الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

«قمة جدة.. لا شيء مجاني»

  • 17-7-2022 | 15:42
طباعة

لا شك أن قمة جدة كانت عنوانا جديدا لعلاقة أكثر اتزانا بين الدول العربية والولايات المتحدة بعد سنوات من الحسابات الخاطئة التي ارتكبها الغرب في التعامل مع دول المنطقة والانخراط في إدخالها في معترك الفوضى والتخريب تحت دعاوى نشر الديمقراطية التي باتت اليوم عنوانا كاشفا عن رغبة دفينة في التدخل في شئون الدول.

لقد جاءت القمة بعد شعور أمريكي بالندم والحسرة على سياسات أدت إلى إدراك العرب أن التحالف مع الولايات المتحدة واعتبارها شريكا مؤتمنا انحرف عن مساره وكان لا بد وسط تشكل نظام عالمي جديد أن توضع خارطة طريق جديدة لشكل تطور العلاقة مع الولايات المتحدة بما فرضته التداعيات الجيوسياسية التي فرضتها العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا وأن العالم الجديد للمنطقة العربية له شروط وواجبات وأن عصر الإملاءات والاستضعاف واستغلال الخلايا النائمة ودعمها عن بعد كوسيلة ابتزاز لم يعد يليق بعد أن اهتزت صورة الولايات المتحدة بقوة كشرطي للعالم وبدء عصر جديد من الاستغناء عن الدور الأمريكي والانخراط في تكتلتا إقليمية تعيد للعالم شيئا من التوازن الذي فقد خلال العقود الماضية.

اليوم وبعد سنوات طويلة جاءت الولايات المتحدة لتستمع لا لكي تلقي المطالب وتوزع التحذيرات والمهام فهي اليوم في أضعف حالاتها عقب الضربة الروسية التي أثبتت أن ما يسمى بالهيمنة الأمريكية لم يكن إلا فزاعة اسهم في تكوينها غياب مفهوم الأمن الإقليمي وتسليم المفاتيح بأكملها إلى العم سام.

لقد تراجعت هيبة الولايات المتحدة اليوم في أوروبا التي تطلق اليوم أكبر ميزانيات دفاعية تكفل لها الاستقلال عن أمريكا بعد أن ثبت للجميع أن حلف الناتو لم يكن إلا أداة لحماية المصالح الأمريكية فقط دون النظر إلى مصالح الأوروبيين أنفسهم وهو ذات الشعور الذي سيطر على المنطقة العربية وهي ترى الروعة في التعامل مع التنظيمات المسلحة التي تعبث بمقدراتها و الهرولة لإيران دون مراعاة لمصالح الخليج العربي والتعامل مع هواجسه تجاه إيران التي تعبث بمقدراته.

جاءت الولايات المتحدة إلى جدة والمنطقة تحمل خطة عمل مستقلة دشنها الرباعي العربي مصر والسعودية والإمارات والبحرين قبل سنوات أسس لتحرك مشترك للنهوض بالتحديات التي تواجهها وحققت من خلالها نصرا كبيرا دفع الولايات المتحدة إلى السعي والتودد إلى المنطقة التي تفتح اليوم ذراعيها لتعاون قائم على الاحترام وإنهاء النزاعات على أسس من شرعية دولية تلقت طعنات عديدة تكاد تجهز عليها.

ومن المفارقات أن ذلك الوعي انتقل من مستوى القيادات إلى الشعوب التي تناقلت بسرور وتفهم ذلك الاستقبال المذل للرئيس الأمريكي بمطار جدة حيث غاب الملك سلمان وولي عهده عن الاستقبال في إشارة كبيرة أن الأمور تغيرت وأن التجاهل لا يمكن أن يستقبل إلا بتحاهل مثله وأن المنطقة لم تعد بحاجة إلى وساطة في علاقاتها ببعضها البعض أو حتى علاقتها بإسرائيل وأنه بقدر ما يقدمه كل طرف تجاه مصالح الآخر سيجد تجاوبا وتعاونا مثمرا فلم يعد في عالم السياسة اليوم شيئا مجانيا.

إن التوقف عند طريقة استقبال بايدن أسلوب مصافحة ولي العهد السعودي له وإن كان إشارة مفرحة إلا أنه لا يجب التوقف عنده طويلا أو الاكتفاء به بل يتطلب المزيد من العمل وتعظيم للبناء على ما مضى وجنى ثماره وما يؤكد ذلك تزامن قمة جدة مع الإعلان عن انضمام مصر والسعودية وتركيا إلى تجمع بريكس وهو تجمع اقتصادي كبير يضم خصوم الولايات المتحدة كالصين وروسيا والهند كلاعبين رئيسيين في العالم الجديد متعدد الأقطاب في إشارة عربية بالغة أن العرب منفتح ن على عالم يتسم بالنية وان الباب مفتوح للراغبين بصدق في التشارك والتعاون

لم يقدم العرب هدايا مجانية إلى بايدن فقد أعلن الرئيس السيسي أن السبيل الوحيد لعلاقة مثالية مع الولايات المتحدة هو احترام خصوصية الدول العربية والتوقف عن التدخل في شئونها وضرورة امتناع القوى الخارجية عن تبني الإرهاب وميليشياته بتوفير الدعم والملاذ الآمن كما أعلنت السعودية أنها زادت قدرتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميا، ولن يكون لديها أي قدرة إضافية للزيادة وقد سبقها إلى ذلك الإمارات العربية.

وبعد عودة قطر إلى محيطها العربي طالبت أيضا بالإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفقاً لمبادئ وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وأن العرب ليس وظيفتهم تقديم المبادرات لكي ترفضها إسرائيل تحت نشوة حماية أمريكية مطلقة لعربدتها.

وتعالي الصوت العربي في تنسيق بديع لإيجاد حلول سياسية واقعية للأزمات الأخرى في سوريا وليبيا واليمن بل مد العرب اليد إلى إيران حيث وجهت الدعوات إليها بالتعاون مع دول المنطقة لتكون جزءاً منها عبر الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

من هنا نستطيع التأكد من أن عصرا جديدا تدخله المنطقة العربية بلغة سياسية جديدة تظهر أن المنطقة استوعبت أخطاء الماضي ولا ترغب في إعادته تحدث العرب وهم يحملون مجموعة من أسباب القوة كوحدة العمل المشترك والاصطفاف الشعبي خلف قياداتها وامتلاك التناغم في لعب الأدوار وبين أيديهم قوة اقتصادية وعسكرية قادرة على حفظ هذا المسار وإجبار الآخرين على احترامه وأن العرب قد تجازوا عهد الشجب والتنديد ومطالبة المجتمع الدولي إلى عهد التأثير الفعال القوي والمؤثر تجاه مختلف المخاطر والتحديات.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة