66 عاما مرت على صدور القرار التاريخي بتأميم قناة السويس، الذي أعلنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خطاب لا يزال حاضرا في وجدان المصريين وكلماته محفورة في أذهانهم لتعيد الحق لأصحابه وتبدأ قناة السويس مرحلة جديدة في تاريخها تحت الإدارة المصرية التي نجحت في النهوض بأوضاع القناة وتطويرها وإنشاء ترسانة بحرية للممر الملاحي الأهم في العالم الآن.
ففي 26 يوليو 1956، أعلن الرئيس جمال عبدالناصر فى خطابه التاريخى فى مدينة الإسكندرية قرار تأميم قناة السويس ونقل جميع أموالها إلى الدولة، وذلك ردا مباشرا على مواقف الدول الكبرى والبنك الدولى من مسألة تمويل السد العالى.
تأميم القناة
ونصت المادة الأولى من القرار الذي أعلنه عبد الناصر على أنه "تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (شركة مساهمة مصرية) وتنقل إلى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل الهيئات واللجان القائمة حالياً على إدارتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكون من أسهم وحصص بقيمتها مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية فى باريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة".
وهو ما نفذته الدولة بالفعل، حيث أوفت الدولة المصرية بكافة التزاماتها، فمع حلول الأول من يناير 1963 كانت قد سددت التعويضات التي أعلنت عن عزمها على دفعها لمساهميها تعويضا لهم عما يملكونه من أسهم وحصص تأسيس بقيمتها مقدرة وفقا لسعر الإقفال، في اليوم السابق للتأميم في بورصة الأوراق المالية بباريس.
وبلغت جملة التعويضات 28 مليون و300 ألف جنيها، قيمة 800 ألف سهم سددت جميعها بالعملة الصعبة قبل تاريخ استحقاقها بسنة كاملة، وفندت مصر في خطابها أمام الأمم الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 8 أكتوبر 1956 والذي ألقاه وزير خارجية مصر الدكتور محمود فوزى جميع الأسانيد التي ترد على محاولات التشكيك في قرار التأميم، كاشفة حقوق مصر التاريخية، حيث تضمن الخطاب أن "لكل دولة مستقلة الحق في تأميم أية هيئة تخضع لسيادتها.
وقد أكدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بقرارها رقم 12626 بتاريخ 21 ديسمبر 1952 أن لكل دولة الحق في استغلال موارد ثروتها لرفاهية شعبها ، طبقا لسيادتها ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
ما بعد التأميم
وبعد صدور قرار التأميم، تعرضت مصر لهجمة استعمارية شرسة بدأت بمحاولة خنق الاقتصاد المصرى عندما انسحب المرشدون والفنيون الأجانب الذين يعملون فى القناة لتعطيل الملاحة وعرقلة العمل في القناة، ومحاولة إحراج الدولة المصرية بعدم قدرة أبنائها على إدارة القناة، إلا أن المصريون نجحوا في تجاوز هذه الأزمة بمهارة واحترافية.
حيث نجح المرشدون المصريون بمعاونة بعض المرشدين من الدول الصديقة فى تسيير الملاحة بانتظام بعد يومين فقط من انسحاب المرشدين الأجانب حيث عبرت القناة فى 16 سبتمبر 36 سفينة وفى 17 سبتمبر 35 سفينة وفى يوم 18 سبتمبر 32 سفينة وفي هذا اليوم استقبلت الإسماعيلية خمسين من المراسلين الأجانب كانت مصلحة الاستعلامات قد أعدت لهم رحلة إلى منطقة القناة ليقفوا بأنفسهم على دقة نظام الملاحة فى القناة، وفى اليوم التالي في 19 سبتمبر عبرت 34 سفينة.
وكان هذا النجاح محل اهتمام عالمي، حيث رصدت وسائل الإعلام المحلية والعالمية نجاح إدارة قناة السويس وتنظيم عملية عبور السفن، ومن بينها مجلة تايم الأمريكية حيث نشرت فى عددها الصادر فى الأول من أكتوبر 1956 مقالا بعنوان "تحت ظل الإدارة الجديدة" جاء فيه أنه "بعد ثمانية أسابيع من تأميم القناة وبعد أسبوع واحد من انسحاب ثلثى مرشديها يبدو أن ناصر بر بما كان يفخر به، فقد مرت منذ التأميم 2432 سفينة بسلام وأمان منها 301 عقب الانسحاب الجماعى للمرشدين الأجانب."
وكذلك تعرضت مصر للعدوان الثلاثي ردا على قرار التأميم، حيث اشترك فيه كل من إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، والذى استمر من 31 أكتوبر إلى 22 ديسمبر 1956، وتسبب ذلك في غلق القناة، لكن فشل العدوان الثلاثي في كسر الإرادة المصرية، فنجحت الإرادة المصرية وانتصرت في 23 ديسمبر 1956 لتبدأ مرحلة جديدة من التحرير في العالم وموجة للاستقلال في كل دول العالم الثالث، وأعيدت الملاحة في القناة بعد انتشال السفن الغارقة فيها وتطهيرها في 29 مارس 1957.