الإثنين 6 مايو 2024

بسبب " ناصر وأيظن ".. قصة خلاف محمد فوزي وعبدالوهاب

الموسيقار محمد فوزي والموسيقار محمد عبد الوهاب

فن15-8-2022 | 23:24

خليل زيدان

نشبت معركة بين قطبي الطرب الموسيقار محمد عبد الوهاب والموسيقار محمد فوزي، في أول ديسمبر 1960 بسبب أغنيتين من تلحين عبد الوهاب، أحدهما تسلح بمادة قانون حماية الملكية الأدبية، والثاني تسلح بمادة أخرى من نفس القانون، وكان لكل منهما أنصار تؤيده وتدعمه حتى وصل لهيب المعركة إلى ساحات القضاء .. من انتصر فيها ؟ التفاصيل نرويها في السطور التالية.
 

بداية المعركة
بدأت المعركة عندما أراد الموسيقار محمد فوزي أن يسجل أغنيتين من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب على أسطوانات في شركته والأغنيتين هما " ناصر وأيظن " واستند فوزي في قراره على أن العمل الفني ملك للشعب والتاريخ ولم يعد ملكاً لصاحبه، وكانت تلك هي نقطة الخلاف بين فوزي وعبد الوهاب، فمن المعروف في ذلك الوقت أن جميع المؤلفين والملحنين كاتوا أعضاء بجمعية المؤلفين والملحنين، وكل عضو في هذه الجمعية يعطيها تفويضاً صريحاً بأن تكون وكيلة عنه في المحافظة على المالية الناتجة عن حق الآداء العلني، وهذا التفويض هو مضمون المادة 37 من قانون الجمعية رقم 354 لسنة 1955 الذي يقول للمؤلف أن ينقل إلى الغير الحق في مباشرة حقوق الإستغلال المنصوص عليها في المواد 5 ، 6 ، 7 من هذا القانون، ويكون نقل الحقول لا يترتب عليه حق آخر، ولإتمام التصرف يجب أن يكون مكتوباً ويحدد به كل حق على حده مع تحديد الغرض ومكان ومدة الإستغلال .. إذن فالجمعية وكيلة عن كل فنان بحكم ذلك التفويض.

 

عبد الوهاب بلجأ للقضاء
وبناء على ذلك تقدم محمد فوزي بمذكرة إلى جمعية المؤلفين والملحنين يطلب فيها ترخيصاً بطبع أغنية " ناصر " على أسطوانات ، واطلعت الجمعية على المادة 37 وأصدرت الترخيص ، ومن خلال الأذن "الموسيقية" علم عبد الوهاب بالأمر ولجأ إلى القضاء المستعجل ليمنع فوزي من أتمام العمل مستنداً هو الآخر على المادة 42 من نفس قانون الجمعية والذي يقول : أن لرئيس المحكمة بناء على طلب المؤلف أو من يخلفه وبمقتضى أمر يصدر على عريضة أن يأمر بالإجراءات التالية بالنسبة لأي مصنف نشر أو عرض بدون إذن كتابي من المؤلف"، وفسرت هذه المادة تفصيل الإجراءات التي تتخذ لحماية حق المؤلف .. وطالب عبد الوهاب بمنع فوزي من استغلال أعماله لأن ذلك يعني إهدار لحقوق عبد الوهاب، وأن إعادة تسجيل هذه الأغنية بصوت غير صوته وتسجيلها دون وجوده أو إشرافه قد يسيئ للحن ، فضلاً عن حرمان صاحب اللحن الأصلي من حق أدبي ينص عليه القانون ويشدد على حمايته.

الجمعية في صف فوزي
أكد محمود لطفي المستشار القانوني لمكتب حماية المؤلفين والملحنين أن عبد الوهاب ليس على حق في دعواه ، فحسب بنود القانون أن المؤلف يقطع صلته بمصنفه بمجرد نشر هذا المصنف بأي صورة من صور النشر وإن كان هو في الأصل صاحب الحق في التصرف بمصنفه .. وأن المرلف يعطي للجمعية تفويضاً باستغلال مصنفه لصالحه ، وحقه الأدبي لا ينفصل عنه ، أما حقه المالي فإن الجمعية هي التي تباشره بموجب تفويضه لها ، وبالتالي هو لا يملك حق التصرف في مصنفه مادام أوكل الجمعية أن تنوب عنه ، وبالتالي تم منح محمد فوزي التصريح إستناداً إلى أن عبد الوهاب وقع تفويضاً بأن تكون الجمعية وكيلة عنه في مصنفاته .. ورأى لطفي أن عبد الوهاب يتمسك بحق لا يملكه ، ومادام عضواً بالجمعية فإن حق استغلال أعماله من حق الجمعية التي تنوب عنه ، وإن لم يكن عضواً بالجمعية فله كل الحق أن يباشر حقوقه بنفسه.

الوطنيات ملك للشعب
تساءل فوزي لماذا لجأ عبد الوهاب إلى القضاء، فالأغاني الوطنية ليست ملكاً لفرد بل ملكاً للشعب ، وأكد أن الذي حفزه لتسجيل الأغنية أنه لاحظ أن سوق الأغنية المسجلة يفتقر إلى الأغاني الوطنية وأن تسجيلها على أسطوانات تزيد عمرها وتصبح تراثاً للأجيال القادمة ، وأنه لجأ إلى الطريق الصحيح لنيل التصريح من الجمعية التي هي وكيلة عبد الوهاب.

ملحنون في صف عبد الوهاب
وضح مجدي العمروسي محامي عبد الوهاب آنذاك موقفه بأن جمعية المؤلفين والملحنين أنشأت لخدمة أعضائها ورعاية مصالحهم ، إلا أن الجمعية في نظر عبد الوهاب والعمروسي أرادت لنفسها والمكتب المصري لحقوق التأليف أن يكونا قيمين على الأعضاء وأن يمليا إرادتهما على الأعضاء ، مما دعا عبد الوهاب أن يرسل خطاباً موصي عليه إلى الجمعية يسجل فيه اعتراضه على منح تصريح لشركة فوزي بطبع أغنية "أيظن وناصر" ، وقال العمروسي أن هناك ملحنون اعترضوا على إجراءات الجمعية ومنهم كمال الطويل وبليغ حمدي ومنير مراد ، وأكد أن عبد الوهاب لجأ إلى القضاء الذي قضى لصالحه بوقف نشر وطبع الأغنيتين .

فريد الأطرش يساند فوزي ومنير ضده
صرح فريد الأطرش برأيه في تلك القضية وقال أن أنها ليست قضية فوزي وعبد الوهاب وإنما قضية المؤلفين والملحنين الذين تدفعهم الظروف المادية إلى بيع حقوقهم للشركات مقابل إغراء مادي بسيط لما تجنيه هذه الشركات من أرباح ، ويرى فريد أن عبد الوهاب غير محق في دعواه مدام قد أعطى جمعية المؤلفين تفويضاً باستغلال مصنفه ، ويجب على عبد الوهاب أن يسحب تفويضه من الجمعية مادام يريد أن يتسغل بنفسه حقوق مصنفاته الفنية .. أما منير مراد فقد خالف فريد الرأي وقال أن عبد الوهاب صاحب الحق في التصرف في اغانيه وألحانه ، فالألحان ليست سلعة تجارية في السوق، لكنها عمل فني يتطلب أن يشرف عليه صاحبه عند إخراجه، وعلى أي شركة تريد استغلال مصنف أن تلجأ لصاحبه .

عبد الوهاب تاجر
لم يدل الموسيقار رياض السنباطي برأيه في أمر النزاع بين الطرفين ، بل راح يصف عبد الوهاب بأنه تاجركل مهمته جمع المال فقط ، أما الشاعر مأمون الشناوي فقد كان له رأي ساخر بطريقته المعهودة في تلك المعركة وأكد فيه وصف السنباطي عن عبد الوهاب، حيث قال الشناوي : أن عبد الوهاب له صفتان ، الأولى صفة فنان والثانية صفة التاجر، فهو أحيانا يتحدث كفنان في شئون التجارة ، وأحياناً أخرى يتحدث كتاجر في شئون الفن .. أما عبد الحميد عبد الرحمن رئيس جمعية المؤلفين والملحنين ونقيب الموسيقيين يأمل أن يعقد صلحاً بين عبد الوهاب وفوزي ويكون ذلك الصلح بمثابة تفسير لبعض مواد قانون المؤلفين والملحنين.

حسين السيد دبلوماسي
من الطبيعى أن يكون لمؤلف أغنية "ناصر" الحق في أن يدلي برأيه وهو الشاعر حسين السيد الذي وقف في موقف لا يحسد عليه ، فقد كان عضو رئيس مجلس إدارة الجمعية التي منحت فوزي ترخيصاً بطبع الأغنية ، وهو في نفس الوقت صديقاً لعبد الوهاب وبينهما مصالح مشتركة ، وقد حاول حسين السيد أن يكون دبلوماسياً في رأيه الذي قال فيه : أنا كمؤلف عضو في جمعية المؤلفين والملحنين التي تمثلني وتتبادل التحصيل مع الجمعيات الدولية بالنسبة لمصنفات الأعضاء ، وقد نقلت إليها كافة حقوقي في إستغلال إنتاجي حسب نصوص قانون حماية المؤلف .. شأني في ذلك شأن أي عضو في الجمعية، ومازالت حتى الآن متمسكاً بالتزاماتي قبل الجمعية التي تدفع لي حقوقي المحصلة من أنحاء العالم .

بقي أن نشير إلى أن الجولة الأولى في تلك المعركة حسمها القضاء لصالح الموسيقار محمد عبد الوهاب وقد استأنف الموسيقار محمد فوزي الحكم واستند في استئنافه أن الجمعية تنوب عن المؤلف والملحن وليس لهما الحق في المطالبة بشئ ماداما قد فوضا الجمعية التي ترعى حقوقهما الأدبية وتحصل حقوقهما المادية، وكسب فوزي الجولة الثانية ولكنه لم يطبع الأغنيتين في شركته وترك الفكرة ، ومن المعروف أنه في تلك الحقبة الزمنية فكر عبد الوهاب في إنشاء شركة هو وحليم لتسجيل وطبع الأسطوانات .


 

Egypt Air