الخميس 16 مايو 2024

عندما قامت الثورة رموز النخبة المصرية: أين كانوا وكيف أصبحوا؟!

23-7-2017 | 17:27

بقلم : يوسف القعيد

احترت. والله العظيم احترت..

ومصدر الحيرة أن يوليو موضوع سنوى، ما إن تهل علينا ذكراه حتى نحتار ماذا يمكن أن نكتب فيه. ولهذا لم نترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصيناها فى علاقة يوليو بمن صنعوه ومن كانوا ضحاياه، ومن استفادوا منه، ومن أضيروا بسببه.

فكرت. هل ألجأ لمذكرات الملك فاروق عن ثورة يوليو؟ وهى مذكرات صدرت خلال وجوده فى روما بعد الثورة. ثم تعرضت لكثير من التشكيك، وقيل إن الرجل عندما كان فى روما لم يكن لديه وقت ليدون مذكراته. ثم إنه لم يكن يحب الكتابة. ولم يكن من هواتها. فربما كتب هذه المذكرات أحد ممن كانوا بالقرب منه وادعى أنها مذكراته.

نحيت مذكرات الملك فاروق جانباً، وفكرت.

هل أعيد خلق يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ من خلال وقائع تحركات الأستاذ محمد حسنين هيكل، وما جرى له فى هذا النهار، وما فعله وما لم يفعله، وما قاله ولم يقُله؟ وأعترف أن الرجل حكى لى هذا كله عندما كنت أجرى حوارى الطويل معه لأعد كتابى: عبد الناصر والمثقفون والثقافة. لكنى ترددت، فنحن نحصى على هيكل أنفاسه وكل ما مر به سواء عندما كان حياً يرزق بيننا أو بعد رحيله. وكل هذا ربما نشر بعضه.

فكرت فى نجيب محفوظ، حكى لنا الرجل. لى ولمن كانوا يجلسون معنا فى جلساتنا الممتدة والطويلة والتى كانت بلا نهاية. حكى ما جرى له فى هذا اليوم الفريد وما حدث معه بعده، وموقفه من هذه الثورة ورجالها، سواء كان بالسلب أو الإيجاب.

أهمية هيكل أنه ممن صنعوا الثورة.

وأهمية محفوظ أنه ممن انتقدوا الثورة.

لكنى خشيت ألا يكون هناك جديد. وإن وجد الجديد، ربما لا يبرر الكتابة عنه، رغم أننى لدىَّ يقين أن الجديد يبقى فى طريقة العرض والتقديم والكتابة.

إلى أن اهتديت إلى فكرة قلت لحظة اهتدائى لها: وجدتها، وجدتها، وجدتها.

كيف كان حال النخبة المصرية صباح يوم الأربعاء الثالث والعشرين من يونيو ١٩٥٢؟ أعترف أننى بحثت كثيراً وأحضرت كتباً كثيرة من فوق أرفف مكتبتى، واعتصرت ذاكرتى حتى أقدم هذه البانوراما لأنه ما أسهل أن تتكلم عن شخص بعينه فتركز فيه. لكن أن تحاول أن تقدم بانوراما شاملة للنخبة المصرية وموقفها من يوليو، فذلك أمر من أصعب ما يمكن.

لنتوكل على الله .

كان محمد حسنين هيكل فى التاسعة والعشرين، وكان رئيساً لتحرير مجلة آخر ساعة، وهو الصحفى الوحيد الذى كان موجوداً فى مقر القوات المسلحة، حيث جرت كل وقائع الثورة، كان هناك منذ أول الليل وحتى أذيع البيان الأول.

كان إحسان عبد القدوس فى الثالثة والثلاثين من عمره. وكان رئيساً لتحرير مجلة روزاليوسف، وكانت علاقته برجال يوليو مركبة ومعقدة، فهو صاحب معركة الأسلحة الفاسدة التى اشتهرت بعد حرب فلسطين، ثم إنه صاحب المقال المهم عن العصابة التى تحكم مصر، وكان من بدايات محاولات انتقاد ثوار يوليو فى الأيام الأولى للثورة.

أحمد بهاء الدين كان فى الخامسة والعشرين من عمره. وكان قد استقال من العمل فى الحكومة، بالتحديد فى مجلس الدولة. وتفرغ للعمل فى مجلة روزاليوسف، ثم أسس مجلة صباح الخير وكان أول رئيس تحرير لها سنة ١٩٥٦، وكان فى التاسعة والعشرين من العمر. أرجو من الأجيال الطالعة أن تصدق هذه الأعمار. ففى زمن بعيد كنا نرى رؤساء تحرير لم يبلغوا الثلاثين من العمر. والآن أن تكون رئيساً للتحرير فى صحافة مصر القومية، معناه أن يفصلك عن المعاش أيام أو شهور أو سنوات قليلة.

أحمد حمروش كان فى الحادية والثلاثين، وكان ضابطاً فى القوات المسلحة، ثم انتقل منها سنة ١٩٥٦ إلى الصحافة. وتدرج فى العمل بين العمل الإدارى أو العمل الصحفى، وكان أحد الذين تولوا مؤسسة المسرح وكتب العديد من الكتب وربما كان أول من حاول أن يؤرخ لثورة يوليو فى مجلد ضخم يقع فى خمسة أجزاء، طبع للأسف الشديد خارج مصر ولم يطبع داخلها حتى الآن.

أمينة السعيد كانت فى الثامنة والثلاثين، وكانت كاتبة صحفية فى مجلة آخر ساعة، ثم بمجلة المصور. وأول رئيسة تحرير لمجلة حواء التى صدرت سنة ١٩٥٤.

الدكتور جمال حمدان كان فى الرابعة والعشرين من عمره. وكان مبعوثاً للحصول على الدكتوراه من جامعة ريدنج فى بريطانيا فى فلسفة الجغرافيا، وبعد حصوله على الدكتوراه عاد إلى مصر، وعمل بالجامعة فترة من الوقت، ثم استقال من العمل وقرر أن يتفرغ للبحث والدراسة والكتابة. وهى القصة التى حاولوا استغلالها بعد رحيل عبد الناصر على أن جمال حمدان ترك الجامعة احتجاجاً على تدخلات الدولة فى إدارة الجامعة. والقصة لا علاقة لها بذلك.

حسن فتحى كان أستاذ ورئيس قسم العمارة فى كلية الفنون الجميلة، والرجل صاحب مشروع قرية الجرنة، فى صعيد مصر. ولم يكن المشروع خاصاً بالقرية وحدها، لكنها كانت حلماً ومحاولة لتطوير الصعيد والخروج به من العصور الوسطى إلى الزمن الجديد. ولم يُكتب للمشروع النجاح.

الدكتور زكى نجيب محمود كان فى السابعة والأربعين، وكان أستاذا زائراً فى الجامعات الأمريكية من ١٩٥٢ إلى ١٩٥٤، ثم عاد إلى مصر باعتباره منظر ومفكر اليمين المصرى. الذى لم يكن جزءاً من تيار يوليو. لكنه شكَّل اجتهاداً آخر انطلق من الموقف الأمريكى من كل قوى اليسار فى العالم فى ذلك الوقت.

الدكتورة سهير القلماوى، تلميذة طه حسين، عاملها الرجل كابنته وأدخلها الجامعة وتدخل لدى أهلها حتى يوافقوا على ذلك، كانت فى الحادية والأربعين، وكانت أستاذة الأدب العربى بكلية الآداب بجامعة القاهرة. وهى صاحبة أول رسالة دكتوراه عن ألف ليلة وليلة. قبلها لم يقترب أحد من الليالى باحثاً ودارساً، وبعدها أصبحت لدينا عشرات أو مئات أو آلاف الدراسات عنها.

الدكتور سيد عويس، كان فى التاسعة والثلاثين. وكان يعمل مفتشاً اجتماعياً بوزارة الشئون الاجتماعية، وعندما أنشئ المجلس القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أصبح سيد عويس من رموزه المهمة. ومن مؤسسى علم الاجتماع المصرى. من خلال دراساته وأبحاثه الكثيرة التى تتناول حياة المصريين، مثل دراسته عن الكتابات على السيارات فى الريف المصرى ورسائل المصريين إلى الإمام الشافعى وغيرها كثير.

الدكتورة عائشة عبد الرحمن، التى عرفناها باسم: بنت الشاطئ. كانت فى التاسعة والثلاثين، وكانت أستاذاً جامعياً. وعندما تم تأسيس الأهرام، استعان الأستاذ هيكل بها ككاتبة دائمة وثابتة فى الأهرام. كانت لها حكايتها الخاصة مع أمين الخولى.

الدكتور على الراعى، كان فى الثانية والثلاثين، مدرس اللغة الإنجليزية بآداب عين شمس، لكنه فى زمن تالٍ أصبح أحد قيادات العمل الثقافى المصرى، سواء فى وزارة الثقافة أو فى الصحافة المصرية، وبالتحديد فى دار الهلال. فى الفترة التى كان مسئولاً عنها أحمد بهاء الدين.

فاتن حمامة، كانت فى الحادية والعشرين، وكانت فنانة معروفة، لكن علاقاتها بيوليو شابها التباس أدى إلى تركها مصر. وهجرتها إلى بيروت. وعدم عودتها من هناك إلا فى اليوم الذى توفى فيه جمال عبد الناصر، لعلها صدفة. لكن علاقتها بيوليو ورجالها لم تكن على ما يرام.

فتحى غانم كان فى الثامنة والعشرين، وكان يعمل نائب رئيس تحرير مجلة آخر ساعة، ثم انتقل إلى صحافة روزاليوسف، وهو الوحيد فى هذا الجيل الذى جسَّد علاقة الصحافة برجال يوليو فى روايتيه الرائعتين: الرجل الذى فقد ظله، وزينب والعرش.

محمد عبد الوهاب، كان فى الثانية والأربعين، وكان مطرباً وممثلاً معروفاً. ورغم أنه كان جزءاً من الواقع الذى ثار ثوار يوليو لتغييره، إلا أنه تعاون معهم ووضع موهبته واسمه فى خدمتهم، وغنى لعبدالناصر والقومية العربية، وأصبح جزءاً من الواقع الجديد.

ليلى مراد، كانت فى الرابعة والثلاثين، وقت قيام الثورة كانت مطربة وممثلة معروفة، وقد شكلت مشكلة أمام رجال الثورة عندما أحبها أحد ضباط يوليو خلال تعاونها مع يوليو فى مشروع قطارات الرحمة، وارتبط بها وكان هو وجيه أباظة.

سعد الدين وهبة، كان فى السابعة والثلاثين، ضابط شرطة، ثم أصبح رئيساً لتحرير مجلة البوليس، ثم الشهر، ومديراً لتحرير جريدة الجمهورية.

توفيق الحكيم، كان فى الخمسين، كان يعمل فى دار الكتب، وحاول وزير المعارف العمومية وقتها فصله من العمل، وكانت دار الكتب تابعة لها. ورفض عبدالناصر فصله بسبب تغيبه عن العمل مما أدى لاستقالة الوزير.

عباس محمود العقاد كان فى الثالثة والستين. وقتها كان كاتباً معروفاً، مات بعد قيام الثورة باثنى عشر عاماً، كان شديد الارتباط بالمشروعات الثقافية الأمريكية، مثل فرانكلين وغيرها، ومع هذا كان أول من حصل على جائزة الدولة التقديرية وتسلمها يداً بيد من عبد الناصر.

أحمد لطفى السيد، كان فى السبعين من عمره، ومات بعد قيام الثورة بأحد عشر عاماً، وهو الوحيد الذى عرض عليه ضباط يوليو أن يكون رئيساً للجمهورية، وأن يعودوا لثكناتهم، لكنه رفض وقال لهم من بدأ أمراً لابد أن يتمه، وهو الوحيد الذى يتمه.

نجيب محفوظ، كان فى الحادية والأربعين، وكان يعمل سكرتيراً برلمانياً لوزير الأوقاف، نزل صباح يوم ٢٣ يوليو ليستقل الترام من العباسية ليذهب إلى وزارة الأوقاف، فلم يجد أى مواصلات، وعندما سأل قيل له إن هناك إضرابا فى كل وسائل المواصلات، فعاد إلى بيته ليكتشف أنها الثورة. وصف السنوات التى تلت الثورة بأنها سنوات اليأس الأدبى. ٥٢/ ٥٧، كان يكتب السيناريوهات للسينما. وأول من انتقد الثورة فى رواياته فى رواية: السمان والخريف، الصادرة ١٩٦١.

يحيى حقى، كان فى السابعة والأربعين، كان وزيراً مفوضاً فى ليبيا، ثم عاد إلى مصر، ليصبح رئيساً لمصلحة الفنون. ثم رئيساً لتحرير مجلة المجلة، أهم مجلة ثقافية صدرت فى زمن يوليو.

يوسف إدريس كان فى الخامسة والعشرين من العمر، كان طبيباً بدأ النشر قبل الثورة بعامين. لكن مجموعته القصصية التى كرست اسمه: أرخص ليالٍ، لم تكن قد صدرت بعد. وقدم أهم إبداع يوليو الأدبى، خصوصاً روايته: «الحرام»، التى تحولت لفيلم سينمائى مهم.

عبدالحليم حافظ، كان فى الثالثة والعشرين، عمل مدرساً للموسيقى، واعتمد مطرباً وملحناً فى الإذاعة المصرية قبل الثورة بسنة واحدة، وقد أصبح مطرب يوليو وأهم صوت، قدم إنجازات يوليو فى أغانٍ أكثر من نادرة، أما وفاته فكانت فى السنة التى أكملت الثورة ربع قرن من عمرها.