجمل مثل: "توفير اللقاح اللازم لشعوبنا...بشكل أكثر إنصافًا وعدلًا تلبية لمطالب شعوب قارتنا، "أهمية هذه الإجراءات لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة".

أما المستوي الثاني من مستويات الأفعال الكلامية هو الفعل التركيبي، حيث امتاز الخطاب الرئاسي بالجمل البسيطة والواضحة والمألوفة لدي الجميع، وبالعبارات المفهومة،  والقویة المباشرة، التي يمكن فهمها من قبل الجميع، لأن الكلام موجه لكافة الشعب، ولكل المصريين، حيث تم توظيف الجمل التركيبية التي تحتوي علي أفعال، وأسماء، وحروف، وأصوات، لهدف رئيسي هو نقل المعاني والأفكار بوضوح إلى المتلقي، من أجل التأثير عليه وإقناعه مثل:" تحية من القلب لكل مصري ومصرية على إدراككم العميق ووعيكم الحقيقي، بمتطلبات إصلاح وطنكم لتجسدوا المثل والقدوة والنموذج وتثبتوا مجددًا مدى حكمة وعبــــقرية هــــــــذا الشــــــــــعب الكريـــــــــــم"،" الإخوة والأخوات.. أسر وأولياء أمور أصحاب الهمم، إن كلمات الشكر والتقدير، لا تفي بما قدمتموه، ومازلتم تقدمونه، من رعاية لأبنائنا من ذوي الهمم وأعلم أنكم تغمركم مشاعر الحب والحنان للقيام بهذا الدور وأود أن أؤكد لكم، أنكم تساهمون بقدر كبير وشأن عظيم، في بناء هذا الوطن، وتعززون بذلك من قــدرات بنــاء نهضـة أمتنــا واعلموا جيدًا، أنكم بهذا الدور العظيم، أديتم الرسالة، وعظمتم من شأن الأمانة، وتحملتم المسئولية تجاه واحدة من أهم النعم، التي من الله بها علينا وهي ثروتنا من بناتنا وأبنائنا".

فتوظيف مثل هذه الجمل وغيرها یستجیب للمقام والسیاق، الذي قیل فیه هذا الخطاب، وكذلك الموضوع والقضايا التي یعالجها، فالرئيس حاول أن یبث جملة من المفاهيم والقیم والرؤى، المتعلقة بتوفير الحياة الكريمة للمواطن صحيا وتعليميا واجتماعيا، واستعادة الوعى الكفيل باستمرار قاطرة النهضة والتحديث في الانطلاق وحماية التماسك الوطنى للدولة، وذلك لجعل الجمهور قادرا على التواصل معه، والاستجابة لما يدعو إليه.

     من خلال الأمثلة السابقة تبين اعتماد الخطاب الرئاسي علي توظيف الجمل القصيرة التي تلامس القلوب، قبل العقول، لما لها من تأثير نظرا لطابعها التداولي الذي یسعي إلى الإقناع، وكسب ثقة المتلقي، كذلك استعمال الأفعال لما لها من دور فاعل في بناء النص، واستخدام الجمل الفعلية أيضا، لما تتمتع به من ديناميكية، ودلالة على الاستمرارية والتجديد.

 أما المستوي الثالث والأخير هو الفعل الدلالي حيث اعتمد التحليل الكيفي للخطابات الرئاسية علي استخراج الحقول الدلالية التي تتميز بوجود عناصر أو ملامح دلالية مشتركة، ومن أهم هذه الحقول:

حقل الدولة: جاءت في الخطابات الرئاسية مفردات تعبر عن إبراز الهوية الوطنية لمصر والانتماء الوطني مثل: "الهوية-تحيا مصر- بلدي-مؤسسات الدولة-الأمة-الوطن".

حقل الشعب: تكررت مفردة الشعب أكثر من مرة في الخطابات الرئاسية، وما يليه من مدلولات مثل: "المصريين-المواطن-الجمهور-الشباب"

حقل الجمهورية الجديدة: جاءت في الخطابات الرئاسية مفردات تدعم تبني مصر لاستراتيجية الإصلاح، مثل: "الجمهورية الجديدة-الإصلاح-التغيير-التمكين -مصر الحديثة-مصر القوية-التنمية الشاملة-التنمية المستدامة-التطوير-السلام-الاستقرار-مصر المدنية الحديثة-الديمقراطية-الإنتاج-البناء-المشروعات القومية-المستقبل-الأمن والأمان-بناء الإنسان".

حقل العدالة الاجتماعية: جاءت في الخطابات الرئاسية مفردات تدعم حقوق المصريين في كافة المجالات، مثل: "حياة كريمة-فرص عمل-الدعم-الكرامة-الإنسانية-المساواة-تكافؤ الفرص-المواطنة-الرعاية الصحية-تطوير التعليم".

حقل المرأة المصرية: جاءت في الخطابات الرئاسية مفردات تعبر عن تقدير الرئيس للمرأة مثل: "عظيمات-الأم-سيدات-السند-البطلة".

حقل المجتمع: تكررت مفردة المجتمع أكثر من مرة في الخطابات الرئاسية، وما يليه من مدلولات مثل: "المجتمع المصري-الأسرة المصرية-البطالة-الفقر-غلاء المعيشة".

حقل الدين: جاءت في الخطابات الرئاسية مفردات تعبر عن حرص الرئيس علي الاعتماد علي المرجعية الدينية في خطاباته، مثل: "بسم الله الرحمن الرحيم-السلام عليكم-رسولنا الكريم-المولي عز وجل-يا رب-بتوفيق الله"، وكلها مفردات تستعمل كوسيلة لتحريك مشاعر المتلقي.

     ويظهر مما سبق اعتماد الخطابات الرئاسية في مفرداتها علي جهود الدولة التي تبذلها لمواجهة كافة الأزمات، وإظهار علامات التقدم في مختلف الملفات الحيوية، وتنفيذ آلاف المشروعات القومية، وتطوير منظومتي الصحة والتعليم، وتطبيق العدالة الاجتماعية، والحياة الكريمة للمصريين، للوصول في النهاية إلي الجمهورية الجديدة ضمن رؤية مصر 2030.

وفيما يتعلق بالمؤشرات الزمنية للخطاب الرئاسي محل الدراسة، فقد اتسمت بالربط المنطقي بين كل من الماضي والحاضر بالمستقبل بالدرجة الأولي، من خلال الربط بين توصيف الواقع، وكيفية التعامل معه، في ضوء الاستفادة من الماضي للتنبؤ بالمستقبل، لأجل تحقيق الأهداف المستقبلية المرادفة لخطة الدولة.

وعلى سبيل المثال تم توصيف واقع التحديات التي تواجه الدولة المصرية، من خلال ربط هذا الواقع بما تحمله المواطن المصري من آثار سلبية علي مدي سنوات طويلة، وبين أهمية أن يجنوا ثمار صبرهم وتحملهم في المستقبل، ففي هذا الصدد، أشار الرئيس في أحدي خطبه "اقتحمنا مشكلات، وأزمات اقتصادية متراكمة على مدار عقود ببرنامج للإصلاح الاقتصادي كان بطله هو المواطن المصري الذي تحمل آثاره المباشرة على حياته اليومية، متفهما أهمية هذه الإجراءات لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.... حيث نحصد ثمار العمل الدؤوب على الإصلاح الاقتصادي، في مؤشراتٍ تتحسن باضطراد"

كما ركز الخطاب الرئاسي علي الترتيب والربط بين الماضي والحاضر، وربط الأسباب بالنتائج، والتكرار، والتساؤل بهدف الاستنكار، حيث قال الرئيس:" الإحصائيات تشير إلى إصابة ما يقرب من 4 ملايين طفل بالسمنة وهذا رقم كبير.... وهل الأهم العدد ولا النوعية.. وهل الهدف إنجاب أطفال كتير؟ ولا أطفال جيدين؟... عدد كبير ما يقرب من 4 مليون طالب يعانون من السمنة.. هل يمارس الرياضة؟

كما تناول الخطاب الرئاسي القضايا المختلفة في سياق تلازم المشكلة والحل، وعرض الأسباب والنتائج، حيث تم العرض في الماضي وما نتج عنه، وما يجب التفكير فيه لتلاشي الخطر مستقبلا، كما ذكر الرئيس:" على مدار 60 سنة كنا بنعمل كده.. إحنا كمصريين نبنى على كل الأراضي الزراعية، رغم محدودية الأرض المتاحة ورغم وجود الظهير الصحراوي، اللى نقدر نعمل عليها كل حاجة ونحتفظ بالأراضي الزراعية"... ثقافة البناء على الأراضي الزراعية لابد أن نواجهها.....واستطرد أيضا في خطاب آخر:" لدينا مشكلة بقالنا 50 سنة مغيرناش واقع التعليم، وأصبحنا أسرى لواقع لا يتغير، وعند تغييره نخاف، رغم أنه للمصلحة العامة، وأطمئن كل الناس أن تطوير التعليم يهدف إلى تحسين العملية وليس هدم مستقبل أبنائنا، وهذا سيظهر قريبًا".

كما اهتم الخطاب الرئاسي بدرجة كبيرة بالأفعال الدالة والمؤشرة نحو ربط الحاضر بالمستقبل، فقال الرئيس:"كل قرى مصر إحنا حطينا خطة هنخلصها كلها فى 3 سنين هنطمن على مياه الشرب والصرف الصحى....بنتكلم عن مشروعات هنفتتحها النهاردة ومشروعات حيتم الإعلان عنها وهنفتتحها خلال الأسبوع...".

      كما تم توظيف الأفعال الدالة والمؤشرة نحو الواقع والآنية والمستقبل في إطار من السببية، وعلي سبيل المثال:"عملنا قفزة في مشروع هيخلص في 3 سنوات بدلا من 10 سنوات، وبنضغط على نفسنا علشان نعمله"....، "عاوزين نحقق معدلات كبيرة من التطعيم في خلال فترة زمنية قليلة علشان ناخد المناعة الجماعية".

كما تميز الخطاب الرئاسي أيضا بالمؤشرات الدالة علي المستقبل بشكل كبير، وأكد علي ذلك استخدام الأفعال والكلمات الدالة علي ذلك، مثل:" كل قرية ليها ظروفها، والمعني بالعمل عليه أن ينتبه لتقديم أفضل شيء، وهيتم إصدار وثيقة حياة كريمة، عشان دا تاريخ، وخلال الـ 3 سنوات، سيتم تنفيذ ذلك، ويتبقى أهلنا بالريف الذين سنتعامل معهم.... وعشان كدا بنقول إن البيوت اللي حالتها صعبة هنحاول نحسنها،" وأملى في المستقبل كبير...وطموحنا نحو الغد سنصنعه بأيدينا اليوم"،" لن نترككم تواجهون الحياة وحدكم... سنكون معكم في كل خطوة تخطونها".

كذلك المؤشرات الدالة علي المستقبل مدعما بالأفعال الأنية، مثل:""أعلن لكم، عن حزمة من الإجراءات التنفيذية، التي سيتم العمل من خلالها في الفترة المقبلة"، "إن تحديات العصر الذي نعيشه الآن هي في الواقع تحديات علمية وتكنولوجية"، "ولعلكم تتابعون حجم المشروعات التي تتم الأن على أراض سيناء"، "التعليم الجيد يتطلب اقتصاد قوي"، "وما زلنا نقف معًا، كتفًا بكتف، ونعمل يدًا بيد، من أجل تخطي كل الصعاب.... فهذا الوطن العظيم يستحق منا أن نبذل له كل غالٍ ونفيس.. وحلمي لمصرنا العزيزة لا يقل عن عظمتها وتاريخها وطموحنا نحو الغد سنصنعه بأيدينا اليوم".

 بينما جاءت الأفعال الدالة علي الماضي بهدف استثارة الخوف والخبرات المؤلمة السابقة، فمثلا :"المشكلة إننا قعدنا 50 سنة ما نتغيرش وبقينا أسرى الواقع اللي ما بيتغيرش"، أو أفعال بهدف التأكيد علي قوة الدولة المصرية وشعبها وقوتها، كما جاء:"واجهنا موجة إرهاب عاتية... اقتحمنا مشكلات، وأزمات اقتصادية متراكمة على مدار عقود ببرنامج للإصلاح الاقتصادي كان بطله هو المواطن المصري الذي تحمل آثاره المباشرة على حياته اليومية .. فكانت المشروعات القومية الكبرى رمزًا يعبر عن إرادة المصريين في البناء".

وهنا نلاحظ تناول الخطاب الرئاسي الحديث عن الماضي في معزل عن الحاضر أو المستقبل إلا قليلا كما أشرنا سلفا، ومعظمها تشير إلي القدرة علي التنبؤ بالمستقبل، وقوة الرؤية المستقبلية، وفي إطار من التبرير والسببية، مثل "اتكلمنا، وحذرنا، وقولنا، وأكدنا، علشان كده، عاوز أقولكم علي حاجة، "أنا مش هبقى موجود في الوقت ده، بس هقولكم إيه اللي هيحصل".

كما جاءت الأفعال اللفظية بهدف اللزوم والاقتران الشرطي، مثل الاقتران بين وقوف المرأة بجانب الدولة، وبين نجاح خطط الدولة، فضلا عن اقتران تحدي الصعاب والأزمات بوجود اقتصاد قوي، ومن العبارات والأفعال الدالة علي ذلك الاقتران علي سبيل المثال:"أنت البطلة في نجاح سياسات الدولة وخططها، فلولا قوتك وعزيمتك وقدرتك على التحمل، لم نكن لنصل إلى ما نحن عليه الآن"،" مش هنقدر أبداً محاربة الجهل إلا اذا كان لدينا قدرات اقتصادية".

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة