الأحد 23 يونيو 2024

تساؤلات ملحة بشأن المشروع النووى

9-2-2017 | 10:58

بقلم –  م.محمد مجدى بدر الدين

تتردد هذه الأيام أنباء غير مؤكدة رسميا تتعلق بقرب التوقيع على عقد إنشاء المجمع النووى لتوليد الكهرباء بمنطقة الضبعة والمكون من عدد أربع وحدات نووية روسية التصميم والتصنيع من طراز VVER-١٢٠٠ – AES -٢٠٠٦ كل منها بقدرة ١٢٠٠ ميجاوات بقدرة كلية ٤٨٠٠ ميجاوات.

 

والوحدات المذكورة تنتمى إلى تصميمات الجيل الثالث الذى يتميز بأعمار تشغيل طويلة, واحتمالات التلف الكامل لقلب المفاعل أقل كثيرا من مفاعلات الجيل الثانى, وتصمم لكى تستخدم اليورانيوم بشكل أكثر كفاءة حراريا وبمعدل استهلاك أقل بنسبة حوالى ١٧٪ لكل وحدة قدرة كهربية مولدة، وتتميز كذلك بانخفاض ملموس فى تكلفة الصيانة الدورية والطارئة ومعدلات إتاحية أعلى, وتعتمد بشكل موسع على نظم الأمان السلبية.

وتجرى المفاوضات منذ حوالى الثلاث سنوات مع مؤسسة روساتوم النووية الحكومية الروسية للوصول إلى اتفاقية للتوريد والإنشاء تضمن أفضل الشروط الفنية والمالية والقانونية للطرفين, وبتاريخ ١٩ نوفمبر ٢٠١٥ تم توقيع الاتفاق الحكومى للتعاون بين جمهورية مصر العربية, وجمهورية روسيا الاتحادية .. إلا أن مفاوضات العقد الرسمى للإنشاء مع المؤسسة لم تنتهِ بعد وبالتالى لم يوقع العقد حتى الآن.

إلا أنه بالتوازى نجد لزاما علينا أن ندقق فى استعداداتنا الداخلية فيما يخص هذا المشروع, وهنا أشير لمقال سابق تحت عنوان «ولماذا التسرع فى طرح المناقصة النووية؟» على جزءين, الأول بتاريخ ١٤/١٢/٢٠١٣ , والثانى بتاريخ ١٨/١٢/٢٠١٣ حيث طرحت مجموعة من التساؤلات بشأن استيفاء ثلاثة عناصر فقط كعينة من تلك العناصر الضرورية التسعة عشر التى توصى بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية, ويشير استيفاؤها إلى مدى الجهوزية الوطنية لدخول المشروع وللانتقال الآمن من مرحلة إلى أخرى من مراحله، ثم تساءلت مرة أخرى فى مقالى بعنوان «هل لدينا كوادر بشرية نووية؟» المصور ١٨ / ١١ / ٢٠١٥، ومقالى «المشروع النووى كيف تسير الأمور؟ فى المصور بتاريخ ٢٥ يناير ٢٠١٧ .

وأعيد التأكيد على تلك العناصر الثلاثة وهى:

الأول برنامج التنمية البشرية المتاح للجهة المنشئة والمالكة للمشروع,

والثانى وهو مدى قدرة الجهة القومية الوطنية المانحة للتراخيص للمشروعات النووية واستعدادها للقيام بدورها (هيئة الرقابة النووية التى تتبع رئيس الوزراء مباشرة).

والثالث وجود الخطة القومية على مستوى الدولة التى تحدد الأدوار المختلفة للأطراف ذات الصلة بشكل متكامل وتنظم التعاون بينها.

وأركز حديثى لضيق المساحة على العنصر الأول وهو برنامج التنمية البشرية المتاح للجهة المنشئة والمالكة للمشروع ممثلة فى «هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء» التابعة لوزارة الكهرباء والطاقة، التى أنشئت بالقرار الجمهورى رقم ١٣ لسنة ١٩٧٦ الذى اختصها بالتخطيط والدراسات والأبحاث ووضع المواصفات والتنفيذ والإشراف على الإدارة لمحطات الطاقة النووية, وغنى عن البيان أن تلك الهيئة تعانى من التخلخل الشديد تنظيميا وبشريا.

إذن هيئة المحطات النووية المسئولة عن التنفيذ طبقا للقانون ستقوم بالإشراف الكامل على أعمال التصميم والتصنيع والإنشاء التى ستقوم بها الشركة المنفذة طبقا للعقد, ومن المفترض أن تشارك فى اختبارات ما قبل التشغيل والاستلام، وطبقا للمعلومات المتوافرة فى هذا الشأن, فإن الجهة المالكة وحتى تؤدى واجبها على الوجه الأكمل فى متابعة أنشطة إنشاء المشروع من نوع تسليم مفتاح الذى تقوم به الشركة الأجنبية المنفذة ستحتاج وفقا للجدول الزمنى للإنشاء لنحو خمسمائة من الكوادر الفنية من مختلف التخصصات الهندسية والعلمية ذات المستويات الوظيفية المتعددة فى حالة إتمام التعاقد على الوحدة الأولى ويتلوها الثانية بعد فترة بينية من سنة لسنتين.

وجدير بالذكر أن الموقع الذى تم اختياره للمشروع, وهو موقع الضبعة يتحمل بل ويستلزم لزيادة الكفاءة الاقتصادية ولأجل استقرار الشبكة الكهربية الموحدة إنشاء مجمع نووى ضخم يتكون من ثمانية مفاعلات يتم التعاقد عليها على التوالى على فترات زمنية بينية محسوبة بدقة, وعلينا فى هذه الحالة أن نحدد المطلوب بشريا لإنجاز المهمة ككل.

ولأهمية العامل البشرى الوطنى القصوى فى هذا المشروع إذن، فلابد من رفع مجموعة من التساؤلات لوزارة الكهرباء والطاقة وهى المسئول المباشر:

● وهل تم وضع هذا البند شديد الحساسية للأمن القومى فى الموضع الذى يستحقه من خارطة طريق حاكمة؟ وأجيب لا لم يتم وأتساءل لماذا؟

● هل تم إعداد وتنفيذ خطة للتنمية البشرية يتمخض عنها فريق العمل الوطنى من الخبراء والمهندسين المطلوبين للمشاركة فى أنشطة المشروع؟, وأجيب لا لم يتم وأتساءل لماذا؟، ومن المسئول؟

● هل تم إعداد الترتيبات الملائمة ماليا وتنظيميا من خلال إعادة الهيكلة للهيئة المذكورة لمساعدتها على تطوير قدراتها البشرية وفق المعايير الدولية بشكل ناجح؟ وأجيب لا لم يتم وأتساءل لماذا؟ ومن المسئول؟.

● ماهى طبيعة التقارير التى ترفع بهذا الشأن للمسئولين, هل يقال مثلا إننا جاهزون ونحن نولى التدريب أهمية كبيرة, وقمنا بإرسال عدد من المهندسين للتدريب فى روسيا الاتحادية كما نقرأ دائما فى الصحف, أم أنه يقال إننا سوف نبدأ برنامجا مكثفا للتدريب فور توقيع العقد، لذا أؤكد أن الإجابة المحتملة بهذا الشكل هى من نوعية عذر أقبح من ذنب، لأن متابعة إنشاء المحطة الأولى لا يمكن أن ينتظر توقيع عقد المحطة الأولى, وهذه التساؤلات مثارة بالفعل منذ ثلاث سنوات، فبالإضافة لأنه لا يوجد أصلا خطة للتنمية البشرية فإن التدريب لدى المورد للمحطة يركز اساسا على التشغيل والاختبارات والصيانة فيما بعد, وليس على متابعة التصنيع والإنشاء وبالذات فى المحطة الأولى, وإلا فإننى بهذا الشكل أكون كمن يستعين بالمورد لكى يتابع المورد.

كما أضيف إلى تلك النقاط التساؤل المتكرر دائما بشأن وجود استراتيجية معلنة واضحة وحاسمة لتعظيم المشاركة المحلية, ولعل مما يزيد القلق فى هذا الموضوع أن وزارة الكهرباء لا تمتلك استراتيجية أو خطة واضحة فى هذا المجال حتى فيما يخص إنشاء المحطات التقليدية العاملة بالغاز والبترول ومهمات نقل وتوزيع الطاقة، ونخشى أن ينسحب هكذا الحال على المشروع النووى.

إن توفير الحد الأدنى من ضمانات الأمن القومى الملزمة فى المشروع النووى الذى يتم تصميمه وتنفيذه بأيدٍ أجنبية, يبدأ بتفعيل الاستفادة الكاملة من الثروة البشرية الوطنية وتمكينها بشكل فعلى, ولا يمكن تحت أى اعتبار تخيل أن نترك الإشراف الفنى فعليا بشكل كامل للاستشارى الأجنبى كما تعودت وزارة الكهرباء فى المحطات التقليدية، وهذا إذا جاز على مضض بحكم واقع الحال فى المحطات التقليدية, فإنه لا يجوز إطلاقا فى المشروع النووى, ونحن لا نملك أن نتساهل إطلاقا في أمور من هذا النوع تتعلق مباشرة بالأمن القومى.

كمواطنين نحن نتمنى أن تستكمل المفاوضات بنجاح لاستكمال التعاقد, وكمواطنين أيضا لا يمكن أن نغض الطرف عن النواقص لأن المشروع يخص الشعب المصرى كله, والمشروع ليس مجرد مفاوضات فقط مع الجهة المنفذة, ولكنه وقبل كل شيء استكمال لاستعدادات ضرورية لا يمكن إفلات فرصة أن تتم فى توقيتها الصحيح, ثم نضطر أن نقوم بها على عجل وارتجالا فى اللحظة بعد الأخيرة كما تعودنا فى كثير من أمور حياتنا.

مرة أخرى وليست أخيرة لا يمكن أن يترك ما يخص الأمن القومى للدولة عشوائيا لمجريات الأمور أو للصدف .. وعلى الله قصد السبيل.