الأربعاء 26 يونيو 2024

"سمير عبد الباقي" يتحدث عن سيد حجاب وعبد الناصر وشعر العامية

10-2-2017 | 15:16

“بلــــد وحـــــالِل مشــــاكلـها مـاء المـــجارى والتوتوك ومضيّـــعة عمـــــر عيــالها فى رغى وهرى ولوك لوك”، بتلك الكلمات لخص شاعر العامية ومحامي الفقراء إشكالية وطن يمر بمنعطف تحول عبر سنوات من الظلم والقهر، شاعر العامية الذي حمل هموم الشارع المصرى على كتفه ومضى، وما بين الشاعر والشارع ألفة جعلته قادرة على التعبير بأصدق الكلمات وأبسطها عن "جبل الهموم". إنه الشاعر «سمير عبد الباقي» الذى حاورته "بوابة الهلال" وحكى لنا ذكرياته عن الماضي وحماسة الأمس وفقدان الأحبة، ملامحه الغارقة في الأصالة الحالمة بالفضيلة مازالت تنبض بحب الحياة، تصرخ برفض الإنهيار والموت .. وإلى نص الحوار:

 

 شعراء الستينات لعبوا دورا محوريا في تشكيل وعي ووجدان الشعب المصري بمرجعياتهم الفكرية والسياسية.. فماذا عن علاقتك بالشعار الراحل سيد حجاب في تلك الفترة ؟

- سيد حجاب كان دائمًا يقول لي بأني أمزج الماركسية كتيار سياسي بأشعار، وهذا أمر لم يكن يغضبني وعبرت عن ذلك عندما قلت في بعض إشعاري  "قالوا زمان إن شعري ينظم الماركسية.. أنا قلت ياريت وأقدر أشعر فيه ألفية.. وابقي أنا وابن مالك منارة للشعراء.. العدل يا أغبياء طريقة العلم والحرية"، اعتقد أني انتمي إلى مدرسة البساطة والمباشرة، فكان الدفاع عن حقوق الفقراء في حياة محور رئيس، ألهمني  في العديد من الإشعار وكان هذا واضح منذ طفولتي فكانت أشعار معبرة عن ذالك عندما بلغ عمري  15 عاما،  وكانت تلك البداية التي فتحت الباب أمام عالم السياسة وعندما بلغ عمري العشرون عاما تم اعتقالي فى سبتمبر 1959حتى أول ابريل 1964، وذلك لإصداري جريدة باسم "صوت الفلاحين"، كان شعارها الأرض والديمقراطية والاستقلال الوطني، وفى السجن الانفرادي داخل المعتقل نضجت موهبتي الشعرية وبدأت الكتابة للأطفال ومارست داخل السجن إصدار مجلة حائط للنزلاء، وعدت للمشاركة في النشاط العام والوطني بعد خروجي من السجن عام 1964، فجددت إصدار مجلات الحائط بالكلية، ومنها "الفجر" و"السنبلة ، وتعرفت وقتها على سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي، وأصدرت كتابًا باسم هديل اليمام وراء القضبان، وجمعت كل قصائد الشعراء بالسجن، على رأسهم فؤاد حداد.

 ما حقيقة اختلاف اليسار المصري حول الرئيس الرحل جمال بعد الناصر؟

- أنا أتذكر أن معظم الشيوعيين أيدوا جمال عبد الناصر عند تأميمه قناة السويس عام 1956، ولكن قبل هذا التاريخ بعامين عام 1954، صدرت جريدة المساء وكان خطها التحريري يستهدف التحرير الوطني، وفي ذلك الوقت تقريباً كان عبد الناصر مسار خلاف بين اليساريين، خاصة من أيدوا السلطة تحديدا، واختلفوا في 1958 لغياب الحريات، وعندما حصلت الوحدة مع سوريا كان رأي اليسار أن تلك الوحدة قائمة على غير أساس، وأن الأساس الديمقراطي غائبًا عنها، وفي ذلك الوقت استطاع حزب البعث السوري اقناع عبد الناصر أن إلغاء الأحزاب أمر مهم من أجل استمرار الوحدة، واستعان جمال عبد الناصر في ذالك الوقت  ببعض الأفكار مثل الاتحاد القومي، وفي 1957 أجريت بالفعل انتخابات، ولكن استبعد منها اليسار بحجة أنهم أعداء الثورة.

 كيف كانت علاقتك بالشاعر سيد حجاب في ذالك الوقت تحديدا ؟

- تعرفت عليه بعد خروجي من السجن، وظلت علقتي بسيد حجاب محدودة ولكن ظل بيننا حواراً مفتوحا في الشعر، وتحاورنا حول الشعر العامية الحديث، وأخذ ذلك جدلا كبيرا فيما بيننا، ففي ذلك الوقت كان الرأي السائد أن شعر العامية المصرية كانت بدايته مع صلاح جاهين، وفؤاد حداد، وفي ذلك الوقت أصدر الأخير ديوانه قبل ثورة 52 بعنوان "أحرار وراء القضبان.. أفرجوا عن المعتقلين السياسيين”، والذي قيل فيه “مسجونْ أسير أربع حيطان..في مكان تلمّه العينْ في ثانيه وتحدفهْ.. ضيّق ولكن للهموم أو تقضي النهار تستكشفه، في سجن مبني من حجر.. في سجن مبني من قلوب السجانينْ.. قضبان بتمنع عنك النور"، ولم يكن هناك شعراء في هذا الوقت سواهم.

 كيف بدأ شعر العامية وما هى روافد الشعر العامي؟

- شعر العامية بدأ مع المواويل والملاحم الشعبية، بالإضافة إلى اعمال بديع خيري عنده نبوء القصيدة الحديثة مثل قصيدته "على يد الليل ما يطول"، وأغاني سيد درويش،  والزجل جزء من الشعر الشعبي، وكل ذلك روافد للشعر العامية الحديثة، وهذا هو محور الخلاف بيني وبين سيد حجاب حول بدايات شعر العامية، وربما يري البعض إن هذا خلاف بسيط، لكنه له تأثير كبير في فهم طبيعة تشكل شعر العامية المصرية، خاصة وأن تراث العامية المصرية ثريا وكبيرا، وكان معبرا عن أوضاع الشعب المصري وميوله وتوجهاته الثقافية، وفهمه للدين ايضًا، فهذا التراث يعد مرجع تاريخ لفهم طبيعة توجه المصريين على المستوى الاجتماعي والسياسي، فاذا نظرنا من هذا المفهوم يكون الجدل بينه وبين حجاب أمر منطقيا وطبيعيا.

 لماذا توقفت مجلة أبو الهول والتي كان ينتظر أن تصدر عن الأهرام؟

- صنعت غلاف مع عدل فخري بمجلة الاشتراكي الذي تصدر عن التنظيم الطليعي بإذاعة الشعب كل عدد بيه أغنية، وكان تعبيرا عن اختلافنا مع الميول والتوجهات السياسية السائدة في تلك الفترة، والتي طالت بعض التنظيمات الشيوعية الصغيرة التي لم تُحَل، وعندما حاول صلاح جاهين ضمي لمجلة أبو الهول أنا وفؤاد حداد، رفض محمد حسنين هيكل قائلا "دول ميتضمنوش"، بالتالي فصلنا قبل تعيننا، وصلاح جاهين كان طموحه أن يصدر مجلة تعيد مجد "البعوكة" بطريقة حديثة زجل وشعر ونكت وكاريكاتير، فجأة مجلس الصحافة الأعلى بقيادة خالد محي الدين وهيكل وموسي صبري، أحمد فؤاد، كانوا دول اللجنة التي تتحكم في الصحافة وافقوا على صدورها بعد ذلك، وطالب ورسامين روز اليوسف نقلهم للأهرام للعمل بمجلة أبو الهول، وعينوا حينها فؤاد حداد بـ 35 جنيها، وأنا بـ 25 جنيها، وسافرت إلى بحري لجمع الزجل والشعر من البقالين والعلافين وجمعت مادة كبيرة، وفؤاد بدأ يعمل موضوعات عن الاشتراكية وعمال الحديد والصلب، وعند عودتنا فوجئنا أن المجلة أغلقت، وانصرفنا بدون الحصول على راتب أو بدل سفر للرحلات التي قمنا بها في المحافظات، وكان هذا بين عامي 65، 66 .

 كيف يمكن لنا تكريم الشاعر الكبير فؤاد حداد ؟

- التكريم الحقيقي للشاعر في أن يُقرأ إبداعه، وأن تتاح أعماله للجمهور، وأن يتم طباعة أعمال الشاعر بسهولة بدون معاناة البحث عن ناشر ينشر له أعماله، ففؤاد حداد  لم يكن مقرباً من المؤسسة الثقافية التي عمل فيها لأكثر من أربعين عاما، فعلى سبيل المثال طلب منه الراحل د . سمير سرحان ديوان قصائد العشق والغربة، وبعد أن أعدده وذهب به إليه ليطبعه في الهيئة المصرية العامة للكتاب، ظل سنوات في الأدراج ولم يطبع.

 بعد أعوام من السباحة في بحر السياسة كيف ترى الثورة المصرية ؟

- وما حدث في يناير انتفاضة شعبية سطرها الطبقات المهمشة والمطحونة، وليست ثورة بمعناها لأنها غير منظمة ولا توجد لها أيديولوجية، وشاركت بها لعدة أيام وانسحبت فور انضمام جماعة الإخوان المسلمين لميدان التحرير، ورفضت أن أضع يدي في يد جماعات إسلامية بفكر أمريكي منظم.

    الاكثر قراءة