السبت 18 مايو 2024

العائلة المقدسة في مصر القديمة مجمع الأديان .. رسالة تسامح و تعايش


أ.م.د أحمد محمد علي غباشي

مقالات8-8-2022 | 20:21

أ.م.د أحمد محمد علي غباشي

"مبارك شعبي مصر" بهذه الكلمات بارك المسيح أرض مصر.. لا يزال دخول العائلة المقدسة إلى مصر من الأهمية بمكانة تاريخياً ودينياً، كما أنها تعد من التراث الديني العالمي الذي تنفرد به مصر عن سائر بلدان العالم، وبفضلها تبوأت الكنيسة القبطية المصرية مكانة دينية خاصة بين كنائس العالم المسيحي لارتباطها بهذه الرحلة المقدسة التي استمرت ما يقرب من 4 سنوات، باركت بها العائلة المقدسة ربوع مصر المختلفة.

بداية القصة

تبدأ القصة من بيت لحم، مهد السيد المسيح عليه السلام ووقوع فلسطين تحت الحكم الروماني عام 58 ق.م ، وقد عين عليها حاكماً يدعى "هيرودس" كان محباً لسفك الدماء؛ واتسم عهده بالتفنن في أساليب القتل والإبادة، وقد ولد السيد المسيح في أواخر عهده.ويذكر أن جماعة من المجوس أتوا إلى أورشليم بعد مولد السيد المسيح بقليل، وقالوا أين هو المولود "ملك اليهود" فقد رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له.


فخاف هيردوس من هذا المولود ليكون منافساً له، ولكن لم يستدل عليه من بين الأطفال، فأمر بقتل جميع الأطفال في هذا العمر. وطلب منهم هيردوس الذهاب إلى بيت لحم للبحث عن الصبي، فلما ذهبوا ورأوا الصبي مع أمه، خروا له سجداً ثم قدموا له هداياهم وهي الذهب (رمز المُلك)، اللُبان (الكهنوتية)، المر (الألم الذي سيكابده). وأمام الخطر الذي كان ينتظر الطفل، جاء الأمر الإلهى إلى "يوسف النجار" "قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر". وبدخول العائلة إلى مصر تحققت نبوءه أشعياء (يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها، فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر) (أش 19:19،20)، فالمذبح الذي في وسط أرض مصر هي كنيسة العذراء بدير المحرق حيث مكثت العائلة المقدسة في هذا المكان أكثر من سته أشهر كاملة، وسطح المذبح هو الحجر الذي كان ينام عليه السيد المسيح.

العائلة المقدسة في مصر القديمة 

مع دخول العائلة المقدسة إلى مصر ومرورها بالعديد من المحطات، وصلت إلى منطقة حصن نابليون مصر القديمة، حيث سكنوا المغارة التي توجد الآن بكنيسة أبي سرجة الأثرية، والمعروفة حالياً باسم الشهيدين سان سرجيوس وباخوس، ويبدو أن العائلة المقدسة لم تستطع البقاء في المنطقة إلا أياما قليلة، بسبب تحطم الأوثان والتماثيل أمام السيد المسيح، فأراد حاكم الفسطاط قتل الصبي.

فاضطرت العائلة أن تسير إلى منف ثم إلى المعادي في الموضع الذي شيدت عليه كنيسة السيدة العذراء.

ويعتبر هذا الموضع الذي اختبأت به العائلة المقدسة واحد من أهم الكنائس التاريخية في مصر، على طراز البازيلكا، وتضم العديد من الأيقونات التي تمثل مراحل حياة السيد المسيح وتضم أيقونة العشاء الأخير.

ومن أشهر الكنائس الموجودة والتي يقال إن العائلة المقدسة أيضاً سكنت هذا المكان، هي الكنيسة المعلقة التي بنيت على أنقاض برجي حصن نابليون وتتميز بوجود هياكلها الثلاث في الجدار الشرقي، وكانت في وقت من الأوقات مقر الباباوية في مصر.

كما يوجد في المنطقة العديد من الكنائس والأديرة، فضلاً عن المتحف القبطي الذي يضم روائع الفن القبطي والأيقونات والنسيج وغيرها، ولكن أهم ما يميز المنطقة هو التعدد الديني، مما جعلها مجمع للأديان، ففي مدخلها يقع "جامع عمرو بن العاص"، أول جامع في مصر بعد الفتح الإسلامي والذي عرف "بالجامع العتيق" والذي بنيت حوله أول عاصمة إسلامية في مصر وهي الفسطاط، ويمثل جامع عمرو بن العاص أهمية كبيرة في العالم الاسلامي وفي مصر ليس فقط من كونه مسجداً جامعاً، وإنما مدرسة شهدت تدريس المذاهب الإسلامية الأربعة.

وإذا ما تقدمنا مضياً إلى داخل المنطقة، نجد معبد إبراهام بن عزرا هذا المعبد اليهودي، الذي وجوده إلى الآن خير دليل على روح التسامح والتعايش. هذا المعبد الرائع في عمارته، وزخارفه المستوحاة من الفن الإسلامي، وهذا دليل آخر على عمق العلاقة.

منطقة مجمع الأديان تعتبر نموذجاً حياً لفكرة التسامح والتعايش وتأصيل فكرة التنوع، فكيف عاش هؤلاء هذه القرون في منطقة واحدة، يمتزج فيها صوت الآذان مع أجراس الكنيسة وبوق المعبد.

منطقة مجمع الأديان في مصر القديمة نموذجا للسياحة الدينية، فهي شهدت حدثين تاريخيين وهي زيارة العائلة المقدسة، والفتح الإسلامي لمصر، فضلاً عن وجود المعبد اليهودي والذي يقال إن موسى عليه السلام ناجى ربه من هذا المكان.

رحلة العائلة المقدسة إلى مصر كانت رسالة تسامح، مثلما اتبع عمرو بن العاص نفس التسامح مع أقباط مصر. نحن شعب واحد لأن كل العوامل الطبيعية والاجتماعية تضافرت على أن تجعلنا كذلك، فنحن نشرب من ماء واحد، ونتنفس هواء واحدا، ونعبد رباً هو الواحد.. فقبل كل الأديان، نحن مصريون من سبعة آلاف عام، تلك هي الرسالة.

ألم نك من قبل المسيح وموسى وطه نعبد النيل جاريا، فهلا تساقينا على حبه الهوى وهلا فديناه ضفافاً وواديا.

الاكثر قراءة