السبت 20 ابريل 2024

عن مقتل الظواهرى

مقالات2-8-2022 | 15:38

قُتل أيمن الظواهرى، وأعلن الرئيس الأمريكى جون بايدن، بنفسه فى بيان متلفز تابعه العالم عن بعض تفاصيل عملية اصطياده بواسطة أجهزته المخابراتية والعسكرية بالعاصمة الأفغانية كابول، صباح الأحد الماضى.

وهو ما يمثل لا شك نجاحًا أمنيًا أمريكيًا بغض النظر عن كونه تأخر كثيرًا أو أن الظواهرى تعدى عمره السبعين عامًا أوأنه يعانى من جملة أمراض على رأسها السرطان، فالرجل كان له رمزيته الإرهابية على نحو يصعب المنازعة فيه.

لكن يبقى السؤال الذى يتكرر كلما قُضى على أحد من قادة الإرهاب المتأسلم عن مدى تأثير مثل هذا الرحيل على التنظيمات الخاضعة لهم، وعلى ذاك النوع من الإرهاب الأسود بشكل عام.

بمعنى آخر، هل سيُسكت قتل الظواهرى إرهاب القاعدة أو يحد منه أم أن تأثير موته لا يعدو كونه كما قال جون بايدن "تحقيقًا للعدالة" التى يأمل بأن تساعد عائلات ضحايا هجمات سبتمبر على "طى الصفحة" أم أن الأمر لا يعدو فيلمًا هوليوديًا تريد الإدارة الأمريكية من ورائه استعادة بريق تفقده أمام الصعود الصينى والروسى.

والإجابة هنا تحتاج لفهم حقيقى لطريقة عمل تنظيمات الإرهاب المتأسلمة، فالقاعدة من بعد المواجهة التى قادتها أمريكا إثر تفجيرات سبتمبر 2001 تخلت عن مركزيتها وأسلوب عملها الهيراركى "من أسفل لأعلى" وانتقلت لنموذج جديد تماهت معها فيه التشكيلات المماثلة كداعش وغيرها، هذا النموذج مكنها من العمل بشكل خفى لا يزول إلا مع وقوع عملياتها الإرهابية التى يغلب عليها الطابع غير الجماعى وغير القادم ترتيبها من أعلى.

فالإرهاب المتأسلم يعمل الآن بغالبة وفقًا لذاك النوع الذى يمكن وصفه بأنه "إرهاب بلا قيادة"، إرهاب الخلايا الصغيرة ذات العناصر محدودة العدد، قليلة القناعات الأيديولوجية والخبرات التنظيمية والعملياتية، خلايا تدار بشكل مسطح يصعب معه تحديد قيادة أو رأس لها.

فزمان التنظيمات الهيراركية الكبرى التى تملك خصائص الإرهاب التقليدية، أى المنظمات ذات الأيديولوجيات المتجذرة والهياكل المتسعة التصاعدية القيادة على نحو ما كان بأيام الجماعة الإسلامية بمصر مثلاً مضى ولم يعد هو السائد.

فالقاعدة وداعش منذ زمن، وخطورتهما الحقيقية تتركز فيما يمثلانه من نماذج ملهمة أوعلامات تجارية إرهابية إن صح التعبير، فهما أقرب ما يكون لـ"فكرة إيديولوجية" أكثر من كونهما بناء تنظيمى، فكرة تستمد طريقة عملهما من طريقة عمل شبكات الإنترنت حيث النمط الشبكى الأفقى ذات الطابع المائع وليس الصلب.

فالإرهاب المتأسلم الآن بمثابة عدو غير مرئى على نحو عبر عنه محقق أوروبى متخصص بالقول لمجلة نيوزويك "نحن نواجه خلايا فى كل مكان تنمو على هيئة بنية أفقية بدون وجود مركز تنسيق كبير واضح".

من هنا لم يكن لموت بن لادن التأثير المتخيل، فتراجع القاعدة لصالح داعش يعود لعوامل أخرى قد يكون من بينها بالطبع رحيله لكنه ليس بالعامل الرئيسى، ونفس الوضع تكرر مع موت الزرقاوى وأبوعمرالبغدادى وأبوأيوب المصرى وأبوبكر البغدادى والقرشى.

فالإرهاب المتأسلم لم يعد ينطلق من رأس واحدة كما كان بزمن مضى، فتشكيلاته وهياكله وطريقة عملها تغيرت بعدما تخلصت من الأنماط التنظيمية الكبرى والبنايات الرأسية.

ومن هنا يصعب الحديث عن أن مقتل الظواهرى يمثل ضربة قاصمة للقاعدة أو غيرها من التنظيمات الشبيهة، خاصة داعش التى هى على خلاف معها بلغ حد الاقتتال بأكثر من نقطة بسوريا وإفريقيا، وإن كان سيُحدث بأحسن الأحوال ارتباكًا بصفوفها العليا أظنه سيزول فى وقت قصير، فلربما كان الظواهرى مجرد واجهة لتنظيم يقوده فعليًا غيره.