الأربعاء 29 مايو 2024

كمال الطويل في حوار إذاعى نادر: أغنية «مطالب شعب» فرضتها ظروف المرحلة

28-7-2017 | 13:50

كتب : أحمد سعيد

ارتبط اسمه بتلحين الأغنيات الوطنية حيث لحن أكثر من 17 أغنية وطنية من ثورة يوليو حتي عام 1973 مثل «إحنا الشعب وبالأحضان والمسئولية وصورة وأهلاً بالمعارك وناصر يا حرية وبركان الغضب واضرب وأحلف بسماها وبترابها وابنك يقولك يابطل» وغيرها...

وكان الرئيس عبدالناصر ومجلس قيادة ثورة يوليو 1952 يحضرون الكثير من احتفالات الثورة والتي كان اغلبها من تلحينه إنه الموسيقار الكبير كمال الطويل الذي كشف في هذا التسجيل النادر الكثير من الاسرار حول تلك الأغنيات.

بدأ الطويل كلامه وقال: لم يحدث في تاريخ الأغاني الوطنية التي قدمناها أن أملى علينا أحد شيئا أو طلب منا أن نقدم نصا معينا أو كلاما معين إطلاقا لدرجة أنني أذكر أنه في أغنية «مطالب شعب» فعلت شيئا غريبا لكن صاحب الفضل فيه كان الشاعر أحمد شفيق كامل عندما قال لي ما رأيك في أن نأخذ جزءا من كلمة الرئيس جمال عبدالناصر التي قال فيها ما معناه «أقدر أقول أن هذا الجيل من شعب مصر العربي جاء في موعده مع القدر» وعندما سمع عبدالناصر صوته رجع للوراء وهو جالس علي مقعده وحاول أن يعرف إيه الحكاية؟ وكل المتواجدين في القاعة أصابتهم الدهشة!! وعندما دخل عبدالحليم كنت أجلس علي التسجيل وحينما انتهي الشريط وجدت عبدالقادر حاتم وزير الإعلام وقتها يطلب مني إعادة المقدمة بصوت عبدالناصر والذي استقبلني استقبالا يفوق الخيال ورغم أن الشعب وقتها كان يفهم الأمور جيداً ويقف خلف عبدالناصر إلا أنه كانت له مطالب لابد من تحقيقها لذلك كانت أغنية «مطالب شعب».

سألته المذيعة: في تصورك ما معني ألا يمر حفل من حفلات عبدالحليم بدون أن يغني أغنية وطنية؟

فأجابها قائلاً:

تفسير ذلك يعود إلي أن عبدالحليم عندما مرت مرحلة النكسة كنا قبلها قدمنا أغنية «أحلف بسماها وبترابها ما تغيب الشمس العربية طول ما أنا عايش فوق الدنيا» وأخذ عبدالحليم قرارا علي نفسه بغنائها في جميع حفلاته.

سألته المذيعة عن أغنية «المسئولية» وهل كانت القضية ملحة في هذا الوقت لذلك؟

فأجاب قائلاً: طبعا لأنها كانت في بداية موسم انتخابات وتشكيل البرلمان والمسألة لم تكن وجاهة لكن المجلس تكليف وليس تشريفا واستطرد: وفي رأيي أن أي لحن وطني لابد أن يحتوي علي مشاعر إنسانية فمثلا في أغنية ريسنا ملاح ومعدينا لو نتأمل كلمات الأغنية التي كتبها صلاح جاهين تقول «ريسنا ملاح ومعدينا وعامل وفلاح من أهالينا ومنا فينا»

سألته المذيعة في أغنياتك بلدي يابلدي وأهلا بالمعارك وصورة هل كانت قضية معركة الإنتاج الصناعي والزراعي في ذهن حضرتك؟ وما تأثير هذه الأعمال علي المجتمع المصري؟.

فأجاب أن الشاعر الكبير صلاح جاهين كان يهمه رصد حالة المجتمع المصري وما يجب أن تكون عليه وما يتمني أن تكون عليه ففي أغنية «صورة» عبر عن كل فئات الشعب المصري مثل الصانع والزارع والجندي وغيرهم وقال إن الشعب المصري مجموعة من هؤلاء بحبهم للعمل والجهد وحب الوطن.

وسألته المذيعة عن سبب رفضه تلحين أغنية «صورة» في البداية: فقال نعم رفضت في البداية لصدمتنا في الأحلام الكبيرة التي كانت لدينا فقد كان إيماننا بعبدالناصر بلا حدود ومشاعرنا تجاهه كانت صادقة وهو كان الملهم لنا في الوطنية والاحساس وحب الوطن وكنا مجموعة من الشباب لديهم إيمان قوي بالثورة وكنا مؤمنين أن عبدالناصر لم يكن يعلم شيئا عن التجاوزات التي كانت تحدث وإن كنا لا ننفي عنه المسئولية من حيث إنه القائد لذلك كنت حزينا جدا عندما سمعت وعرفت نماذج كثيرة من التجاوزات التي كانت تحدث ولسوء بختي ذهبت مشحونا لعبدالحليم بعدما تحدث معي صلاح جاهين عن فكرة أغنية «صورة» حيث قال لي صلاح: إنها أغنية بالألوان فقلت له يعني إيه أغنية بالألوان ياصلاح؟ وعندما قرأتها وجدتها جميلة فيها خضرة ومية وشمس عفية وقبة سماء زرقا مصفية وقلت له: الأغنية جميلة جدا لكنني أخذت قرارا في نفسي أنني لن ألحنها وهذا القرار كان صعبا عليّ لأن الأغنية رائعة بالفعل وعندما ذهبت لعبدالحليم قال لي: صلاح اتصل بك؟ فقلت له: نعم فقال: وما رأيك؟ قلت له: الأغنية جميلة جدا فقال: متي سنبدأ؟ قلت له: أنا لن ألحنها فتعجب من ردي وكان عنده رجل من أخطر رجال الدولة في ذلك الوقت وهو شمس بدران ولم أكن أعرفه وفوجئت به يقول لي «يعني إيه مش ها تلحنها فاندهشت وقلت له.. وحضرتك ما علاقتك بالموضوع» «أنا معنديش مزاج ألحن» فقال غاضبا: تصور بقي إن أغنية السنة اللي الريس والشعب مستنينها هاتبقي تحت رحمة أن ليك مزاج ومالكش مزاج؟ فقلت له: شىئ غريب يا أخي أنا مش هالحنها، وأكمل الطويل حديثه قائلاً: وأنا بطبعي سريع الانفعال وروحت واخد بعضى ومروح وذهبت للقاء الاستاذ محمد التابعي رائد الصحافة المصرية فقال لي: «ياخبر أبيض يا محمد بيه أنت متعرفش مين شمس بدران.. ده من أخطر رجال الحكم في مصر واستطرد الطويل قائلاً وأنا كنت ذكرت لشمس بدران أنني سأسافر مع العائلة فقال لي أجل سفرك لحين الانتهاء من الأغنية ورفضت التأجيل وعندما ذهبت صباح اليوم التالي فوجئت بقرار منعي من السفر أنا والمدام فعلمت أنهم عملوا اللازم وتوجهت لوزير الداخلية فقال إنه لم يصدر القرار وذهبت إلي عبدالقادر حاتم وزير الإعلام فقال لي إنه لا علاقة له بالموضوع لكنه ألمح لي قائلاً: اسأل عبدالحليم فهو يعرف الحكاية ثم علمت أن عبدالحليم قال لشمس بدران أنه لن يغني الأغنية إذا لم ألحنها وبعد تفكير بسيط اتصلت بعبدالحليم وقلت له أنني سألحن الأغنية.

فسألته المذيعة الأغنيات الوطنية من عام 1967 وحتي 1973 ماذا تقول عنها:

فأجاب أنا عملت 17 أغنية منها وكان رفيق الدرب الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي حيث كنا نقيم إقامة كاملة في الاستديو ورغم تفانينا في العمل والمفروض أن الفنانين يكونون أبعد نظرا من غيرهم إلا أننا كنا مضللين وقت حرب 1967 بسبب بيانات الإذاعة واعتقدنا أننا في طريقنا للنصر وقلت كل ما يخطر علي البال ثم فوجئت بالنكسة وصلاح جاهين عمل «كاريكاتير» عبر فيه عن نفسه وعن عبدالحليم وعني حيث رسمنا وكل واحد فينا يده في فمه دليل الصمت.

وقال لي أحسن شيء عملتوه هو ما تفعلونه الآن.

وعبدالحليم كان من أعند خلق الله وكانت لديه ميول للقيادة لا يمكن إنكارها وكان لديه احساس بالزعامة وأنا قلت إنه من الصفات البارزة لعادل إمام هي صفة الزعامة والتي اكتسبها من علاقة الصداقة بينه وبين عبدالحليم لفترة طويلة فخرج متأثرا بشخصية عبدالحليم وأكيد صفة القيادة والزعامة عند عادل مستقاة أساسا مما شاهده عند عبدالحليم، فعبدالحليم كان بطبيعته عنيدا وكان يميل للقيادة، واستطرد: لو شاهدت عبدالحليم علي المسرح تجدينه المطرب الوحيد الذي يقود الاوركسترا وأحمد فؤاد حسن رحمه الله كان يعزف علي القانون ويتمني أن يقود الفرقة الموسيقية وقتها.

وأضاف الطويل يسألونني لماذا لم استمر مع عبدالحليم فسأجيب عن ذلك بأن السبب هو حب عبدالحليم للقيادة والزعامة فاتفاقي معه بالأساس كان علي أن نتشاور ونتحاور في التلحين داخل مكان العمل سواء عنده أو عندي ولكن عندما نقف أمام الفرقة الملحن فقط هو من يعطي ملاحظاته، إنما حليم بطبيعته الميالة للقيادة كان يتدخل ويحدث عتاب بيني وبينه مرة ومرات عديدة وكنت أقول له أنا مش عايز أحرجك أو تحرجني أمام الفرقة وأنت أخ وصديق عزيز وأنا أحبك لذلك لم أكن أرغب أن يفسد العمل صداقتنا كثيرا رغم أن حبي لعبدالحليم كان يجعلني أتحمل كثيرا هذه الأمور ولكن في لحظة أخذت قراراً أن أتوقف عن التلحين لعبدالحليم وكنت وقتها ألحن أغنية «بلاش عتاب» وانتهيت تقريبا من تلحين ثلثي الأغنية وباقي الجزء الأخير وكبرت المسألة في دماغي وتوقفت عن التلحين وقلت لعبدالحليم أنني لن أكمل اللحن وطلبت منه أن يكمله إما رءوف ذهني أو بليغ حمدي والتحقت أنا بالكونسرفتوار رغم أنني بالاساس خريج المعهد العالي للموسيقي ثم فوجئت بعبدالحليم يقول لي عايزك في مشوار وتوجهنا إلي استديو مصر وأسمعني عبدالحليم الجزء المتبقي من لحن بلاش عتاب الذي أكمله رءوف ذهني وقال لي ما رأيك فسكت ثم قلت له: اسمع يا حليم الجزء الذي لحنه رءوف ذهني حلو ولكن اللحن مثل النسيج الواحد وليس مجرد خيوط وإنما مشاعر واحدة وما فعليه رءوف جيد جدا لكن ليس له علاقة باللحن الاساسي وأكملت أنا اللحن.