الأربعاء 29 مايو 2024

لأنها «يوليو» «عبدالناصر»

21-7-2017 | 14:23

بقلم – حمدى الكنيسى

تقضى من عمرها عشرات السنين حتى تبلغ الآن الخامسة والستين، وبالرغم من كل محاولات الانتقاص أو التشويه، تظل محتفظة بشبابها وحيويتها متربعة على قمة الثورات فى منطقتنا وخارج منطقتنا ممتدة بأذرعها على الساحات العربية والأفريقية والدولية .

إنها «ثورة ٢٣ يوليو» التى نقلت مصر من نظام ملكى إلى نظام جمهوري، ومن مجتمع راكد إلى مجتمع ناهض، ومن حجم محدود إلى حجم بلا حدود ومن رضوخ للاستعمار، إلى رفض يتحداه.. ويجعله يحمل عصاه على كتفه ويرحل.

تلك باختصار أبرز ملامح ثورة ٢٣ يوليه، التى يقول الواقع إن ارتباطها بشخصية وآراء الزعيم «جمال عبدالناصر» أضاف لها الكثير وجعلها تدخل قلوب وعقول الجماهير داخل مصر وخارجها، خاصة مع القرارات والمواقف الثورية التى اتخذها الزعيم عبدالناصر إلى جانب «الكاريزما» التى منحه الله إياها، وجعلته واحدا من ثلاثة زعماء عالميين ليقود مع «نهرو» و»تيتو» حركة عدم الانحياز الدولية، وليحظى بمزيد من الإعجاب والاحترام والتقدير من مختلف الجماهير. «محطات على طريق ثورة يوليو»

أعاد الأديب الصديق «وحيد حامد» فى الفترة الأخيرة إلى الأذهان قضية الصدام بين ثورة يوليو وجماعة الإخوان، حيث عرض مع المخرج المتميز والفنانين القديرين أهم المشاهد والأحداث التى جسدت جوانب وأبعاد ذلك الصدام، وقد أثارت الحلقات التى ظهرت فيها شخصية عبدالناصر وكأنه من الكوادر الضالعين فى «الإخوان المسلمين» كثيراً من اللغط والتعليقات والتساؤلات، حتى دخل على الخط بعض المرتبطين بالثورة والدارسين لها مثل «سامى شرف» وخالد محيى الدين» «رفعت السعيد»، حيث تأكد أنه ارتبط لفترة محدودة بالجماعة إياها فى إطار بحثه عن أى حزب أو جماعة يجد خلاله أو خلالها ما يبعث الأمل فى إصلاح الأحوال، وهكذا جرب عبدالناصر الارتباط لفترة ما مع الإخوان، ثم انتمى لفترة إلى «حدتو» تنظيم الحزب الشيوعي، وغيرهما من الأحزاب والجماعات، وعندما انطلقت، «ثورة يوليو» أعطى الإخوان فرصة أكبر عندما استثناها من قرار حل جميع الأحزاب القائمة، لكنه سرعان ما صدمه الجوهر الحقيقى للجماعة التى صور مكتب إرشادها أنها سوف تسيطر تماماً على الثورة وتوجهاتها، وعندما اكتشفوا أن عبدالناصر يحكمه فكره الوطنى الذى يتناقض مع فكر الجماعة، دبروا محاول اغتياله فى المنشية بالإسكندرية وواصلوا عمليات التنسيق ضد الثورة فى السفارة البريطانية، ثم تصاعد الصدام لتفتح السجون والمعتقلات لكوادر الجماعة، ويتزايد العداء للثورة ولعبد الناصر شخصيا وبكل الوسائل، والأشكال حتى بعد رحيله لم يسلم من سم دعاياتهم الكاذبة إلى أن جاءتهم الصفعة الكبرى فى «يناير» ٢٠١١ و «يونيه٢٠١٣” .

إنجازات جسدت قيمة وحجم ثورة «يوليو»

العدالة الاجتماعية: بصدور قرار «تحديد الملكية» وضعت الثورة حداً لسيطرة وتغول طبقة الاقطاعيين الذين امتلكوا أضخم الثروات وحولوا الطبقات الكادحة من الشعب إلى خدم وأجراء وكيانات لا قيمة لها عندما وجد الفلاح البسيط أنه بدلاً من أن يكون عاملا أجبراً ذليلا فى أرض «الباشا» و «البيه» صار يمتلك فدانا أو أكثر، واستعاد حريته وكرامته.. شعر أنه «إنسان» حقيقي، فى وطن حقيقى.

من جهة أخرى أنشأت الثورة أكثر من ١٢٠٠ مصنع ليضاف إلى وجه مصر الزراعي، وجها صناعيا، ثم كان المشروع التاريخى «السد العالي» بنتائجه الهائلة فى الزراعة والصناعة، وبذلك تم إغلاق الأبواب فى وجه مشكلة البطالة التى ظهرت بعد رحيل عبدالناصر.

«بعث القومية العربية»

إيمانا بعروبة مصر، وحتمية بعث القومية العربية، ارتفع صوت قائد الثورة مدوياً بكل ما يجمع بين أبناء الأمة العربية من صفات ومقومات وطموحات وكان للإذاعة - خاصة صوت العرب- دور مهم فى إبراز ذلك خاصة فى مساندة حركات التحرر والاستقلال، مع ما اتسمت به خطب عبدالناصر من صدق وحيوية، وهكذا انطلقت فعلا مشاعر القومية العربية والتفت أفئدة وعقول أبناء الشعب العربى حول مصر وزعيمها عبدالناصر.

مصر.. وأفريقيا

يكفى أن نتذكر شهادة الزعيم التاريخى لجنوب أفريقيا «نيلسون مانديلا» لثورة يوليو وزعيمها عبدالناصر، عندما جاء إلى القاهرة ليعلن على الملأ أن «ناصر» كان ملهما له وللثوار فى معظم الدول الأفريقية، ومسانداً عظيماً لثورات التحرر، وهكذا بفضل ثورة يوليه صار لمصر رصيد هائل فى إفريقيا مازالت آثاره ونتائجه تفرص نفسها بالرغم من المتغيرات المحلية والإقليمية، وينعكس ذلك فى النتائج الإيجابية لزيارات ومحادثات الرئيس عبدالفتاح السيسى لعدد من الدول الإفريقية، حيث الترحيب به وبمواقفه التى يرى فيها قادة ورؤساء امتدادا لعبد الناصر وفكره.

ثورة يوليو بين أعداء الخارج والداخل

يقول التاريخ إن مصر ليس متاحاً لها إطلاقاً أن تمتلك كل عناصر القوة والتأثير التى يمكن أن تضاف إلى قوة موقعها وتاريخها، وهذا ما حدث أثناء حكم «محمد على “الذى سارعت أوربا إلى ضرب تجربته وتحطيم أسطوله وإجباره على التقوقع داخل حدود مصر، وقد تكرر هذا المنهج الاستعمارى مع ثورة يوليو عندما رفضت الانبطاح تحت أقدام الولايات المتحدة لأمريكية وأوربا، وتمسكت بإرادتها وطموحها، وأطلقت مشروعاتها المختلفة وبدأت تجنى ثمار تحركها العربى والأفريقى والدولي، فكانت المؤامرات التى بلغت ذروتها فى نكسة ١٩٦٧، لكن عبدالناصر، بروح الثورة و التفاف الشعب حوله، أعاد بناء الجيش واستكمل ما كانت قواتنا المسلحة تحتاجه من قواعد الصواريخ والطائرات الحديثة، وقاد «حرب الاستنزاف» التى مهدت بقوة لحرب أكتوبر المجيدة التى اتخذ الرئيس انور السادات قرارها التاريخي.

يوليو.. أم الثورات

مثلما الهمت ثورة يوليو ثورات أفريقية وآسيوية، شاء التاريخ أن يوجه صفعات مدوية إلى أعدائها بما حدث فى ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، حيث رفعت الجماهير فى هذه الثورات «صورة جمال عبدالناصر» وكأنهم يعلنون للقاصى والدانى أن «ثورة يوليو بمبادئها وإنجازاتها» هى أم هذه الثورات وأن المطلوب والمأمول أن يكون القادة الجدد على شاكلة عبدالناصر بما تجسد فى شخصيته من وطنية وتجرد من أية أهداف شخصية وتمسك بالعزة والكرامة وطهارة يد، ومواجهة حاسمة لأية صور من الفساد.

ولعل ما أكد هذه الحقيقة عن نموذج ثورة يوليو وزعيمها، ما حدث عندما اقتنصت الجماعة إياها” ثورة ٢٥ يناير» وانقضت على الحكم، وكشفت من جديد عن عدائها لثورة يوليو ولعبدالناصر، حتى قال ممثل الجماعة فى الاتحادية” محمد مرسي» بمنتهى السخرية (الستينيات وما أدراك ما السيتنيات) كما بدأت الممارسات الإخوانية التى تتناقض مع مفهوم وحدود الوطن، والهوية المصرية العربية، مما دفع عشرات الملايين إلى التمرد والاحتشاد فى ميادين التحرير تحت شعار «يسقط حكم المرشد»، وكانت «ثورة ٣٠ يوينو» التى أبهرت العالم، وقدمت لمصر وللأمة العربية.. الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى وجد الكثيرون من الخبراء والمعلقين مظاهر تشابه حقيقية بينه وبين قائد «ثورة يوليو» الزعيم عبدالناصر فكراً ووطنيةً وتجرداً من أية أغراض سوى ما تحتاجه مصر والأمة العربية.