الأحد 29 سبتمبر 2024

الثقافة شرارة الثورة الأولى .. 30يونيو .. تراكم ثقافي صنع ثورة

22-7-2017 | 13:25

رئيس التحرير

تتناول " الهلال" ملفات عدة في هذا العدد منها: ملف "أقلام وإخوان" وكيف كانت المواجهة الفكرية بين فكرة الإخوان في حد ذاتها، وبين الفكر بشكل عام في مصر والتى امتد تاريخها وهو الأطول بين شعوب الدنيا، تاريخ مستمر لدولة هى الأقدم في العالم لما يزيد على 7000 عام قبل الميلاد، حافظت مصر على استقرارها وهويتها الثقافية بل وأثرت في ثقافات أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، حتى عندما تأثرت مصر بالعديد من الثقافات الموجودة حول العالم على مدار التاريخ أصبحت كاللوحة التي رسم كل خط فيها على يد إحدى الحضارات فظلت لمصر حضارتها وثقافتها الخاصة المتميزة.

لذلك لن يستطيع تيار أو جماعة اختطاف مصر وتطويعها، ليس لوجود جيش قوى وأجهزة دولة عميقة وعتيقة فحسب، بل لأن الثقافة المصرية والشعب المصري بثقافته التى بنيت من آلاف السنيين لن تقبل ذلك.

أما الملف الثانى وهو "التنوير " فمرتبط بالملف الأول في عدم معرفة معنى التنوير إلا عندما يحل الظلام.

نعم ذاق الشعب المصري مرارة الظلام في عام واحد من حكم مجموعة ظلامية لا تحب النور ولا تستطيع مقاومة أشعة الشمس، لذا كان من الطبيعى بعد وجود فكر إخوانى إرهابي ظن أنه سيطر علي مصر جغرافيا وسياسيا، ودخل بها إلي نفق مظلم عميق، أن يخرج مثقفو مصر حاملين مشعل النور لتتفجر الثورة.

فليس غريبا وقد حلت الذكرى الرابعة  لثورة 30 يونيو المجيدة، وكانت قد بدأت شرارتها يوم 5 يونيو 2013 في اعتصام رموز الأبداع والفنانين والمثقفين أمام وزارة الثقافة حينذاك للمطالبة بإزالة حكم الإخوان والحفاظ على الهوية الثقافية المصرية.

الإخوان حاربت الثقافة على مدار تاريخها، وحتى في أدبياتها في تربية أعضائها لا تقبل بالتنوع ولا بالإبداع ولا الفكر فكل هذا يهدد عرش " السمع والطاعة " العمياء ، فالثقافة "نور" وهم لا يستطيعون العيش إلا في الظلام.

وكان على الثقافة والمثقفين دور مهم في اللحظة التاريخية التي يعيشها الوطن والتى تم فيها إعلان الحرب علي الهوية المصرية ، فلبت الثقافة نداء الوطن من خلال مثقفيها بعد رؤيتهم إحراق المجمع العلمى وسرقة المتاحف وإغلاق المسارح ودور السينما ، بالفعل حافظت الثقافة على الهوية المصرية وحملت مشعل التنويرية للقضاء على ثقافة الظلام ووكانت البداية لإعلان رحيل الأخوان والتي لم ير الشعب المصري منهم مبدعا واحدا في أي مجال من مجالات الفنون، فلن تجد إخوانيا ملحنا أو كاتبا أو مطربا أو موسيقيا أو رساما أو نحاتا مثلا، فهؤلاء يحاربون كل فنون الإبداع بل يحاربون جمال الله في الأرض في كل المجالات.

بداية المعركة الحقيقية وبداية نهاية الإخوان كانت دلالاتها الأولى مع الشرارة الأولى للثورة والتي اطلقت وخرجت من رحم "الثقافة المصرية" التي لن تستطيع تحملهم بعد عام من الآنين في كل مراكز الإشعاع الثقافي ، وكان المؤكد لدي المثقفين أن معركة الإخوان ليست مع حزب سياسي أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، المعركة كانت مع الشعب المصري كله وثقافته والحرب علي هويته التي لن تقبلهم بعد أن قرر هؤلاء الإخوان - بكل غباء - الاصطدام بضمير الشعب المصري، فهذه الأفعال الشنيعة لم يقدم عليها حاكم في السابق قط مهما بلغت درجة جبروته حتى الاحتلال الأجنبي لم يستطع ممارسة مثل تلك الأفعال التي نفر منها هذا الشعب العظيم.

لقد كان المثقفون دائما في طليعة حركات المقاومة ضد الاحتلال وضد كبت الحريات، وكان دائما ما ينكل بهم ويتم سجنهم لكن الإخوان وبكل غباء قرروا ليس سجن المثقفين أو تعذيبهم فقط بل قرروا سجن أو هدم الثقافة المصرية نفسها.

وكان ذلك يعنى شيئا واحدا، وهو أنه - لأول مرة - يتم طمس الهوية المصرية لصالح هوية أخرى غريبة عن المصريين ذاتهم.

" تحيا مصر".. نعم، لقد كان الهتاف الأقوى في كل الشوارع والميادين، فلم ير الشعب المصري عبر شاشات التليفزيون أو عند نزوله الميادين مثل هذه الحشود التي أتت من كل حدب وصوب، وكذلك لم يشهد تاريخ هذه الأمة وهذا الشعب العظيم ما حدث من حشد الذي كان الأكبر علي مدار التاريخ البشري كما وصفته المحطات الفضائية الأجنبية.

وعندما  نجحت ثورة الشعب المصري وأزاحتهم عن الحكم التف المتطرفون حول تمثال " نهضة مصر" للنحات المصرى الكبير محمود مختار، ومن المعروف أنه رمز  للنهضة المصرية وإحساس المصريين بقوميتهم وتاريخهم وعزتهم بعد ثورة 1919، فجلسوا حول تمال يرمز للأستقلال وهم يريدون احتلال بلد بحجم مصر ، حيث يصور فلاحة مصرية يافعة كرمز لمصر تنظر للأمام ( متطلعه للمستقبل ) وهى حاضنة بذراعها رأس أبو الهول وهو رمز من رموز حضارة مصر القديمة، وفى التمثال شموخ وعزة نفس  كتعبير عن نهضة مصر وبعثها وفخرها بتاريخها.

ففكرة التمثال التي خطرت لمختار وهو فى پاريس عندما سافر الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول إلى فرنسا، لكي يعرض قضية استقلال مصر عن إنجلترا، وقابل الوفد مختارا وتحمس سعد زغلول لفكرة التمثال، وطلب جمع تبرعات فى مصر لعمل التمثال وعرضه فى أكبر ميادين مصر، وللأسف أنهم عند اختيارهم مكان الاعتصام لم يفهموا رمزية المكان المختار لهذا الاعتصام وهذا أكبر دليل علي عدم فهمهم للرمزية أو اطلاعهم على الثقافة بشكل عام.

وبعد مرور أربع سنوات على ثورتنا المجيدة شهدت مصر خلالها ميلادا جديدا وبعثا لأمة عريقة تنفست نسائم الحرية ، أمة ضربت جذورها في أعماق الأرض،وخلال السنوات الأربع الماضية تطور إدراك المصريين خلالها لأهمية العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات وحماية إرادته ، فضلاً تنامى أفكار احترام حقوق الإنسان ودولة القانون ورفض الخلط بين الدين والدولة في دولة فضلت عدم تأجيل المواجهة مع الإخوان وإرهابهم والعمل علي عيش للأجيال القادمة بأمان .

وهذه المتغيرات الثقافية والسياسية الجديدة هي التي ستقود مصر في المستقبل خاصة بعد زوال الإرهاب في القريب العاجل، والانتصار عليه سيعيد إلى مصر قوتهافي محيطهابدوائرة المختلفة وريادتها الثقافية ومكانتها وحضورها العالمي.

لدينا القدرة على هزيمة الإرهاب والإرهابيين ميدانيا وفي مخابئهم،  وعلى الإخوان فكرياً وتنظيمياً، في بلد استطاع تحقيق توازن بين مقتضيات الأمن ومحاربة الإرهاب وبين السير قدما على طريق التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان.

نحن الآن في مرحلة بناء واستقرار أوضاع المجتمع، والذي أراه يعاود تقدمه سياسيا واقتصاديا بعد سنوات عديدة من الانفلات وتدهور كبير في مؤسسات الدولة، لكن التأثير الأهم لكثير من ثورات العالم ارتبط بتغيير ثقافة المجتمع فيما يتعلق بقيم العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان والثقافة والديمقراطية، فضلاً عن تشكّل قوى سياسية واجتماعية جديدة ونتمنى أن يحدث ذلك التغيير الذي أراه قد بدأ في المجتمع المصري بكل مؤسساته.