"محتل" لم يكن بالصورة المعتادة للشر التى تعود بنا للافلام التى قدمت عصر ماقبل الاسلام؛ فالعدو كان متأنقاً قوياً والمقاومة أكثر ذكاءً وتسبقه بخطوات غير متوقعة ، ورغم أنه لم يكن الفيلم المصرى الأول ذى الثلاث ساعات ؛ لكنه الاول فى عرضه على شاشات l max المتطورة التى تشترط استخدام تقنيات عالية الجودة، وامتزج فى ساعاته النضال الذى لم يقتصر على الاكشن والانسانية التى يتجانس فيها الحب والقسوة والضعف والمشاعر التى يصعب أن تجمعها حالة.
فبمشاهدة فيلم "كيرة والجن" للكاتب أحمد مراد والمخرج مروان حامد ؛ تصل إلى الشخصية المصرية من خلال أفراد المقاومة الذين جاءوا كنسيج الوطن الذى يختلط ضعفه بقوته.
لقد شق مروان حامد لوحاته السينمائية ببراعة منذ أول اخراجه "عمارة يعقوبيان" ليضعنا أمام مخرج يعشق "الملحمية" فى كل حالاتها الواقعية والفانتازية وهانحن أمام الحالة "التوثيقية" التى اختلطت بالخيال.
فمنذ "العمارة" وهو يبحث عن خصوصية تفاصيل لوحاته الاخراجية ، لذلك كان لقاءه بمراد المساحة التى جعلته قادراً على التحليق فى فضاءاته التى لم يطرقها أحد ،وكأن كتابات مراد ؛ التى لاحقتها علامات الاستفهام بعيداً عن جيل الشباب الذى أقبل على قراءة مئات الصفحات مستمتعاً ومبهوراً بعوالمه ؛ وجدت المساحة الأكثر رحابة للتحليق مع رؤية مروان حامد الذى وجد هو الآخر ضالته فى العوالم "التساؤلية" والغرائبية ، وهاهى اللوحة الأكثر ابداعاً التى تحمل توقيع كل منهما "كيرة والجن" ؛ تمزج بين الواقع والخيال وتعيدنا لنرى القاهرة فى ثوبها الثورى الانسانى، لقد تجاوز مروان حامد كافة المستويات فى تحديات هذا الفيلم الذى يعود بالقاهرة لأكثر من مائة عام فنرى تفاصيل تنبض بحياة لم نراها سوى فى المشاهد الدرامية لثورة ١٩١٩ فى فيلم "بين القصرين" لحسن الامام.
تخبرنا كافة تفاصيل "كيرة والجن" بفريق عمل لعبت فيه كل العناصر دور البطولة لتكتمل الأسطورة ، فموسيقى هشام نزيه امتزجت بأداء مجموعة من الممثلين تألق كل منها مع كل حرف ينطقه ، لتجسد كاميرا مدير التصوير أحمد المرسى بكادراتها الحالة الانسانية وتبحث فى ماوراء أسرار النفس البشرية ، ويمنحها مونتاج أحمد حافظ الايقاع الذى نجى بالفيلم من الملل المتوقع لأحداث تتواصل على مدى سنوات واقعية توثيقية تاريخية.
فى "كيرة والجن" لايمكنك أن تغفل لمحة أزياء ناهد نصر الله أو لاتلتفت لفنان الديكور باسل حسام وكافة العناصر داخل الكادر السينمائى؛ فقد استغرق تصويره ومونتاجه أكثر من ثلاث سنوات ، ليأتينا واقع مصر النضالى الثورى والانسانى وحالة "الحب" بين "الأضداد" فى أيقونة سينمائية لاتقل عن مثيلاتها العالمية وتحمل شعار صنع فى مصر.