نعجب جميعًا بكثير من نجوم الطرب، ونسعد بنتاجهم الفني، سواء من الأغاني والألحان أو على شاشة السينما، ولا نرى أبدًا كيف كانت بداياتهم والصعوبات التي واجهوها حتى تقبل الجمهور أعمالهم واشتهروا واعتلوا القمة.. تدفن الأسرار دائمًا، ولا يذكروا من رحلة الشقاء في البدايات إلا القليل، لكن مع حدوث الاختلاف بينهم تطرح الأسرار ويصبح المحظور مباحًا.. في ذكرى رحيل الموسيقار ساحر الأنغام محمد الموجي، نطرح ما رواه بنفسه من أسرار دقيقة عن بداياته هو والفنان عبد الحليم حافظ، وأيضًا نكشف سر الخلاف الأول بينهما كما جاء على لسان الموجي في عدد الكواكب الصادر في 16 فبراير 1960.
أنا ووداد حمدي إخوات
تحت عنوان «محمد الموجي يروي قصته مع عبد الحليم بكل صراحة»، جاء في بداية هذا التحقيق الذي أجرته الكواكب أن الموجي أصبح يميل إلى العزلة، ويقضي ساعات فراغه مع أولاده وزوجته الأولى، وأنه لن يعود إلى زوجة أخرى، أما عن شائعة زواجه من الفنانة وداد حمدي فقد أكد أنها بدأت تتلاى، وأن عملهما المشترك في الأفلام هو سبب ظهورهما معًا، وأن وداد زميلة وأخت عزيزة منذ طفولتيهما معا في المحلة الكبرى.
بداية الخلاف مع حليم
بنبرات يملؤها الأسى، قرر الموجي أن يروي سبب الخلاف بينه وبين حليم، وقال أنه لابد أن يفعل ذلك بعدما وجد تشويهات كثيرة لحقت بقصتهما، ولا يقصد من وراء روايته للكواكب، الهجوم على حليم أو غيره، وروى الموجي أنه قرر النزول إلى ميدان الغناء في الحفلات العامة، فالغناء هوايته منذ الطفولة، حيث أكد أنه يفوق من يغنون، السنباطي والشريف والطويل وكل المطربين، ولا ند له إلا عبد الوهاب.
الموجي يرفض تقديم حليم
قرر الموجي الاشتراك في حفلة عامة على مسرح الأزبكية، وقال أن ذلك أثار عبد الحليم وأن من حوله أفهموه أن الموجي يعلن عليه الحرب والمنافسة والتحدي، وأقسم الموجي أن ذلك لم يطف أبدا بخياله، فهو يفتخر بصوت حليم، لكنه يريد أن يبدأ تجربته في الغناء حسبما تمنى.. وقال أن حليم سافر إلى أوروبا وعاد ليعلن ترحيبه بنزول الموجي إلى ميدان الغناء، واستعداده لأن يقدمه إلى جمهور الحفل، وسعد المتعهد بذلك، لكن الموجي رفض، وقال من المألوف أن يقدم الأستاذ تلميذه إلى الجمهور، لا أن يحدث العكس.
500 جنيه ثمن الأغنية
قال الموجي بعدما قرر رفض الغناء بتقديم حليم على المسرح له ، يبدو أن حليم أحزنه الأمر "وشاله" في قلبه دون أن يفصح به، لكن الموجي استشعر ذلك بابتعاد حليم عنه، لكنه ظل وفيا ومخلصا ومحبا له، فلحن له أنجح الأغنيات منها "الليالي" في فيلم "شارع الحب"، و"نار" في فيلم "حكاية حب" .. وجاء فيلم "يوم من عمري" ووزع الموجي أغاني الفيلم، وأبقى لنفسه أغنيتان أحداهما "بأمر الحب"، وعكف على تلحينهما، لكنه وجد أنه من الإنصاف أن يرفع أجره من 200 جنيه ثمنا للحن الأغنية إلى 500 جنيه.
تساءل الموجي قائلًا: «لماذا لا أطالب برفع أجري، فقد كنا أنا وحليم معا منذ البدايات، وكان هو يتقاضى عن الفيلم 250 جنيهًا وأنا كنت أرضى بـ 30 جنيهًا، وارتفع عبد الحليم وأصبح يطالب بأربعة عشر ألف جنيه عن الفيلم، بينما وقفت أنا عند 200 جنيه عن الأغنية.. قاطع الصحفي جميل الباجوري محمد الموجي قائلًا أن ذلك طبيعي، فحليم يغني ويمثل، فرد الموجي بأن شهرة حليم المطرب أكبر من شهرة حليم الممثل، وأكد أن الألحان عنصر أساسي في نجاحه، ويجب أن ترتفع أجور الملحنين، ويجب على حليم أن يطلب ذلك من المنتج كما يطلب لنفسه.
التقى الموجي وحليم في النادي الماسي بعدما طلب رفع قيمة لحن الأغنية، وشهد اللقاء أحمد فؤاد حسن وصالح الكرداني، وطلب الموجي من حليم أن يدعمه عند المنتج لكي يدفع له 500 جنيه عن الأغنية ، وقال الموجي أن حليم رد عليه قائلا : بتاع ايه اديك 500 جنيه !! وهنا شعر الموجي بأن رد حليم كان بمثابة لطمة على خده، فقال : بتاع ايه يا عبد الحليم !! بتاع الليالي الممطرة اللي سهرنا تحت وابلها ساعات ننتظر حفلة أو فرحا .. بتاع الليالي السوداء وركوب الترام وفرحتنا بتزويغنا من الكمساري حتى نوفر قرش صاغ .. بتاع "صافيني مرة وبتقولي بكره ويابو قلب خالي وظالم" وضربنا بالطوب على مسرح الأسكندرية، ثم نجاحنا في القاهرة بنفس الألحان .. بتاع أيام ما كنا نستأجر بعض الناس ليتفرقوا في الصالة ليصفقوا لنا.
وأكد الموجي بأن رد حليم عليه كان كطعنة في قلبه ونفسه، وقال: "ياريت حليم كان قال طيب ولو كذب" .. وتمنى الموجي أن يدعمه حليم عند المنتج فحليم في نظره رجل كبير وله كلمته ويمكن للمنتج أن يخضع لرأي حليم .. لكن حليم لم يرد على الموجي وتدخل أحمد فؤاد حسن لتهدئة الموقف واعتبر الموجي أن سكوت حليم علامة على تجاهله الأمر .. فقال له : أنا لي عندك ثمن ثلاثة ألحان .. فاكرهم .. فابتسم حليم ولم يتكلم ، فعاد الموجي وذكره بالألحان الثلاثة، ثم أرسل خطابا وديا لحليم يطالبه فيها بثمن الألحان الثلاثة.
بقي أن نشير إلى أن الشاعر مرسي جميل عزيز جاء إلى الموجي لكي يقابلا حليم في مكتب المنتج صبحي فرحات، وهناك تقرر زيادة ثمن لحن الأغنية للموجي إلى 300 جنيه، وعلم الموجي بأنه لن يحصل إلا على لحن واحد فقط في الفيلم بعدما كان مقررا له لحنان .. فاعتذر الموجي ، فكانت كلمات النهاية المحتدمة بين حليم والموجي .. منها " والله العظيم أنا طلعتك من قلبي يا موجي .. أنا ما عدت أحبك مثل الأول أبدا" .. فرد عليه الموجي: إن الذي بيني وبينك يا حليم هو الحب وليس الموسيقى، فإن لم تعد تحبني فلن يمكنك أن تحب ألحاني وأن تؤديها بإتقان .
في مقال آخر سنطرح تفاصيل الصلح بين حليم والموجي.