الإرهاب لا ينشأ من فراغ، وله أسبابه ودوافعه، فالإنسان لا يولد إرهابيًا، بل هناك تأثيرات خارجية وعوامل ذاتية هي من تحفزه للسير بهذا الطريق.
المشكلة تكمن في صعوبة قراءة تلك العوامل وتفسيرها وإسقاطها على الواقع، فالحيرة في تحديد العامل الحاسم لدلوف شخص طريق الإرهاب مسألة يصعب إخفاؤها، فليس هنالك بروفايل موحد.
ودوافع الإرهاب متداخلة ومعقدة ولها أوزان نسبية متفاوتة يختلف تأثيرها من فرد لآخر، بل ويتمايز مفعولها على ذات الشخص من مرحلة لأخرى، الأمر الذي يصعب معه اختزالها في دافع بذاته سواء كان خارجيًا أم ذاتيًا.
ومن ثم فمحاولات حصر أسباب الإرهاب المتأسلم بالنص الديني ولو بقراءته الخاطئة تمثل مقاربة ناقصة، فمختلف الدراسات أظهرت أن الوازع الديني ليس هو المحرك الأساسي له، فهو يعود لأكثر من خلفية سياسية واقتصادية واجتماعية و.... إلخ.
فالوازع الديني هنا غطاء، والإرهاب المتأسلم لم يأت من تطرف الإسلام كدين بل من أسلمة التطرف؛ بمعنى أن هؤلاء الإرهابيين لم يكن جنوحهم بداية بسبب نص أو خطاب ديني، فهناك عنف يبدأ سلوكًا ثم يبحث عن فكرة يتخفى ورائها، فمقولة إن العنف يبدأ فكرة ثبت أن صحتها بشكل مطلق مسألة غير سديدة.
وتحليل الوثائق المسربة لتنظيم الدولة الإسلامية أثبت أن هناك تدنيًا بعدد الحاصلين منه على دراسات شرعية، فـ 70% من أعضائه بالكاد يعرفون الإسلام بشكل سطحي، بل إن جزءًا منهم من أصحاب السوابق الإجرامية، فالداعشي يقتل ويذبح دون أن يقرأ كتابًا إسلاميًا واحدًا، فدوافعه العنيفة يحركها بالأساس أشكال من الانتقام السياسي والمذهبي والتهميش الاجتماعي و... إلخ .
إذن فالمبالغة في التركيز على العامل العقائدي والحديث الصارخ عن أهمية تجديد الخطاب الديني، مع إقرارنا بحاجتنا له دون غيرهما من مسببات الإرهاب المتأسلم، قد تخفى ورائها رغبة في طمس دوافعه الحقيقية والهروب من مجابهتها وربما تكون ذريعة لضرب الدين نفسه.
كل هذا لا يعنى إنكارًا لدور العوامل الأيدولوجية في نشوء واستمرار الإرهاب المتأسلم، لكننا فقط نرفض المبالغة والتهويل فيها، فحال من يرمى بكل ثقله عليها بظني حال جحا حينما سقط منه دينار بطريق مُظلم فأخذ يبحث عنه بمكان غير موقع سقوطه، ولما سُئل عن سبب فعله أجاب لأن الضوء هنا أقوى.