لم أر شاعرنا الكبير عبدالرحمن الأبنودي في هذه الحالة من التأثر من قبل، كان انتهى لتوه من كتابة قصيدته «يامنة» في وداع زوجة عمه التي تحمل اسم القصيدة، كان عبدالرحمن يرى فيها نموذجا للقوة والحنان الممتزجين في شخصية امرأة في الثمانين على مشارف النهاية يتلاشى من حولها الأحباب، وهو ما عبر عنه في قصيدته بقوله:
أنا ليا ست سنين/ مزروعة ف ضهرالباب/ لا طلوا عليا أحبة ولا أغراب.
هذه المرأة كانت إحدى ملهمات الأبنودي، التي يذكرها بكل فخر وامتنان لما ألهمته له من قصائد فيها أجواء قريته وذكرياتهم البعيدة، كان يحلو للخال كلما فاض به الحنين، أن يذهب إلى أبنود، وعندما ترق شمس العصاري، تتجه خطواته إليها، وعند مكان استراحتها أمام باب الدار، يجدها: وجه بلون الطمي تكسوه شعرات بيض بلون ضي القمر تداعبه نسمات صيفية ترطب الأجواء، فى الوقت الذي تلمع فيه عينيها بشعاع نافذ كالشهب، وجلباب أسود حالك، تعرفه حتى قبل أن يلقي عليها السلام، تخطف يديه، تنتزعه إلى وجهها، تغمره بالقبلات، تمسح أريكتها الخشبية براحة يدها، حتى تليق بالأحباب، تتمتم ببعض الأذكار والأوراد التي لا تهملها يوما، تدعو ضناها ـ في حكم الضنى ـ ليردد معها الأذكار حتى تحلق من حولهما الملائكة حتى يحفظه المولى، وتستطيع هى أن تتذكر كل ما تريد قوله له، كان شباب القرية يتوافدون على مجلسها، يلقون السلام على شاعر القرية الذي نشر اسم أبنود عبر مختلف وسائل الإعلام، ويهمون بتقبيل يد يامنة، التي سرعان ما تسحب يدها مسرعة، حتى تتكأ على باب دارها الخشبي العملاق، يأبى الخال أن تقوم لإعداد الشاي، ويصر على القيام بهذه المهمة، هذه هي إحدى ملهمات أحد كبار شعراء العامية المصرية عبدالرحمن الأبنودي، فهذه المرأة البسيطة كان يقول عنها الأبنودي أنه أخذ منها مفاتيح العديد من قصائده، شفتك مرة فى التليفزيون، ومرة وروني صورتك فى الجورنان، قلت: كبر عبدالرحمن.