الجمعة 26 ابريل 2024

قصة الأمس


د صلاح سلام

مقالات14-8-2022 | 14:57

د صلاح سلام

عندما بدأ حياته العملية في التربية والتعليم في إحدى مدارس القاهرة وعلى الرغم من أن والده كان عميد المعهد الأزهري بالإسكندرية وخاله عضو مجلس النواب،.الا أنه تشاجر بالأيدي مع ناظر المدرسة فتم نفيه إلى الأقصـر، تخيل أن الأقصر في ذلك العهد الذي يعشقه محبو العهد الملكي التي تحتوي على ثلث آثار العالم كانت منفى.

لكن ذلك الشاب الموهوب أبدع قصيدته الكرنك من وحي المكان والتي تغنى بها عبد الوهاب ... حلم لاح لعين الساهر .. وتهادى في خيال عابر .. وهفا ملأ سكون الخاطر ..يصل الماضي بيمن الحاضر...هذا ما كتبه أحمد فتحي صاحب الديوان الأوحد "قال الشاعر"والذي ذاع صيته وكان نجم الإذاعة في ثلاثينيات القرن الماضي وغنت له أسمهان ونجاة علي ومطربون آخرون لم يشتهروا من ألحان السنباطي بل وغنى له السنباطي نفسه قصيدة فجر ...وأشواق..ولكنه كان يرسل لعبد الوهاب قصائده ويرفضها واصطدم معه بعد أن قدم له قصيدة "البحيرة" ورفضها أيضا وسافر إلى السعودية وعمل في إذاعة جدة وكان صديقا للأمير عبد الله الفيصل والذي وقف إلى جانبه ماديا في أواخر أيامه بعد أن استنفد كل ما يملك على ملذاته فقد كان يعيش مع الكأس والذكريات في غرفة في فندق كالرتون ...ولكن معاناته الحقيقية والتي صهرت موهبته في بوتقة الشعر أفرزت فلسفة القصيدة الوجدانية والتي تمثلت في "قصة الأمس" تلك التي شدت بها كوكب الشرق عام ١٩٥٨ وكررتها في ٧ حفلات متتالية .. في تجربة جديدة بعد أن اعتادت على قصائد رامي في الحب الحسي وبيرم في التصوير المنطوق...فإذا اختليت بالبحر ذات مساء في وقت الغروب في شهور يقل فيها الاصطياف وتختفي آثار البشر ويأتي صوت التشيلو من مكان قريب بنغمة مقام النهاوند في المقدمة الموسيقية المغرقة في الحزن..  وأنا لن أعود اليك مهما استرحمت دقات قلبي .. أنت الذي بدأ الملالة والصدود وخان حبي .. فإذا دعوت اليوم قلبي للتصافي لا.. لا.. لن يلبي... ثم صولو القانون ...وسرح خيالك مع هذا الشاب المعذب الذي لخص مأساته الحقيقية في صورة شعرية جسدتها صوتا ثومة وترجمها لحنا العظيم السنباطي ودخل إلى مقام الصبا...حسب ايامي جراح ونواح ووعودا..ثم إلى البياتي..في..يسهر المصباح والأقداح والذكرى معي  ... وعيون الليل يخبو نورها في أدمعي...

وهكذا يتنقل بك بين ثلاثة عشر مقام لينتهي من حيث بدأ بالنهاوند...والقصيده تنبئ عن حب لم يلتئم وألحان بين الكبرياء والوجد غيرت فيها أم كلثوم بعض الكلمات...تأمل...كان عندي وليس بعدك عندي نعمة من تصوراتي ووجدي.. يا ترى ماذا تقول روحك بعدي في ابتعادي وكبريائي وزهدي...وبعد أن استسلم...أكمل.. عش كما تهوى قريبا أو بعيدا حسب أيامي جراح ونواح ووعودا ... وليالي ضياع وجحودا..ونقاء ورجاء يترك القلب وحيدا...ثم يتذكر ببصيص من الأمل...واعدتني ألا يكون الهوى ما بيننا إلا الرضا والصفاء وقلت لي إن عذاب النوى .. بشرى تصافينا بقرب اللقاء...ثم سرعان ما تهدر الآلات الموسيقية لتستفيق  من الحلم على صوت ثومة...ثم أخلفت وعودا طاب فيها خاطري..وتوسمت جديدا في غرام ناضر.... وهكذا تتمختر بخيلاء بين الكلمات والألحان لتعيش معه قصة حبه المفقود ....

كتب عن حياة الشاعر الكاتب محمد رضوان كتابا صدر من دار الهلال وكتب عنه صالح جودت أنه عاش بين أقداحه وأحزانه إلى أن توفى ١٩٦٠ عن ٤٧ عاما في غرفته في الفندق الذي عاش فيه وأنفق فيه كل ما جمعه... حيث كتب قصائد أخرى وأرسلها إلى أم كلثوم ولكنها لم تقتنع بها إذ أنها لم ترق إلى قصة الأمس وهي دائما تبحث عن التميز...

وقيل انه تزوج من إنجليزية وأنجب منها ولكنها تركته وهذا سر تعاسته ولم أقرأ تأكيد لهذه الرواية... ولكنه على قلة إنتاجه إلا أنه غنى له عمالقة الفن في حين أن عباس محمود العقاد له عشر دواوين شعرية ولم يتغنَ بها أحد.

Dr.Randa
Dr.Radwa