الأحد 19 مايو 2024

«شفت الريس.. يا بختك»!

21-7-2017 | 16:51

بقلم – سليمان عبدالعظيم

 

لازلت أذكر ما رأيته فى هذا اليوم، رغم مرور كل تلك السنوات الطويلة.. أتحدث عن اليوم الذى وقفت فيه على الرصيف مع فريق أسرة الحرية لكرة القدم كى نحيى موكب الزعيم الخالد جمال عبدالناصر..

وقتها.. عام ١٩٦٨.. كان الكابتن حمدى شميس مدرب أسرة الحرية عائدا بالفريق عقب مباراة فزنا فيها على مركز شباب الضاهر على ملعب مدرسة النقراشى الثانوية النموذجية..

على الرصيف انتظرنا حوالى عشر دقائق حتى مر الموتوسيكل الذى اعتدنا رؤيته فى مواكب الرئيس عبدالناصر.. كانت وقفتنا بالقرب من شارع الخليفة المأمون.. كنا فى طريق عودتنا فى غاية الفرح والانبساط بالفوز الكبير الذى حققته «الحرية» على فريق الضاهر.. بالطبع زاد فرحتنا أننا سنشاهد جمال عبدالناصر وجها لوجه.. سنراه على بُعد بضعة أمتار.. سنحييه من قلوبنا قبل أفواهنا..

يا لها من لحظة رائعة.. فريق الحرية يحيى الرئيس.. كنا.. فكرى عبدالعزيز وسكر ورضا وليدو (شقيق الفنان محمد سعد) وسمير عبدالرازق الذى رفضه مدرب الزمالك وفضّل عليه فاروق جعفر، فانسحب فى هدوء، وإلى الترسانة انضم.. ثم انزوى وغاب عن الأبصار.. أعود بسرعة إلى لحظة مرور سيارة الزعيم الخالد بالقرب من الرصيف الذى تسمرنا عليه.. كان واضحا وقتها من خط سير السيارة أن الرئيس عبد الناصر كان فى طريق عودته إلى منزله بمنشية البكرى.. هكذا قال لنا الكابتن حمدى شميس فقد كنا صغارا.. كنت وقتها فى الخامسة عشرة.

كانت حقا لحظة رائعة لكنها فى عمر الزمان لم تستغرق سوى دقائق.. بالكتير دقيقة وربما أقل من دقيقة، شاهدنا فيها الزعيم يحيينا بكلتا يديه تحية من يحمل على كتفيه أثقالا كبيرة.. وخطيرة .. ولا عجب.. فقد كان الزعيم يخوض حرب الاستنزاف.

«أهلا يا ريس.. أهلا يا ريس.. أهلا يا ريس..» صاح الكابتن حمدى شميس بأعلى صوته وكنا معه نصيح.. بينما الرئيس الخالد يحيينا بشدة من خلف زجاج نافذة السيارة.. وليتنا أسمعناه ما كنا نقوله دون أى ترتيب مسبق!.

مرت علينا سيارة الرئيس.. ابتعدت عنا عدة أمتار.. لا أعلم وقتها لماذا تمنيت ألا يذهب عبدالناصر عنا بعيد.! هل يمكن أن تتعطل سيارة الرئيس.. يا ريت.. قلتها طبعًا فى سرى.. يا رب العجل (يفسى).. ياريت.. طبعا فى سرى.

عندما ركبنا الأتوبيس من ميدان العباسية إلى حدائق زينهم، كنا نتحدث بصوت عال عن تلك اللحظة الفريدة التى رأينا فيها عبدالناصر عن قرب وعلى بعد أمتار فقط.. باقى الركاب اندمجوا معنا ولسان حالهم يكاد يقول: شفتم الريس.. يا بختكم!!.

الطريف أننى بعد أن وصلنا إلى مركز شباب زينهم عندما قلت أمام الجميع إننى تمنيت أن عجل عربية الريس يحصل له حاجة.. أو العربية تتعطل لأى سبب، قال الكابتن حمدى: والله العظيم وأنا كمان.. بس كويس يا سليمان أنك ما طلعتش من لسانك هذه الأمنيات واحنا راجعين فى الأتوبيس!

وأعترف لكم أننى كلما تذكرت ما جرى فى هذا اليوم الذى لم تضع تفاصيله من ذاكرتى.. طاردتنى أمنياتى الشريرة وقتئذ بأن تتعطل سيارة عبدالناصر حتى أفوز بسلام حقيقى من يديه..

كنت أتمنى أن ألتقى مع الزعيم الخالد وأتصور معه، كما شاهدت السوفييتى يورى جاجارين رائد الفضاء الأول عندما استقبله الرئيس فى بيته بمنشية البكرى مع أبنائه خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم ومنى عبد الناصر ..

كنت أتمنى أن ألتقى مع الزعيم الخالد وأتصور معه كما حدث مع البطل العالمى محمد على كلاى حين استقبله عبدالناصر والتقطت صورة جماعية للبطل كلاى مع الرئيس .

كنت أتمنى أن التقى مع ناصر كما التقى معه عبد اللطيف أبو هيف بطل العالم فى سباحة المسافات الطويلة .

هذا ما كنت أتمناه فى تلك اللحظة الإنسانية الفريدة..

لقد كان ركاب الأتوبيس يقولون لنا: شفتم الريس.. يا بختكم.. وهذا كان نفس شعورى عندما التقيت الباحث المهم فى الشأن الإفريقى د.جمال نكروما فى مؤتمر الجامعة البريطانية فى مصر «مصر فى القلب الأفريقى».. فعندما قال لى إنه بعد الانقلاب على أبيه الرئيس الغانى كوامى نكروما عام ١٩٦٦كان يذهب أسبوعيا إلى بيت الرئيس بمنشية البكرى برغبة من عبدالناصر..

عندما قال لى جمال نكروما ذلك قلت فى سرى: شفت الريس.. يا بختك!