حسن الوزير : المشروع الثقافي بخطة ومنهج قوي يقدم المسرح الذي سيواجه الإرهاب وشروره
: للمهرجانات دور كبير ومهم والتنافس يدفع بالتجويد وصنع عروضا أكثر تميزًا
: الثقافة الجماهيرية شهدت محطاتي الأولى وقادتني لاستكمال الطريق مع المسرح
المخرج حسن الوزيرهوالمبدع الذي أخذته نداهة الساحرالكبيرالمسرح منذ طفولته، فدفعه الحب الكبيرللفنون ليكمل رحلته معه، كممثل وليصبح مخرجًا يرفض بقوة ووعي القوالب النمطية التي شهدها منذ صغره، وتمرد عليها منقبًا عن المختلف والمتفرد، فبحث في مكتبتنا المسرحية والعربية والمصرية كثيرًا حتى اكتشف منها نصوصًا لم يقدمها أحد من قبله لكبار الكتاب، ونهل من نصوص المؤلفين الشباب في عصره، مكتشفًا ومقدمًا الكثيرمنهم لعالم المسرح، فقد كان باحثًا دومًا عن القضايا والأفكارالتي تتماس مع مايسكن في قلبه وعقله ووجدانه.
والتقينا معه في لقاء حول رحلته مع المسرح والمهرجان القومي للمسرح المصري، بعد مشاركته في عضوية لجنة التحكيم بالمهرجان في دورته الأخيرة الدورة 15(دورة المخرج المصري)
حدثنا عن بداية مسيرتك مع المسرح، ومع لعبته السحرية؟
بدأت الطريق من بورسعيد، حيث مسقط رأسي ونشأتي، وكان هناك أمرين لهما التأثيرالكبير لدخولي إلى عالم المسرح، أولهما قرب قصر ثقافة بو رسعيد من بيتنا، والذي كان يمثل موقعا ثقافيًا ثريًا، كأكاديمية فنية كاملة تقدم كل ألوان الآداب والفنون للجميع، وقد التحقت طفلًا بنادي الطفل ببورسعيد، وكنت استقي وأنهل من الفعاليات والأنشطة كما أشاء وأرغب، وكانت حينذاك الثقافة الجماهيرية برئاسة الفنان القدير سعد الدين وهبة، الذي ولاها اهتمامًا كبيرًا ومثلت وقودًا ومشعلًا للنهضة الثقافية والفنية، وفي مقدمتها المسرح.
وكان الدافع الثاني للطريق إلى المسرح والفن، هو حلقة الذكر التي كان يقيمها والدي كل خميس من كل أسبوع، وأبصرت روحي هذه الظاهرة التي تسلب الروح وتأخذ العقل وتلهم الوجدان، والتي كانت نشهد معها موسيقى خاصة من الطبول والآلات التي تخص حلقات الذكر، وأجواء الموالد المبهجة.
وكيف أخذتك نداهة المسرح؟ وما الذي دفعك إلى استكمال الرحلة معه؟
في بداية الرحلة كنت أشارك كممثل، مع العديد من المخرجين، في بورسعيد، والقاهرة، واكتسبت خبرات من ذلك، وبمشاهدتي للعديد من المسرحيات، تفاجأت بظواهر أظهرت لي قصورا كبيرًا في الإبداع الفني، وخاصة الإخراج، ولم يعجبني ما كنت أشاهده، فقد كان المخرجون يصرون على استخدام المجاميع دائمًا في كل العروض، ولاحظت تكرار وانتشار استخدام المستويات العالية في ديكورات المسرح، حيث يقوم غالبية المخرجين بأسلوب إخراجي متشابه ومتكرر في الشكل، و لايخرجون عن «السيمترية» في مختلف مفردات العرض ، كأوضاع الممثل وحركته على خشبة المسرح، ولم أحب هذا التقليد أبدًا وعندما بحثت بعد ذلك عن سبب عدم حبي لكل هذا، اكتشفت ما أكدذ لي أن المخرجين جميعهم كانوا يقدمون قالبًا واحدًا متكررًا، فحسب، وفكرت، فأدركت أنه يجب على المخرج، وخاصة المبتكر والمبدع أن يبحث عن أشكال ومناهج جديدة ومبتكرة ويخلق هو الجديد، ويتجه لكسر القالب النمطي المعتاد عليه في الرؤية التشكيلية الخاصة بعرضه المسرحي ومنهجه، وكانت هذه الأسباب محركًا قويًا للتجربة، ودفعتني إلى الولوج إلى عالم الإخراج.
كنت مكتشفا للعديد من النصوص المسرحية المهمة في مسرحنا المصري والعربي، وتميزت بهذه التجارب مخرجًا حدثنا عن رحلتك معها؟
قمت بإعادة اكتشاف العديد من النصوص للكتاب الكبار، وكنت أول من كشف نص محمود دياب «أرض لا تنبت الزهور» بالمسرح المصري، ثم قدمه الكثيرون بعد ذلك، ورغم أن محمود دياب واحد من رواد التأليف المسرحي في ستينيات القرن الماضي إلا أن هذا النص، لم يتم اكتشافه إلا حينما قدمته على مسرح الهناجر، وشارك في بطولة العمل الفنانة سوسن بدر، والراحل خالد صالح ولقد لاقى نجاحًا كبيرًا، وكان من الأكثر عروضًا نجاحًا وتميزًا لسوسن بدر ، وحصدت جائزة أفضل ممثلة عن دورها في العرض، وطالب الكثير من المسرحيين إعادة المسرحية على المسرح القومي، وقد كان، وكانت هذه المسرحية من العروض المناسبة تمامًا للظروف التي كانت تمر بها البلاد حينذاك.
ومالدافع الذي يجعلك تنتقي كاتبًا عن غيره أو نصا عن الآخر؟
كنت دائمًا لا أقف فقط عند الكتاب الكبار بينما كنت أكثر المخرجين ممن قدموا الكثير من الشباب الجديد من المؤلفين، وغيرهم ومنهم هشام السلاموني، محسن يوسف، وليد يوسف، د.هشام الطحان، وغيرهم الكثيرون منهم عبد المنعم عبد القادر، والذي قدمت نصوصه لعشر سنوات متتالية، وإن كنت اخترت محمود دياب فأنا أرى أنه أهم كاتب عربي دون غيره، وكنت معجبًا كثيرًا بكل ما كتب، ولكني كنت حين أقررأن أقدم مسرحا، اختار فقط النص الذي يتماس مع فلسفتي، وهويتي وشخصيتي ووجداني.
شكلت مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» خطوة مهمة في تاريخك الفني حدثنا عنها؟
كنت أول من اكتشف نص «طقوس الإشارات والتحولات» للكاتب السوري سعد الله ونوس، وتم إنتاج هذه المسرحية 1996، ومنذ ذاك العرض، وهو يقدم كثيرًا في المسرح المصري، وحتى الآن، و كان بطولة سوسن بدر ونبيل الحلفاوي وحمدي الوزير، وفاء الحكيم، و من خلال هذا العرض كان الاكتشاف المبكر للخالدين خالد الصاوي، وخالد صالح
حدثنا عن أبرز مشاركاتك وأهم محطاتك كممثل في مشوارك الفني؟
شاركت مع الكثير من الفنانين، في المسرح من بينهم عبلة كامل، ومجدي عبيد، والفنان سلامة حسن، وتشاركنا في رائعة نجيب سرور«منين أجيب ناس»، كما شاركت في العديد من الأعمال الدرامية، منها: فيلم «فيش وتشبيه» ومسلسل «رجل لهذا الزمان»، وعاصرت الكثير من المبدعين، في المسرح في الستينيات ومابعدها في القرن الماضي التي عشنا بها اذدهارا كبيرًا وثراءً فنيًا وفي المسرح المصري خاصة.
وما الذي ميّز المسرح المصري في الستينيات عن العقود الأخرى وعصرنا الحالي؟
شهد المسرح نجاحًا كبيرًا واذدهارًا في فترة الستينيات بالقرن الماضي، وما بعدها وخاصة حتى عام 1975، وهذا لأسباب كثيرة في مقدمتها، أن الستينيات شهدت مسرحيين كثيرين، ذو وعي وفكر، وإبداع كبير في مفردات العرض المسرحي كافة، وفي مقدمتهم كتاب المسرح المبدعين.
وكنا نشهد احترامًا وتقدير لفن المسرح، وإدراك لقدسيته و كذلك كان كل صناع المسرح والعاملين به يحظون بالتقدير، وقد حظي المسرح حينذاك بحركة فنية منظمة، للفعاليات المسرحية كافة، للندوات، والمهرجانات، و شهدنا نهضة حقيقية في جميع الجوانب وكل الأبنية الثقافية التي تم بنائها في الستينيات مازالت هي التي يعمل عليها الجميع حتى عصرنا هذا، وإن كان لابد أن نشهد مع النمو والتزايد السكاني، نموا آخر في الأبنية الثقافية في مصر كلها، ومثالًا على ذلك كنا نحظى في الستينيات والسبعينيات بـسبعة مسارح تعمل، في بورسعيد، وتقدم مسرحًا وبها الكثير من الأنشطة، وكان قاطنيها عددهم قليل ،ومع التزايد السكاني الكبير الآن لا يتوافر في بورسعيد غير مسرحيين فقط، والأمر كذلك في مواقعنا الثقافية في مصر كلها، فشهدنا تراجع عدد المسارح عمّا قبل على مستوى الجمهورية، ونتمنى أن الدولة تلتفت جيدًا إلى هذا ففي الستينيات وما بعدها شهدنا ضمن خطط الدولة حرصها الكبير أن تخلق جمهورًا واعيًا ومثقفًا في جميع مؤسساتها، وكانت الدولة واعية وتنفذ فلسفتها لنشر الوعي السياسي والثقافي والفني للجميع من أبناء الشعب المصري، ولذا شهدت مصر بعد ثورة 1952 تعيين أحد أهم رجال الثقافة ليس في مصر فحسب، ولكن في الوطن العربي كله، وزيرًا للثقافة وهو الدكتور ثروت عكاشة، وهو مؤسس كل الأبنية الثقافية التي مازالنا نشهدها حتى الآن، ولا يمكننا أبدًا أن ننسى دور سعد الدين وهبة في تنمية واذدهار الثقافة المصرية، والذي أدين له بالكثير من خطوات رحلتي ونجاحي بالمسرح المصري، وشهدنا الكثيرين من مبدعينا في المؤسسات الثقافية حينذاك.
ولانغفل أبدًا دور وزير الثقافة فاروق حسني بينما لم يشهد عصره سياسة ثقافية، وقوة في الخطاب الثقافي، ولم يتضح لنا أيّ خطة أو منهجًا واضحًا وقويًا في مسيرة الثقافة المصرية، ولم نشهد سياسة، أو مشروعًا ثقافيا أو استراتيجية مثل فترة الستينيات في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، لكنا شهدنا من بعده اجتهادات تلقائية فقط، وعلينا أن نضع خططًا ومنهجًا قويا للثقافة المصرية لنواجه كل ماهو قادم ونواجه كل أنواع الإرهاب.
شاركت كثيرا بالثقافة الجماهيرية، وكرمت في آخر مهرجاناتها، حدثنا عن ملامح مسرحها بين الأمس واليوم؟
مسرح الثقافة الجماهيرية، صوت فني وثقافي قوي، وهو الميكروفون الذي يجب أن نوجه من خلاله حديثنا إلى مصركلها وليس العاصمة فقط، و يشهد في الفترة الحالية جهدًا كبيرًا من قبل المخرج هشام عطوة والمهندس محمدجابر، وجميع العاملين، وأفخر كثيرًا بكل ما قدمته للمسرح في الثقافة الجماهيرية، بينما يجب أن يكون للمسرح وللثقافة الجماهيرية دور كبير في صنع الثقافة المصرية وتتغير برنامجها وخططها عمّا أنشأت عليه من قبل لتغير الظروف السياسية عما سبق، لتحقق فلسفتها وأهدافها الحقيقية.
ومارأيك في إقامة المهرجانات بوجه عام وما هي أهميتها للحركة المسرحية المصرية؟
سعيد جدا بمشاركتي الأولى ضمن أعضاء لجنة التحكيم بالمهرجان القومي، و الذي يقدم دورًا مهمًا للمسرح المصري، وكنت من أبرز المساندين والداعمين له منذ دورته الأولى والتي شاركت فيها بمسرحية «أرض لا تنبت الزهور» وفي الدورة الثانية قدمت «القضية» 2007 للكاتب يسري الجندي.
وتتيح المهرجانات للفرق المسرحية، ومختلف المؤسسات التي تنتج مسرحًا أن تتعرف على بعضها بعضًا والتنافس الشريف والواعي، فيما بينهم ودفعهم لإبراز كل منهم لطاقته، ويدفعهم إلى التجويد، وهو بالضرورة ما يُثري الحركة المسرحية المصرية ويحدث بها حراك وتبادل إبداعي وثقافي ويطلعنا جميعا على اتجاهات وسمات الإنتاج المسرحي المصري في موسم كامل وهذا من هدف وفلسفة المهرجان القومي للمسرح المصري.
ماهي المعايير التي تضعونها في تقييمكم للعرض المسرحي بالمهرجان؟
نحن نشاهد جميع العروض المشاركة في المهرجان للدورة ،15 وهي لنا سواء، ونفرق بينها تبعًا لمعايير التقييم والضوابط الفنية الخاصة بالمسابقة، والمعيار واحد وهو الجودة الفنية، ونقيّم أي عرض، ومفرداته فنيًا، ولانضع أي اعتبارا لاختلاف ميزانيات الديكور، أوتفاوت الإنتاج ونحن سعداء كثيرًا جدًا بكل عروض المهرجان القومي والتي تميزت الكثير منها، والتي تمتلأ بمواهب كثيرة مبدعة وخلاقة مقارنة بالدورات السابقة، ولذا نشكر لجان المشاهدة والاختيار على انتقائها لهذه المسرحيات، وتشهد دورتنا زخمًا في المواهب والجودة الفنية لغالبية العروض.