بداية كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا المحروسة بالطمأنينة والخير والبركات.
يحكى أن سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء "عليه السلام"؛ كان يقيم فى فلسطين؛ عندما حلت بالبلاد موجة جفاف شديدة وقحط قاتل، وإثر ذلك انتقل أبو الأنبياء إلى مصر؛ حيث الشبع والخير والأمان؛ وحسبما ورد فى التوراة "كما روى الإصحاح الثانى عشر من سفر التكوين "ا" حَدَثَ جُوعٌ فِي الأَرْضِ، فَانْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ، لأَنَّ الْجُوعَ فِي الأَرْضِ كَانَ شَدِيدًا" (تك 12: 10)، فقد كانت مصر فى ذلك الحين مركز التجارة والخير وبها خزائن الأرض؛ لذا أقبل إليها ابو الأنبياء "عليه السلام" وأقام بها فهى بلد الأمن والأمان.
فهى البلد التى احتضنت موسى عليه السلام وليدًا على محفة خشبية تنساب فوق صفحة النيل، ورضيعًا فى قصر فرعونها، وفتى يافعًا، ثم بداية لرسالته ورسولًا يؤمن الناس به إلا فرعون مصر الذى قرر البطش به فصدر الأمر الآلهى إليه بالخروج من مصر.
ولاذت بها العائلة المقدسة، عندما فرت إليها مريم العذراء بصغيرها عيسى عليه السلام من فلسطين هربًا من بطش الرومان وخيانة اليهود، واستقبلت مواكب نور الدعوة المحمدية التى أوصى وقتها خاتم الأنبياء بمصر وأهلها خيرًا عندما قال: ستفتحون مصر، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم".
أما بعد فاجعة كربلاء الشهيرة التى استشهد فيها الحسين بن سيدنا على رضى الله عنه و72 رجلًا من رجال بنى هاشم والصحابة والتابعين، فقد اختارها آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم، مستقرًا وملاذًا آمنًا لما سمعوه عن أهلها من محبتهم لآل البيت وولائهم ومودتهم لذوى القربى ومواصفات أخرى حميدة عرفت عن مصر كنانة الله فى أرضه.
بالقطع لا يمكن أن ننسى حجاج بلدان الشمال الأفريقى والمغرب العربى "المغرب، الجزائر، موريتانيا، تونس، ليبيا"، الذين كلما حل موسم الحج وزيارة الحبيب المصطفى، كان المشتافون والراغبون فى أداء فريضة الحج من هذه البلدان لا يجدون طريقًا يسلكونه للقيام بهذه الرحلة المقدسة، إلا السفر عبر البحر المتوسط والنزول فى الإسكندرية ثم السفر إلى محافظة قنا بصعيد مصر، وهناك كانوا يسلكون طريق الحج المصرى القديم الذى يبدأ من قوص إحدى مدن هذه المحافظة للوصول إلى ميناء عيذاب وبعدها السفر بحرًا إلى جدة وهم يرددون وينشدون "إن زاد علينا الشوق، نبعت لك سلام مع مين.. ما زيك مدينة يا مدينة النبى"، بالبلدى تستطيع أن تقول إن مصر المحروسة لديها خمس طرق مقدسة، بالأصح خمس ثروات مقدسة، كل طريق من هذه الطرق قيمة ومعنى ودلالة، ثروة فى حد ذاتها، وكل طريق من هذه الطرق لها حكاية وعلاقة مع كل دين من الأديان الثلاثة، كل طريق من هذه لو تم الاهتمام بها لتغيرت أحوال مصر السياحية وأصبحنا الدولة الأولى والأعظم فى السياحة الدينية.
هذه الطرق هى.. طريق خروج موسى عليه السلام من مصر هروبًا من الفرعون، طريق قدوم العائلة المقدسة السيدة مريم وصغيرها عيسى، ويوسف النجار وآخرين هروبًا من الإمبراطور الرومانى الذى كان يفتك بكل مولود يأتى، طريق الفتح الإسلامى لمصر، طريق قدوم آل البيت إلى مصر، طريق الحج المصرى القديم للوافدين من شمال أفريقيا وبلدان المغرب العربى لأداء فريضة الحج وزيارة الحبيب.
إذن أين تقع هذه الطرق جغرافيًا؟، وما هى تفاصيل مساراتها؟، وفى أى قرى ومدن ومحافظات مصرية تتواجد وتمر؟، ولماذا حتى الآن لم يتم الاقتراب منها وتطوير هذه الطرق وتحويلها إلى ثروات وكنوز سياحية جديدة؟، مصر دائمًا ستظل فصلًا مهمًا فى تاريخ كل دين من الأديان الثلاثة.. وللجديث بقية إذا كان فى العمر بقية.