مع استمرار الأزمة السياسية بالعراق وتعذر التوصل إلى توافق بين الشركاء، بسبب تمسك الإطار التنسيقي والتيار الصدري بمواقفهما رغم إنتمائهما إلى البيت الشيعي، وعجز القوى السنية والكردية والمستقلين عن تقريب وجهات النظر، شهدت الساحة العراقية حدثين مهمين ربما يكون لهما الأثر الأكبر في حلحلة المواقف، الأول هو اجتماع الحوار الوطني الذي استضافته رئاسة الوزراء، والثاني هو زيارة زعيم تيار الحكمة أحد مكونات الإطار التنسيقي عمار الحكيم للسعودية.
وفي هذا الصدد، يرى خبراء عراقيون أنه لا بديل عن الحوار للوصول إلى توافقات تسهم في إذابة الجليد السياسي، رغم عدم مشاركة ممثلين عن الصدر في الحوار الوطني، بينما يشدد آخرون على أنه لا مجال لحلحلة الأوضاع بدون استجابة الأطراف السياسية لرؤية زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بضرورة حل البرلمان وإعادة تشكيل المشهد السياسي من خلال حكومة أغلبية وطنية، والتخلص من التوافق والمحاصصة.
وقال عدنان السراج رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية والبرلماني السابق - في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن المسار القادم هو المسار السياسي، حيث شاركت كل القوى السياسية في الاجتماع الذي دعا إليه رئيس الوزراء الدكتور مصطفى الكاظمي؛ لمناقشة الأزمة السياسية وطرح حلول ومقترحات لتقريب وجهات النظر.
وأوضح أن التيار الصدري هو الجهة الوحيدة التي لم تشارك في الاجتماع بشكل رسمي، إلا أن حضور السيد حميد الغزي وهو أحد القيادات الصدرية الاجتماع، يعد رسالة واضحة رغم حضوره بصفته كأمين عام لمجلس الوزراء.
وأشار إلى أن حضور القوى السياسية لاجتماع موسع مع المبعوثة الأممية بلاسخارت، سيكون له تأثير محلي وأممي، وسيكون له تأثير واضح على مسار العملية السياسية والدخول في حوارات مستمرة للوصول إلى حلول.
وأعرب السراج عن اعتقاده بأن المرحلة القادمة في ظل مشاركة كافة القوى السنية والشيعية سوف تشهد توافقا داخل مجلس النواب، وصولا إلى إنهاء الانسداد السياسي وتحريك عملية انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، مع الدفع باتجاه تدعيم مسار الحوار السياسي.
وأضاف أن العراق الآن أمام مسارين متوازيين، أولهما إنهاء عقدة انتخاب رئيس الجمهورية والوزراء، والثاني هو تنشيط المؤسسة التشريعية؛ بهدف إكمال هيكلية الدولة، حتى لا تستفحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ومنع حدوث ما يمكن أن نسميه التصادم بين المكونات، خاصة القوى الشيعية.
ومن جانبه، أكد الخبير الاستراتيجي الدكتور هاني عاشور، أن الحوار هو مفتاح كل الأزمات وأنه لا بديل عن الحوار بين القوى السياسية العراقية، موضحا أن الحروب الكبرى دائما ما كانت تنتهي بالحوار والتفاوض، لأن القوة لا تمثل حلا ولكنها تزيد الأمور تعقيدا.
وأشار إلى أن الحوار هذه المرة بين القيادات السياسية العراقية ربما يكون مفتاحا لحل الأزمة الخانقة التي يمر بها العراق نتيجة انسداد الأفق السياسي، منوها بأن الحوار يجب أن يكون مبنيا على أسس وقواعد وله منهج واضح وليس حوار مجاملات.
وأعرب عن مخاوفه من أن الحوار المنظور بين القوى السياسية العراقية لن يفضي إلى منهج مستقبلي يتوافق مع إرادة العراقيين، إذا ما جرى على سبيل الترضيات والمجاملات بهدف الخروج من الأزمة الحالية فقط.
وأكد في هذا الصدد أن الشعب العراقي فقد الثقة في حوارات السياسيين وتوافقاتهم منذ عام 2003، بسبب عدم وجود أسس وقواعد تضمن عدم تكرار الأزمات خاصة على الصعيد السياسي، منبها إلى ضرورة أن تراعي الحوارات والتوافقات مصلحة الشعب العراقي وليس مصالح القوى السياسية فقط.
أما المحلل السياسي العراقي المقيم في أمريكا محمد جعفر فقد أعرب عن اعتقاده بأنه من الصعب التكهن بما سيحدث قريباً، موضحا أن الرد الإيراني على مسودة الاتفاق النووي الذي طرحته أوروبا سيكون له أثر واضح على الوضع في العراق، خاصة بعدما أجل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مظاهراته لمجرد ظهور تعاطي إيجابي من قبل إيران على هذه المسودة الأوروبية.
وأشار في هذا الصدد إلى أن الصدر لم يشارك لأنه طرح ما عنده في خطابه قبل الأخير، حيث رفض التفاوض وطالب بإلغاء البرلمان وأيضا انتخابات مبكرة، ولذلك إذا خرج المجتمعون من اجتماعهم بنتائج قريبة من طرح الصدر سينقذون ماء وجوههم أمام الناس.
وأوضح أن الصدر سيقول (بطريقة ما) انهم نفذوا مطالبه، فيما سيقول أعضاء الكتلة المناوئة وهي الإطار التنسيقي "إننا رضخنا لمطالب الفرقاء السياسيين بعد الحوار الوطني الذي طرحه الكاظمي وهذا يثبت إننا مع مصلحة البلد".
وأكد جعفر أنه كنتيجة نهائية، فان الوضع في العراق مرتبط بكيفية تعاطي أوروبا وأمريكا مع الاتفاق النووي الإيراني من جهة وإيران ورؤيتها لهذا الاتفاق من جهة، معربا عن اعتقاده بان العراق ساحة خلفية لا تنفصل عن مصالح إيران وأدواتها.
ومن جانبه، قال هادي جلو مرعي رئيس مركز القرار السياسي للدراسات ورئيس مرصد الحريات الصحفية بالعراق إن تواصل الأزمة السياسية مثل غيوم تتكاثف وتغطي وجه السماء، ولايبدو في الأفق مايشير إلى انحسارها فهي تزداد وطاة وتنسحب تداعياتها على مجمل الواقع السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي.
وأكد أن القادة الفاعلين يعجزون عن إيجاد مخرج في ظل تجاذبات ورفض للحلول التي لايبدو إنها مقنعة، ويخشى كل طرف تقديم تنازل يمكن أن يضعف موقفه أمام الطرف الآخر بالرغم من دعوات الحوار التي كان أخرها المؤتمر الذي ترأسه رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.
وأشار إلى أنه بالرغم من تصريحات إيرانية بعدم الرغبة في التدخل واعتبار الأزمة العراقية شأن داخلي وأن العراقيين قادرون على حلها، إلا أن زيارة وفد من الإطار التنسيقي برئاسة السيد عمار الحكيم إلى السعودية تشير إلى أن الأزمة خانقة بالفعل، حيث يلجأ الإطار إلى دولة تعد صاحبة سجل سيء في أدبيات عدد من قوى الإطار، وهو ما يعني أن هناك تراجعا في بعض الأدوار وصعودا لأدوار أخرى، وأن قوى الإطار التنسيقي تخشى من تفاعلات الأيام المقبلة، ولا تريد أن تصل إلى مرحلة الصدام والمواجهة، التي لاتوفر ظروفا ملائمة لمستقبل دولة تترنح في مواجهة الأزمات.
فيما وصف المحلل السياسي نجم القصاب الاجتماع الذي استضافته رئاسة الوزراء بأنه كان بداية لإذابة الجليد بين كافة القوى السياسية رغم عدم حضور ممثل عن السيد مقتدى الصدر، إلا أن حضور القوى السنية والشيعية والكردية كان مؤشرا جيدا ورغبة في إنهاء الانسداد السياسي.
وأكد القصاب أنه بدون وجود مخرجات حقيقية لاجتماعات الحوار الوطني التي دعا إليها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى الكاظمي يوافق عليها زعيم التيار الصدري، وترشيح شخصية جديدة لرئاسة الوزراء بدلا من محمد شياع السوداني، فإن الموقف سوف يزداد اشتعالا ولن يتم تمرير أي تشكيل لحكومة جديدة.