تمثل ثورة 23 يوليو المصرية بداية لتحرير المنطقة وشعوبها في النصف الثاني من القرن العشرين، من نير الاستعمار والاستبداد والفساد، ومن قوى جعلت من هذه البلدان دولا منتمية قهرا إلى ما يسمى بالعالم الثالث أو النامية.
كان الاستعمار يهيمن على المنطقة مستهدفا استيطانها وسلب ثروات شعوبها وإفقارها، بحجج وهمية، زاعما نشره للحرية والديمقراطية ومتباهيا بنماذج حكمه في بلدانه التي استفادت بما سطت جيوشها عليه من خيرات المستعمرات، وهكذا كان طبيعيا أن تبدأ هذه الثورات التحررية مدفوعة ومدعومة بحركات جيوش وطنية قادرة على صنع الفارق في هذه المرحلة، و مد أثر نتاج ثمار إجراءاتها الإصلاحية لعقود طويلة.
في مصر؛ تميزت ثورة يوليو بالحس الوطني والقومي الناضج، وتجد ذلك في مبادئها الستة حيث تسعى في ثلاثة منها إلى القضاء على ما هو مرفوض ومتسبب في محنة هذا الشعب، بينما تسعى المبادئ الثلاثة الأخرى إلى النظر للمستقبل وصناعة حياة جديدة يستحقها الشعب المصري.
قس على ذلك امتداد أفكار القائمين على مجلس قيادتها لقراءة واقع منطقتهم ودعم الحقوق القومية لشعوبها، وبالتالي دعم الثورات التحررية لها، في سوريا واليمن والجزائر وكذا بلدان القارة السمراء، وتأسيس فكرة عدم الانحياز ودعم توجه حركتها عالميا.
على هذا الأساس يمكن أن نقرأ المشتركات بين الرؤية القومية العربية للزعيم المصري العربي جمال عبد الناصر، والزعيم الكردي مصطفى بارزاني الذي زار القاهرة في الخامس من أكتوبر عام 1958 واستقبله ناصر مؤكدا على حقوق الكرد القومية، ولم لا، والقومية العربية عند ناصر تعني وطنيا يجمع أهل اللغة بتعدد معتقداتهم الدينية.
وفي العراق؛ تأثر الشعب بالثورة المصرية و قاد الجيش ثورته في 14 يوليو عام 1958 للتحرر من الهيمنة البريطانية، وصدرت قرارات من أجل مصالح الشعب، لكن انحراف بعض قادة ثورة تموز العراقية عن مسارها أدى إلى تدهور الحالة في العراق، بعكس مصر التي سارت الثورة فيها على نهج التزم الضباط الأحرار فظلت "يوليو" داعمة للشعوب المطالبة بحقوقها ومنها الشعب الكردي الذي وقف الزعيم عبد الناصر سندا له.
لنتصور ونراجع معا كيف كان ناصر ملهما وداعما لتحرر العراق وحقوق الشعب الكردي القومية مقدرا خصوصيته وثقافته، مناهضا محاولات تهميشه، مؤكدا دوما على أن العرب و الكرد أخوة، وفي عهده تم بث البرامج الكردية لمدة أربع ساعات في إذاعة صوت العرب من القاهرة، وكان أول من استقبل بارزاني عند رجوعه من منفاه في الاتحاد السوفيتي السابق.
نفس الموقف يتكرر لزعيم مصري هو الرئيس عبد الفتاح السيسي المعبر بصدق عن موقف بلده الداعم لحقوق الدستورية للشعب الكردي ضمن عراق موحد في مؤتمر شرم الشيخ الذي شهد حديثه إلى فتاة كردية حضرت إلى بلد الأمن والأمان، في وقت يسدد فيه الشعبان الشقيقان ثمن مواجهة الإرهاب ويكافحان فيه انتشار الوباء.
هذه مصر يوليو التي فتحت في أربيل أول قنصلية عربية بإقليم كردستان، وتحاول بكل جهدها دعم العراق على كافة المستويات، ننحني لها ونبارك قيادتها وشعبها في هذه المناسبة، متمنين لها المزيد من الازدهار والرخاء والأمن والأمان.