الجمعة 19 ابريل 2024

هل دوستويفسكي مناصرًا لبوتين؟

بوتين ودوستويفسكي

ثقافة4-6-2022 | 15:01

أبانوب أنور

شهدنا في الآونة الأخيرة، وما زلنا نشهد، الحرب الروسية الأوكرانية وما الذي حل بنا جَرَّاءٌ هذا الصراع، والتأثير البالغ الذي شهده العالم على جميع جوانب الحياة، فقد تأثر الاقتصاد وتأثرت الحيوات الاجتماعية في بعض الدول، وانقلبت موازين السياسة، ولم تنجو الثقافة من هذا الصراع فقد منعت جامعة بيكوكا الإيطالية تدريس أعمال الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، حيث ألغت الجامعة الحكومية التي تقع في ميلانو دورة دراسية كان مقررا انطلاقها في الجامعة تحت إشراف المحاضر باولو نوري.

وأرجعت الجامعة قرارها هذا بسبب ما وصفته بـ «الغزو الروسي لأوكرانيا»، ومن ثم تراجعت عن قرارها بعد انتشار موجة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعى، ووسائل الإعلام، فبعد ساعات على قرارها أعلنت جامعة بيكوكا أن الدورة التي كانت مقررة لدراسة أدب عملاق الأدب الروسي فيودور دوستويفسكي، لا تزال قائمة، ولن يتم إلغائها كما سبق وتم الإعلان عن ذلك.

ماذا قال دوستويفسكي عن الحرب؟

قال دوستويفسكي في روايته الشياطين: يا إلهي لماذا يموت الأطفال ؟  لماذا لا ترفعهم إلى السماء مؤقتا ريثما تنتهي الحرب، ثم تعيدهم إلى بيوتهم آمنين .. وحين يسألهم الأهل محتارين:  "أين كنتم" ؟ ، يقولون مرحين  "كنّا نلعب مع الغيوم!".

كثيرًا كان دوستويفسكي يُظهِر في كتاباته سواءً كانت روايات أو مقالات معاداة للسامية، وقال دوستويفسكي عن الحرب الروسية التركية، إن الحرب قد تكون ضرورية إذا كان من وراءها الحرية والخلاص. فأي حرب كان يتحدث عنها العملاق الروسي أهي الحرب دفاعًا عن الوطن وحريته أم الحرب من أجل الاستعمار وفرض النفوذ، أم كان يتحدث دفاعًا عن مذهب بعينه، فنحن نعلم أن دوستويفسكي قرأ في شبابه تاريخ الدولة الروسية للمؤرخ الروسي نيكولاي ميخائيلوفتش كرامزين، الذي أشاد بمبادئ المُحافظين وباستقلالية وسيادة الدولة الروسية، وهي الأفكار التي تبناها فيودور في وقت لاحق. فنرى من خلال ما قاله فيودور دوستويفسكي أنه لم يدعو للحرب نهائيًا.

الأدب الروسي في مواجهة الحرب

تناول الأدب الروسي قضية الحرب والسلام، فإن الأدباء والمثقفين يعرفون جيدًا مدى بشاعة وقُبح الحروب، وما تخلفه من آثار سلبية على المجتمع، وأبرز من تحدث عن الحروب هو الروائي الروسي الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي (ليو تولستوي) في روايته الشهيرة «الحرب والسلام».

وتعتبر «الحرب والسلام» نموذجًا للحكايات التاريخية وتدور حول الأحداث الكبيرة التي حدثت في بداية القرن التاسع عشر، ومنها أحداث "قرية أوستريلتر" في عام (1806-1805). و"معركة برودينو" و"حريق موسكو" عام (1813- 1812).

 وتتناول الرواية الحياة السياسية والحب والكراهية المرض والموت، الشيخوخة والطفولة والشباب، الزهد والفلسفة، وبعض التنظيمات التي بدأت الظهور في ذلك العصر كالماسونية رواية تاريخية حيث الأحداث تتدفق في خمس عائلات روسية تمر في تجارب إنسانية وبخاصة بطله بيار بيزوخوف الكاتب المحب للسلم الذي يتلقى الإهانات من كل اتجاه في مجتمعه لرفضه خوض الحروب والمشاركة فيها على غرار شباب جيله.

وبعد غزو نابوليون لروسيا وشاهد بيار بيزوخوف أهوال الحرب وما أثرت به على حياته ومجتمعه فإنضم إلى صفوف المقاتلين وعاش تجربة قاسية بين مشاعره الوطنية وواجبه بالدفاع عن عائلته ومحيطه ومبادئه الرافضة لفكرة القتل ليصل في النهاية إلى حالة اكتئاب من واقع الطبيعة الإنسانية وكيف أن الإنسان يميل إلى تمجيد القتل والحروب.

ويقول تولستوي في رواية «الحرب والسلام»: الإنسان بطبعه بربري دموي، ولو أردت تحقيق السلام في الأرض، فعليك أن تُغيِّر دماء الناس إلى ماء، وهذا لن يتم. عشت من أجل الآخرين، فحطمت حياتي كلها نهائيًا، إنَّني منذ أن بدأت أعيش من أجل نفسي شعرت على العكس بأعظم قسط من الراحة والهدوء.

ولم يتناول الأدب الروسي في أعماله عن الحروب بوصفها صراعًا أيديولوجيًا بين الأطراف المتحاربة بقدر ما تعامل مع الحرب بوصفها صراعًا في الروح البشرية، ولم يقتصر تناول الحرب فيها على الأحداث التاريخية، بل شمل أولًا وقبل كل شيء الوعي البشري.

وازداد الأدب الروسي في رصد موضوع الحروب في القرن العشرين وذلك بسبب كثرة الحروب الفظيعة التي خاضتها روسيا، وليس الأدب الروسي فقد الذي يندد ببشاعة الحروب بل الأدب العالمي أجمع، وهذه هي إحدى وظائف الأدب أن يدعو إلى السلام.

هل دوستويفسكي مناصرًا لبوتين؟

يعد فيودور دوستويفسكي من أبرز وأهم الأدباء الروس، ويلقب بعملاق الأدب الروسي، وقال عنه ألبرت أينشتاين أنه «كاتب ديني عظيم يستكشف سر الوجود الروحي»، فلا شك أن يتأثر فلاديمير بوتين بأدب دوستويفسكي ومعتقداته، كان دوستويفسكي مسيحياً أرثوذكسياً، نشأ في أسرة دينية وعرف وتعلم الإنجيل من سن مبكرة، وكان بوتين أيضًا مسيحياً أرثوذكسي. وكانت والدته من المؤمنين المسيحيين الذين التحقوا بالكنيسة الروسية الأرثوذكسية، بينما كان والده ملحدًا، ولكن هذا لا يدل على اعتقاد البعض بأن بوتين يؤمن بمعتقدات دوستويفسكي وذلك من خلال مواقف وأقوال للكاتب الروسي على نقيض ما يفعله بوتين.

فنجد أن قبل اعتقال دوستويفسكي بسبب رابطة بيتراشيفسكي التي كان أحد أعضائها عام 1849، ذكر أنه «ليس هناك فكرة أسخف من أن تكونَ الحكومة جمهورية في روسيا». وفي عام 1881، قال في مُذكراته: «بالنسبة للشعب، القيصر ليس سلطة خارجية، ليس سُلطة لبعض الناس، بل هو قوة وسلطة لجميع الناس، وهي قوة لتوحيد جميع الناس».

وكان لدوستويفسكي موقفًا سياسًا آخر، فقد كان مُتشككًا حول إنشاء الدستورية الملكية واعتبره مفهومًا دخيلًا على الثقافة ولا علاقة له بالتاريخ الروسي، وقال: إن الدستور سيستعبد الناس أكثر بكل بساطة.

ففي رأيي أن الاعتقاد بمناصرة دوستويفسكي لبوتين، وتأثر بوتين بمعتقدات دوستويفسكي هذا أمر جنوني، وأخيرًا يجب علينا أن لا نخلط بين الأدب والسياسة، فمن أسمى وظائف الأدب أنه يدعو إلى السلام ويرفض فكرة الحرب.