لم تكن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تقتصر على حدود البلدين بل امتدت لتشمل كل دول العالم الذي تأثر بشدة بالحرب بسبب تداعياتها التي طالت كل الدول، بسبب تضرر سلاسل الإمداد والتوريد للمواد الخام، فكان القمح والنفط والذرة والزيوت من أبرز السلع التي تضررت بسبب الحرب فارتفعت أسعارها بشكل كبير خلال الـ100 يوم الماضية منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير الماضي.
تضرر سلاسل الإمداد
وتعد سلاسل الإمداد والتوريد في العالم هي الشبكة التي تربط بين الشركة وكافة الأطراف التي تتعامل معها لإيصال منتجها إلى المستهلك النهائي، ونتيجة لتأثر أسعار الشحن والنفط في كافة العالم بفعل الحرب تعرضت تلك السلاسل إلى أزمة أضرت بالعالم أجمع، وخاصة أنها جاءت متتالية لأزمة جائحة كورونا التي عصفت بالعالم منذ مطلع 2020 ولم يتمكن العالم من تخطي تداعياتها.
وفي تقرير لصندوق النقد الدولي أكد الحرب ضربة قوية للاقتصاد العالمي وتضر بالأسعار، حيث الآثار تتمثل في ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة سيدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع، مما يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة الدخول وإضعاف الطلب، وكذلك تتضرر على الاقتصادات المجاورة بصفة خاصة سوف تصارع الانقطاعات في التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين في الخارج كما ستشهد طفرة تاريخية في تدفقات اللاجئين.
وكذلك تؤثر على تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين سيفضيان إلى إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما الحفز على خروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة.
وتعد روسيا وأوكرانيا من أكبر البلدان المنتجة للسلع الأولية، فقد أدت انقطاعات سلاسل الإمداد إلى ارتفاع الأسعار العالمية بصورة حادة، ولا سيما أسعار النفط والغاز الطبيعي، وشهدت تكاليف الغذاء قفزة في ظل الارتفاع التاريخي في سعر القمح، حيث تسهم كل من أوكرانيا وروسيا بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية.
ولفت صندوق النقد في تقريره الصادر في مايو الماضي، أنه على المدى الأطول، قد تفضي الحرب إلى تبديل النظام الاقتصادي والجغرافي–السياسي العالمي من أساسه إذا حدث تحول في تجارة الطاقة، وأُعيدت تهيئة سلاسل الإمداد، وتجزأت شبكات المدفوعات، وأعادت البلدان التفكير في حيازاتها من عملات الاحتياطي، أما زيادة حدة التوترات الجغرافية–السياسية فهي تهدد بمزيد من مخاطر التجزؤ الاقتصادي ولا سيما على مستوى التجارة والتكنولوجيا.
وقد تأثرت حركة الشحن البحري من منطقة البحر الأسود بسبب الحرب مما أدى إلى توقف العديد من الخطوط الملاحية من وإلى أوكرانيا، وهو خط مهم لشحنات الحبوب والمعادن والنفط الروسي إلى بقية العالم، وقد حاولت الشركات البحث عن أسواق بديلة، وقد أضيفت المياه الأوكرانية والروسية في البحر الأسود وبحر آزوف إلى قائمة المناطق المعرضة للخطر.
وبفعل الحرب ارتفعت أسعار الشحن البحري والجوي بنسبة 20%، وخاصة بعد أن ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير من جراء الحرب واقتربت من حاجز 120 دولارا للبرميل قبل أن تتراجع إلى متوسط 110 دولار، ويستحوذ الشحن البحري وحده على 80% من حركة التجارة العالمية وتأثرت بشكل كبير بسبب المخاطر في البحر الأسود.
خسائر الحرب الروسية الأوكرانية على أوروبا
وتؤدي الحرب إلى خسائر فادحة لأوكرانيا، وكذلك روسيا بفعل العقوبات غير المسبوقة عليها، والتي ستؤدي إلى ضعف أنشطة الوساطة المالية والتجارة والركود هناك، وكذلك انخفاض سعر صرف الروبل يذكي التضخم، وتراجع مستويات معيشة السكان، وستمتد تلك التأثيرات إلى أوروبا لأنها تستورد الغاز الطبيعي بشكل أساسي من روسيا.
وهذا يهدد بمزيد من الانقطاعات الأوسع في سلاسل الإمداد ومن ثم ارتفاع التضخم وإبطاء التعافي من الجائحة، وقد تواجه الحكومات الأوروبية كذلك ضغوطا على المالية العامة من زيادة الإنفاق على تأمين مصادر الطاقة وميزانيات الدفاع.
تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على شمال أفريقيا والشرق الأوسط
وقد أدت الحرب إلى ارتفاع شديد في أسعار الغذاء والطاقة وضيق الأوضاع المالية العالمية ما أثر على المنطقة وشمال أفريقيا حيث تأثرت مصر بسبب ارتفاع أسعار القمح لأنها تستورد 80% من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، وكذلك السياحة القادمة من كلا البلدين حيث تعد مصر وجهة رئيسية للسياح من روسيا وأوكرانيا والحرب تؤدي إلى انكماش في عدد السياح القادمين منها.
وكذلك تأثرت دول القارة الأفريقية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وتراجع السياحة والصعوبة المحتملة في الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، بما يؤدي إلى حدوث ندوب من الجائحة التي كانت ملايين الأسر والشركات تعاني منها بالفعل.