الأربعاء 22 مايو 2024

الطلاق فى الإسلام ( ٢ ) الطلاق الشفوى يقع بلا توثيق أو إشهاد

9-2-2017 | 11:02

حسمت هيئة كبار العلماء الجدل الذى أثير حول مسألة وقوع الطلاق الشفوى أو عدم وقوعه .. حيث أكدت وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق. ونص قرارها على أمرين هامين:

الأول: وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - وحتى يومنا هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق.

الثاني: على المطلق أن يبادر فى توثيق هذا الطلاق فَور وقوعه؛ حفاظا على حقوق المطلقة وأبنائها، ومن حق ولى الأمر شرعا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه، لأن فى ذلك إضرارا بالمرأة وبحقوقها الشرعية.

وإذا كان هذا القرار قد حسم المسألة فى أن الطلاق الشفوى يقع دون اشتراط وجود شاهدين .. إلا أن هناك حالات لا يقع فيه الطلاق الشفوى .. أذكر منها :

أولاً: الطلاق البدعي:

والبدعى هو أن يطلق الرجل امرأته أثناء حيضها، أو فى طهر حصل فيه جماع.

وقد أجمع الفقهاء على أن طلاق الحائض المدخول بها طلاق بدعى محرم مخالف للسنة، للأسباب التالية:

• لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمر حين طلق امرأته فى حال الحيض: (يا بن عمر، ما هكذا أمر الله إنك قد أخطأت السنة .

• طلاق الحائض فى حال الحيض تطويل لعدتها؛ لأن الحيضة التى وقع فيها الطلاق غير محسوبة من العدة وهذا إضرار بها، وقد ثبت ذلك بقوله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).

• لئلا يكون فى زمن الفتور ، لأنه لا يجوز الجماع أثناء الحيض .

• لأن حالة المرأة النفسية زمن الحيض غير مستقرة، كما هو معلوم طبيًا ومشاهد واقعيًا.

لكن: هل يقع الطلاق البدعي؟ ..

أقول: اختلف أهل العلم فى ذلك على قولين:

الأول: قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل، جميعهم يرون وقوع الطلاق البدعى .

الثاني: الظاهرية وطاوس ورواية عن الإمام أحمد واختارها ابن تيمية، وهؤلاء يرون عدم وقوع الطلاق البدعى .

أدلة القائلين بعدم الوقوع:

ـ قول الله تعالى: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) .

وجه الاستدلال: أن المطلق فى حال الحيض لا يكون مطلقاً للعدة؛ لأن الطلاق المشروع المأذون فيه أن يطلقها فى طهر لم يجامعها فيه فلا تحرم به والأمر بالشيء نهى عن ضده، والنهى يقتضى فساد المنهى عنه والفاسد لا يثبت حكمه .

ولأن عبد الرحمن مولى عروة سأل ابن عمر ــ وأبو الزبير ــ يسمع ــ: كيف ترى فى رجل طلق امرأته حائضاً؟ فقال ابن عمر: طلق ابن عمر امرأته وهى حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: (إن ابن عمر طلق امرأته وهى حائض، قال عبد الله: فردها عليّ ولم يرها شيئاً، وقال: إذا طهرت فليطلق إذا شاء أو ليمسك) ()، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) .

فالنبى صلى الله عليه وسلم لم ير الطلقة شيئاً، والآية تأمر بالطلاق حالة أن تكون المرأة مستقبلة العدة وهذا لا يكون فى الحيض .

كما قالوا: إن الطلاق فى الحيض أو فى طهر جامعها فيه بدعة، وقد اتفق الجميع على ذلك فكيف يجوز الحكم بتجويز البدعة؟

أدلة القائلين بوقوع الطلاق البدعي:

قوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) .

وقوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) .

وقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ).

وجه الاستدلال: أن الآيات بعمومها تدل على وقوع الطلاق فى أى وقت، ولم تفرق بين أن يكون الطلاق فى حال حيض أو طهر ولم يخص حال دون حال، فوجب أن تحمل الآيات على عمومها ولا يجوز تخصيصها إلا بالكتاب أو السنة أو الإجماع ولا يوجد ما يخصصها .

ولحديث ابن عمر رضى الله عنهما حين طلق امرأته وهى حائض، وسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :(مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس) .

وجه الاستدلال: قوله ) :مره فليراجعها(. دليل على أن الطلاق يقع؛ إذ لا تكون مراجعة إلا بعد الطلاق الذى يعتد به، والمراجعة بدون وقوع الطلاق محال .

ثم قالوا: طلاق الحائض وقع من مكلف فى محله فوقع كطلاق الحامل، ولأنه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فإيقاعه فى زمن البدعة أولى تغليظاً عليه وعقوبة له .

الرأى الراجح:

مع أن رأى الجمهور هو وقوع الطلاق البدعى احتياطًا للأبضاع، لكننى أميل إلى الأخذ بقول من قالوا بأنه لا يقع دفعًا لمفسدة أكبر، حيث يترتب على القول بوقوعه إضرارًا بمصلحة المجتمع، وتفسخ الأسر بانفعالات مؤقتة تؤدى إلى التسرع فى الطلاق ...

فى حين لو أن الرجل أراد الطلاق فتمهل حتى تطهر المرأة من حيضتها، أو انتظر مدة أطول لو كانت فى طهر جومعت فيه، فلربما راجع نفسه ولرجع عن فكرة الطلاق.

يستثنى من ذلك : إذا طلق الرجل امرأته عند المحكمة أو من يمثلها، فلا ينظر إلى كونه بدعيًا أم سنيًا . ويقع على أية حال.

ثانيًا: لا يقع الطلاق بمجرد النية دون التلفظ به:

الطلاق لا يقع بالكلام النفسى، أى مجرد النية من غير كلام، فلو نوى الزوج طلاق امرأته لم تطلق، لقول النبى « إن الله تجاوز عن أمتى ما وسوست به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به» .

فمن طلق زوجته بقلبه ولم يلفظ بلسانه لم يكن لذلك حكم الطلاق، لأن خطرات القلب مغفورة للعباد إذا كانت فيما فيه ذنب، فكذلك لا يلزم حكمها فى الأمور المباحة.

ثالثًا: لا يقع الطلاق بلا نية:

يقع الطلاق باللفظ الصريح إذا انعقدت النية إجماعًا.

وكذلك يقع إذا تلفظ الزوج بالطلاق الصريح بغير نية حتى لو هزلاً فى رأى الأكثرين، بل هناك من ينقل الإجماع على وقوعه؛ ففى الموسوعة الفقهية الكويتية : «وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ» .

ويستدلون بقول الله تعالى «ولا تتخذوا آيات الله هزوا».

كما يستأنسون بما روى : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ » .

قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ .

ولو صح هذا الحديث لصح قولهم ولما كان هناك منازع .

لكن عند التحقيق:

هناك فريق من العلماء ذهب إلى أن طلاق الهازل أو من لم يقصد الطلاق ولم يبيت النية قبل التلفظ به لا يقع .. مستدلين بقول الله تعالى «وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، والعزيمة والعزم ما عقدت عليه نفسك من أمر أنك فاعله، يعنى تقتضى النية والقصد..

ولئن كان السياق فى من آلى ( حلف ألا يطأ زوجته ) إما أن يرجع ويكفر عن يمينه أو عند عزمه على الطلاق فليطلق، إلا أن اللفظ أعم فى كل من أراد الطلاق.

ولذا نقلت رواية عن مالك وأحمد وابن حزم، أن طلاق الهازل لا يقع، وهو مذهب الجعفرية().

يقول الإمام الشوكانى: « ... فالتكلم بلفظ الطلاق الصريح فى معناه، إذا لم يرد المعنى الذى وضع له ذلك اللفظ فى فراق زوجته ، فهو كالهاذى الذى يأتى فى هذيانه بألفاظ لا يريد معانيها ، ولا يقصد مدلولاتها . فالحاصل أن من لم يقصد معنى اللفظ لم يؤاخذ به وإن تكلم به ألف مرة» .

لو أضفنا إلى هذا: أن النكاح ثابت بيقين ، واليقين لا يزول بالشك ، قال ابن حزم : «الورع ألا تحرم على المسلم امرأته التى نحن على يقين من أن الله عز وجل أباحها له، وحرمها على من سواه إلا بيقين ، وأما بالظنون والمحتملات فلا».

حتى هذا الحديث الذى يستدلون به على وقوع طلاق الهازل فقد ورد من عدة طرق لم تسلم جميعها من النقد، وقد شنع عليها الإمام ابن حزم حتى وصفها بالوضع .

وعلى فرض أن الحديث مقبول، فإنه معارض بحديث « إنما الأعمال بالنيات « وهو بإجماع الأمة حديث ثابت مشهور لا منازع فيه ، بل هو ثلث العلم ، أو ربعه .

فإن قيل : إن حديث «الأعمال بالنيات» عام خص بحديث «الثلاث»، فالجواب أن الضعيف أو حتى الحسن لا يخصص أو يقيد الصحيح.