الجمعة 22 نوفمبر 2024

بُص العصفورة!

  • 14-1-2017 | 22:12

طباعة

ثمة قصة تقول إن ملكاً جباراً أفقر شعبه مر بشارع من شوارع الفقراء فرأى رجلاً عارياً لا يستره شىء، فسأله: «ماذا ينقصك يا عريان؟. الفقير أدرك أن الملك يتغابى، فما كان منه إلا أن رد عليه: لا ينقصنى سوى خاتم يا مولاي».
تذكرت هذه القصة وأنا أتابع المعارك الوهمية التى انطلقت مثل مدافع الهواء لتشغل الرأى العام فى الفترة الأخيرة وتستحوذ على عقله، فمن خناقة إسلام بحيرى والأزهر، إلى دعوة خلع الحجاب فى التحرير، مروراً بسفر وفد الفنانين لمؤازرة الحشد الشعبى فى العراق ضد داعش واتهامهم بالتشيع ومعركة رقصة دينا أمام الإتحاد الإفريقي ، تدور معاركنا، وكأن مشكلات البلد انتهت، ولا ينقصنا سوى الدخول فى مبارزات عقيمة وسفسطة بيزنطية، لن يخرج منها فائز ولن تستفيد منها البلد.
فعلى الرغم من الحروب التى تجابهها مصر خلال الفترة الأخيرة سواء من الداخل أو من بعض الدول الخارجية، لا أقصد فقط العمليات الإرهابية التى أصبحت تأتينا من كل مكان، إنما أيضاً هناك حملات التشويه ونشر الشائعات والأخبار المغلوطة ، ومحاولات التوريط في حروب وحصار اقتصادي وأزمة المياه.. بل إنه أمامنا مشكلات كثيرة فى كل المجالات تقريباً، فمن تراجع الصادرات بنسبة 20% فى مارس الماضى، وانخفاض الاحتياطى النقدى بحوالى 100 مليون جنيه، ووصوله إلى أقل معدل له منذ حوالى عامين، ناهيك عن المصانع المتوقفة، والتى وصلت فى قطاع الغزل والنسيج فقط إلى حوالى 2600 مصنع، وذلك وفقاً لمحمد المرشدى رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الغرف التجارية، علاوة على أن السياحة التى تمثل العمود الفقرى للاقتصاد على جهاز التنفس الصناعي منذ اربع سنوات ، وبجانب تلك المشكلات الاقتصادية وحالة الضنك لدى الكثير من المصريين، يقابلها ارتفاع فى الأسعار وزيادة نسبة التضخم ووصولها الى 7.2 % في مارس الماضي ، وأزمات البوتاجاز والسولار، هذا إلى جانب المشاكل الصحية؛ والتي وصلت إلى مؤشرات رقمية مخيفة، فنسبة مرضي الفشل الكلوى 10% من المصريين، والسكر 12% ، وضعف جهاز المناعة 40%، والأمراض الصدرية 15% وفيروس سى 13%، والسرطان 11% . ناهيك عن الأمراض النفسية التى أصابت نسبة ليست بسيطة من المصريين، لدرجة طرد أحد المرضي من داخل مستشفى جامعة طنطا إلى الشارع لعدم قدرته على سداد ثمن العلاج الأسبوع الماضى، وتعليق هذا الرجل بعد القائه في الشارع  «الكلب له مكان، وأنا مش لاقى سرير ده كان حجرين من طوب مش سرير»، صحيح أن الدكتورعبدالحكيم عبدالخالق رئيس جامعة طنطا انصف هذا المريض وأعاده إلى المستشفي لتلقي العلاج اللازم،  لن أتحدث عن المشكلات المزمنة فى تراجع التعليم وتدهور الثقافة وانحدار الأخلاق وزيادة الجرائم .
المهم أنه أمام كل تلك المشكلات وأكثر، معظمنا منشغل بمعارك وهمية، ويخوض حروبا هوائية ،وجدلا فى مسائل غير مجدية، وتخصص وسائل الإعلام أوقاتا ومساحات كبيرة لهذه القضايا ، وكأنه مكتوب علينا أن نعيش اسطورة سيزيف الذي يرفع الحجارة لأعلى الجبل ثم يهبط بها مرة أخرى ، الاعلام لابد أن يكون على مستوى المسئولية، لا أن يشغل المصريين بمعارك هامشية للتغطية على المشكلات الحقيقة.
ياسادة نحن فى حرب حقيقية على مختلف الجبهات، وهذه الحرب تستدعى اليقظة والوعى والاهتمام بالمشكلات الحقيقية، وتسليط الضوء عليها، واقتراح حلول لعلاجها وحث المسئولين على حلها، وكشف الإهمال والتسيب الذى ضرب حياتنا في «كل» المجالات.
الإعلام عليه دور كبير في هذه الحرب فهو حارس البوابة الذى يحذر المجتمع من الفيروسات التي تهجم عليه، ليست الفيروسات الصحية فقط ، وإنما أيضا الأخلاقية والاقتصادية والسياسية كذلك . الإعلام عليه كشف المشكلات وإلقاء الضوء على العيوب والثغرات ورفع مستوى الوعى ، وليس دوره افتعال مشكلات وهمية لرفع نسبة المشاهدة أو زيادة الترافيك بالنسبة للمواقع الإلكترونية وزيادة التوزيع للصحف.
علينا أن نفيق جميعا وبسرعة وإلا فسوف نخسر جميعا، وبدلا من أن يقول لنا البعض شوف العصفورة هناك.. ستخيم الغربان والبوم على رؤوسنا جميعاً.
أفيقوا يرحمكم الله .
كتب : محمد حبيب

    الاكثر قراءة