لا يزال فيروس كورونا ومتحوراته الجديدة تهدد العالم بموجات جديدة من الإصابات والوفيات، ورغم ذلك تظهر إصابات بفيروسات وأمراض أخرى تير مخاوف العالم بشكل مستمر، ومن آخرها مرض الطاعون الدبلي، المعروف باسم "الموت الأسود"، التي سجلت الصين أول إصابة به أمس في منطقة نينغشيا بشمال غربي البلاد.
كان المريض المصاب بهذا المرض عائدًا إلى ينتشوان قادما من منغوليا الداخلية ذاتية الحكم في شمالي الصين، وأصدرت المتطقة تعليمات وتحذيرات طارئة من المرحلة الرابعة للوقاية من المرض والسيطرة عليه، وفي الوقت نفه طالبت السلطات المختصة ببذل الجهود لرعاية المريض بشكل كامل، وتنفيذ الإجراءات الاحترازية للوقاية والسيطرة على المرض قبل انتشاره بشكل سريع.
ما هو الطاعون الدبلي؟
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن مرض الطاعون الدبلي أو الموت الأسود هو أحد أشكال الطاعون، وهو الشكل الأكثر شيوعاً من العدوى، وهو مرض تسببه بكتيريا حيوانية المنشأ تدعى اليرسنية الطاعونية وتوجد عادة لدى صغار الثدييات والبراغيث المعتمدة عليها، وأعراض المرض بعد فترة حضانة تتراوح بين يوم واحد وسبعة أيام.
ومن أعراض الطاعون الدبلي أو الموت الأسود التورم المؤلم للعقد اللمفية أو "الأدبال"، وهو من الأمراض الخطيرة على الإنسان، حيث يتراوح معدل الوفيات الناتجة عنه بين 30 و60٪، ويكون مميتاً على الدوام في شكله الرئوي عند تركه من دون علاج.
ويُنقل هذا المرض بين الحيوانات وإلى الإنسان عن طريق لدغة البراغيث المصابة بعدوى المرض، وبالملامسة المباشرة للأنسجة الملوثة بعدواه، وباستنشاق الرذاذ المنبعث من الجهاز التنفسي الحامل لعدواه، وعن الإصابة تخترق البكتريا المسببة للطاعون الجسم بعد اللدغة وتنتقل عبر الجهاز اللمفي وتصل إلى أقرب عقدة لمفية وتبدأ بالتكاثر فيها.
ثم تخترق عصيات اليرسنية الطاعونية ومن ثم تلتهب العقدة اللمفية وتصبح متوترة ومؤلمة وتُسمى "الدبل"، ويمكن أن تتحول العقد اللمفية الملتهبة في مراحل العدوى المتقدمة إلى تقرحات مليئة بالصديد، ثم بعدها في حالة ترك المرض دون علاج تنتشر العدوى بواسطة مجرى الدم ليظهر طاعون إنتان حيث يظهر في إطار إبداء أولى أعراض الإصابة بعدوى اليرسنية الطاعونية، ويمكن أن يسبب النزيف ونخر الأنسجة (يحوّل لونها إلى الأسود) والإصابة بالصدمة.
وفي مرحلة متقدمة إذا انتشر الطاعون الدبلي في الرئتين، يتحول إلى الطاعون الرئوي أو الطاعون الذي يصيب الرئتين هو أشدّ أشكال الطاعون فتكاً وهو شكل نادر من المرض، ويمكن ألا تزيد فترة حضانته على 24 ساعة، والشخص المصاب به قد ينقل عدوى المرض إلى الآخرين بواسطة الرذاذ المتطاير من فمه، وهذا قد يؤدي لوفاة المصاب بعدواه إذا تُرِك من دون علاج ولم يُشخّص ويُعالج في مرحلة مبكرة.
علاج الطاعون ومضاعفاته
ويمكن أن يسبب الطاعون غير المعالج الموت بسرعة مما يجعل الإبكار في تشخيصه وعلاجه أمرين أساسيين للبقاء على قيد الحياة والحد من المضاعفات، وتكون المضادات الحيوية والعلاجات الداعمة ناجعة في حال تشخيص المرضى في الوقت المناسب.
ويمكن أن يقضي الطاعون الرئوي على المريض في غضون فترة تتراوح بين 18 و24 ساعة من بداية ظهور المرض إذا ما تُرِك من دون علاج، ولكن المضادات الحيوية الشائعة للبكتيريا المعوية (عصيات البكتيريا السلبية لصبغة غرام) يمكن أن تعالج المرض بفعالية إذا ما أُعطِيت في وقت مبكر.
أماكن انتشار المرض
ظهرت أوبئة الطاعون في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، غير أن معظم حالاته البشرية حدثت في أفريقيا منذ التسعينات، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، موضحة أن جمهورية الكونغو الديمقراطية ومدغشقر وبيرو هي البلدان الثلاثة الرئيسية الموطونة بالمرض، بالتلازم مع الإبلاغ في مدغشقر عن حالات الطاعون الدبلي كل عام تقريباً أثناء موسم اندلاع الوباء (بالفترة الواقعة بين سبتمبر وأبريل).
وتسبّب الطاعون تاريخياً في اندلاع جوائح واسعة النطاق أسفرت عن ارتفاع معدلات الوفيات، وكان معروفاً باسم "الموت الأسود" خلال القرن الرابع عشر بعد أن حصد أرواح أكثر من 50 مليون شخص في أوروبا، لكنه اليوم مرض يسهل علاجه بواسطة المضادات الحيوية واتخاذ التحوطات القياسية للوقاية من الإصابة بعدواه.
وأُبلِغ في الفترة الواقعة بين عامي 2010 و2015 عن 3248 حالة إصابة بالمرض في العالم، منها 584 وفاة من جرائه.
الوقاية من الطاعون
وتوصي منظمة الصحة العالمية باتباع عدد من الإجراءات للوقاية من الطاعون، حيث تشمل التدابير الوقائية ما يلي:
- إخطار الناس في حال وجود الطاعون الحيواني المنشأ في بيئتهم وتوصيتهم باتخاذ التحوطات اللازمة ضد لدغات البراغيث وعدم مناولة جثث الحيوانات.
- تجنب الملامسة المباشرة لسوائل وأنسجة الجسم المُصابة بعدوى المرض
- تطبيق التحوطات القياسية عند مناولة المرضى الذين يُحتمل أنهم مصابون بالعدوى وعند أخذ العينات.
- لا توصي المنظمة بالتطعيم إلا للفئات المعرضة بشكل كبير لخطر الإصابة بالعدوى (مثل موظفي المختبرات المعرضين باستمرار لخطر التلوث، وعاملي الرعاية الصحية).