الثلاثاء 21 مايو 2024

د.رفعت السعيد : سيد قطب أفعى بشرية

22-7-2017 | 13:16

 ياسر الشيمى

 مرّ 65 عامًا على أول خيط في الحكاية الكبيرة (ثورة يوليو). صندوق مليء بالأسرار تجذب بال القارئ والباحث. في هذه السطور نتلمس نقطة في بحر يوليو (دور اليسار والإخوان وعلاقتهما بجمال عبد الناصر). أدوار لا تزال محل تساؤل. أدوار تحتاج إلى عشرات الأبحاث واللقاءات. العجيب في الأمر، أنه رغم أن ناصر سجن اليساريين وعذبهم ونكل بهم،  إلا أن أحد أقطاب اليسار الكلاسيكيين، في مصر (الدكتور رفعت السعيد) يكنّ للرجل والمرحلة احتراما وحبًا صادقين. "السعيد" صاحب المؤلفات المُثيرة للجدل ضد الإسلاميين، نرفع معه النقاب عن حقائق تبدو جديدة حول علاقة الإخوان بحكاية يوليو.

صف لنا دور اليسار في ثورة 1952؟

اليسار شارك فعليًا فى الأحداث، فقد كان مجلس قيادتها يضم اثنين من الثمانية الأوائل، وهم خالد محيي الدين ويوسف صديق، وكان لهما دور محوري وليست مجرد مشاركة فقط، فيوسف صديق هو من اقتحم مبنى وزارة الدفاع واستولى عليه.

وخالد محيي الدين؟

خالد محيي الدين من المؤسسين الأوائل للتنظيم داخل القوات المسلحة، وهو من ضمن المجموعة "أ" بتنظيم الضباط الأحرار، ثم كُلف بالاتصال بمجموعته في سلاح الفرسان، ليعدهم من أجل التحرك للقيام بالحركة، التي كانوا يطلقون عليها انقلاب، وأول كتاب صدر بعد الثورة لرشدي البراوي كان يحمل اسم "حقيقة الانقلاب الأخير في مصر"، تقابل خالد مع ثروت عكاشة وأبلغه بما ينتوي القيام به الضباط الأحرار، فرفض ثروت عكاشة رفضًا قاطعًا وأطلق عليه جريمة في حينه، محذرًا من تحركات الإنجليز، وخوفا من وصمهم بالعار في حال عودة الاحتلال كما حدث عقب ثورة عرابي.

الهذا استعان عبد الناصر بالإخوان؟

عبد الناصر عرض الأمر على الإخوان لكنه لم يستعن بهم، لأنهم طلبوا 4 آلاف قطعة سلاح لكي يتصدوا للإنجليز، ورفض عبد الناصر هذا الاقتراح خشية محاربته هو بعد تسليحهم، والشيوعيون قالوا إننا على استعداد لحشد الجماهير لتقف وتغلق الطريق القادم من القناة، وهى مسألة نسبية، لم نقم بثورة بعد، ولن تكون هناك جدوى من الحشد.

كيف حلّت الأزمة؟

اختار عبد الناصر طريقا آخر، عن طريق شخصين آخرين هما عبد المنعم أمين وعلى صبري، الأول كان متزوجًا من أمريكية وهو عضو مجلس قيادة الثورة، والآخر كان فى سلاح الطيران، وتم تكليفهما رسميًا بالاتصال بـ"كافري" السفير الأمريكي، وتم الاتصال بالفعل، وتعهد الأمريكان بإقناع الإنجليز بعدم التحرك شريطة ضمان عدم وصول الشيوعيين للحكم، ومصلحة الأمريكان فى ذلك، هو إبعاد الاستعمار القديم وأن يأتي الاستعمار الجديد ليحل مكانه.

بذكر عبد الناصر، كيف تراه بعد كل هذا العمر؟.

عبد الناصر شأنه شأن كثير من الزعماء، غير الأنبياء، بعكس الناصريين الذين يرفعونه فى مصاف الأنبياء، لم يخطئ ولم يكذب ويعتبرونه معصوما، وهذا غير صحيح بالمرة، وكان يمتلك كاريزما كبيرة، قام بعمل الإصلاح الزراعي، وكان الإخوان ضد القانون والوفديون أيضا، كانوا يطالبون بـ 500 فدان وليس 200، وقام بعمل صناعات وإصلاحات وتقييم عبد الناصر لخصه أحد أعظم شعراء اللغة العربية محمد المهدي الجواهري

أكبرتُ يومَكَ أن يكون رثاء الخالدون عهدتُهم أحياءَ لا يعصم المجدُ الرجالَ ، وإنما كان العظيم المجد والأخطاءَ وتقييمك للتجربة الناصرية عمومًا؟.

قام بعمل أشياء مجيدة مثل التصنيع والتصدي للاستعمار ومجانية التعليم الجامعي، والإصلاح الزراعي، وفى نفس الوقت كان عبد الناصر يزداد شراسة ضد المعارضة ولا يسمح للناس تتنفس، فهو كان يعذب بدون سبب، هو تعذيب لمجرد التعذيب فقط، وقتل أشخاص جراء هذا التعذيب أمثال شهدي عطية وغيره العشرات ماتوا بلا رحمة في المعتقلات بسبب التعذيب، وهى واحدة من أحلك الفترات التي مرت على مصر.

ما السبب وراء كل ذلك العنف؟

السبب انه لا يريد لأحد أن ينطق بمجرد كلمة، ثم تحولت بعد ذلك لمباراة لكسر إرادة الناس، فبعد التعذيب والاعتقال تخرج مُهلهلًا وهو ما لم يحدث معنا على أى حال، واختلفت مع سامي شرف لأنه قال عبد الناصر لم يكذب ولكنه فى الحقيقة كذب، فكان يعذب سجناء الرأي وعندما يسأله الصحفيون يُنكر ويقول إنهم يعيشون حياة عظيمة، وعبد الناصر اعتقل ما يزيد على 60 سيدة من ضمنهم زوجتي رحمها الله، ولم نكن قد تزوجنا حينها، وكان ينكر وجود سيدات فى المعتقلات.

رفعت السعيد كان مشاركًا أم متفرجا على تلك الفترة؟

كنت مشاركا في الأحداث ومسئولا عن رابطة الطلبة الشيوعيين بجامعة عين شمس، وارتكبنا حماقات كبيرة جدًا، تم اعتقالى فى نهايات عام 53 ضمن أعضاء حركة "حدتو" وهو شئ فى منتهى الغرابة، فهذه الحركة ساندت الحركة وكانت تقوم بطباعة المنشورات الخاصة بالضباط الأحرار، وكان عبد الناصر يذهب لاستلامها بنفسه مستخدما اسم "موريس"، ولكن الصدام كان عنيفًا جدا، ونحن كنا طلابا وقتها وقطعنا الإجازة بسرعة عندما علمنا بالاعتقالات التي تمت بين الطلبة.

وكيف جرى اعتقالك؟

ارتكبنا الخطأ الأكبر في سبتمبر 53 بعد أن تعمد عبد الناصر إبعاد خالد محيي الدين ويوسف صديق من مجلس قيادة الثورة، إلى أن جاء أحد الطلاب وقال إن هناك أحد الضباط يريد مقابلة المسئول ونحن جميعا كنا صغارا، والتقيت به وأنا في ذلك الوقت صغير جدا "عيل"، فأخبرني بأنه من سلاح الفرسان وكان يحضر اجتماعات مجلس قيادة الثورة واقفا، وأخبرني بأنه سمع عبد الناصر يقول "باركوا لزكريا لأنه وجه ضاربة قاسمة للشيوعيين"، وسمع أن الأزمة التي بين عبد الناصر والإنجليز وقفت عند حدود أن الإنجليز يريدون ترك بعض القوات على القناة، وكان الخلاف حول الملابس: إن كانت مدنية أم عسكرية، ولأنني لم تكن لدي مسئولية لصغر سني وقلة خبرتي، طلبت من الضابط بمنتهى السذاجة أن أعطيه منشورات يضعها لمجلس قيادة الثورة، ووافق الضابط، وأعطيته منشورات بالفعل كانت مكتوبة بالريشة والمحبرة، ووضعها أمامهم بعد أن حمى نفسه بطريقة ما، وكان مكتوبا وقتها "دبورة على الكتف توقف التفاوض مع الاحتلال"، وتسببت تلك المنشورات فى سخرية عبد اللطيف البغدادي من عبد الناصر، وقال له "واضح فعلا إنك قضيت على الشيوعيين"، وكلف عبد الناصر المخابرات ليتم اعتقالي فى ديسمبر 53 ، وكانت أحوال السجن رديئة للغاية قبل أن يبدأوا التعذيب.

ومتى بدأ الصدام بين اليسار ورجال الثورة؟

قام عبد الناصر بحل الأحزاب، وطالب من يريد تأسيس حزب أن يتقدم بأوراق جديدة، وقام اليساريون بتقديم أوراقهم للتأسيس ولكنها رُفضت، وبدأت المعركة بين اليسار وعبد الناصر بعد إعدام خميس والبقري وحل الأحزاب، وبدأت حملة اعتقالات ضخمة جدا ضد الحركة الوطنية للتحرر الوطني وقتها.

تفسيرك للعلاقة المُربكة والمُركبة التي كانت بين عبد الناصر واليسار؟

نعم كنا نؤيد عبد الناصر رغم كل التعذيب الذي فعله بنا، وذلك من منطلق الوطنية، لأنه وقف ضد الاستعمار، وقام بكثير من الأمور الجيدة والعظيمة للشعب المصري، كان الموقف بالنسبة لحركة الجيش ملتبسا، فنحن كنا مع عبد الناصر فى إنشاء الصناعة والإصلاح الزراعي، وفى نفس الوقت ضده في حل الأحزاب وإلغاء الدستور.

وماذا عن مشاركة الإخوان المسلمين في ثورة يوليو؟

ما يروجه الإخوان عن مشاركتهم في الثورة، كذب ومحض افتراء خاصة في مسلسل الجماعة 2، فاليسار كان يملك 30 ضابطًا بالجيش فضلا عن 2 من أعضاء مجلس قيادة الثورة، ضمن الفئة الأولى بالضباط الأحرار، في حين لم يملك الإخوان إلا عبد المنعم عبد الرءوف فقط، وهو غادر التنظيم قبل الثورة، بعدما خيره عبد الناصر بين الضباط الأحرار والإخوان واختار الإخوان، وليس كما ذكر فى كتابه المثير للدهشة "أرغمت فاروق على التنازل عن العرش".

هناك من يؤكد أن عبد الناصر اتفق مع الإخوان قبيل الثورة؟

الإخوان لم يكن بإمكانهم القيام بفعل ثورى، لعدم وجود قوة كافية لهم فى عصب التغيير متمثلا في القوات المسلحة بعكس ما يتم تناوله من أكاذيب، واليسار لم يكن من أحلامه أو تطلعاته الوصول إلى السلطة أو الحكم، والأهم أن عبد الناصر لم يكن يقبل شراكة فى الحكم، باستثناء مجموعته من الضباط الأحرار وغير صحيح قبوله للإخوان.

فى المسلسل المذكور لم يأت أي ذكر لخالد محيي الدين أو يوسف صديق؟

مسلسل الجماعة كله أكاذيب، ولكن أود أن أسجل أولاً أن الكاتب وحيد حامد صديق عزيز جدًا، وهو وطني جدًا وهو واحد من أعمدة الليبرالية ورفض التأسلم السياسي، وهذا شئ مفروغ منه بالنسبة لي، ولكن المسار التاريخي ليس كذلك، فهو لأسباب أيدولوجية ارتكب أخطاء فادحة، منها مثلا إظهاره لعبد الناصر كديكتاتور على أعضاء مجلس قيادة الثورة في حين أن المرشد ديمقراطي ولا يصدر قرارا إلا بعد الرجوع لمكتب الإرشاد. 

وماذا عن شحصية سيد قطب في العمل؟.

دور سيد قطب غير صحيح على الإطلاق، وهو ليس متوحشًا هكذا فلقد رأيته فى مستشفى سجن طرة حينما كنت مسجونًا، وجدته وديعًا ناعمًا أملس كالأفعى، وهى صفات الإرهابي دائما، وهو شخصية ملتبسة، وقضى معظم فترة السجن فى المستشفى، وهو مصدر التطرف الأول بأفكاره التي تكفّر الجميع، حتى أنه كافر بالوطن وكان يطلق عليه حفنة تراب، وحتى المتأسلمين بماليزيا أو نيوزيلندا أو بوكو حرام كلهم قطبيون، حتى لو لم يقرأوا حرفا من كتبه، وأصبح سيد قطب رمزا للتأسلم الإرهابي.

وكيف تابعت مادار حول المسلسل من انقسامات؟

نتيجة الحملة الشرسة التي شنت على المسلسل، أنها صبت فى مصلحة الإخوان فقط، على الرغم من أن الجزء الأول كان غير ذلك، لأن التركيز الآن فى عبد الناصر: كاذب أم صادق؟. وهى أشياء ليست لها قيمة على الإطلاق تاريخيا.

 

 

 

 

وهل أقسم عبد الناصر على المصحف ولاءًا وطاعة للمرشد؟

خالد محيي الدين بنفسه قال لي إنه وجمال عبد الناصر، أقسما على المصحف، ولكنهما لم يقسما على الولاء والطاعة للمرشد، وإنما بعدم البوح بهذا السر، وذلك لافتقادهما التنظيم، بعد ابتعاد كثير من المثقفين عن الوفد، حينها اجتذبهما ضابط سابق اسمه محمود لبيب، وابتعدا نهائيا بعد أسبوع تقريبا حينما ذهبا للتدريب فوجدا أن من يقوم بتدريبهما على السلاح شاب صغير. سألته: هل استقلتم؟ قال لي: نحن لم نوقع على استمارات عضوية حتى نستقيل، وذكر عبد الناصر لخالد محيي الدين أن الذي أقسموا أمامه هو صالح عشماوي، لأن الحجرة كانت مظلمة ولم يشاهدوا وجهه ولكن سمعوا صوته فقط، وكان ذلك تقريبا فى عام 1943، وغير صحيح ما ذكره الدكتور حمادة حسني بأن عبد الناصر ظل فى تنظيم الإخوان من عام 44 حتى 48.