انتشرت في الآونة الاخيرة بعض الفتاوى الشخصية التي يراها كثيرون لا طائل من ورائها سوى تأجيج الصراع بين الرجل والمرأة في كل محل وموضع سواء أكان ذلك في عمل أم أسرة أم حتى بين الإخوة والأخوات، ومنها:
- الزوجة غير مطالبة بالطبخ لزوجها، إذن فلا تطبخ.
-المرأة غير مطالبة بالغسيل لزوجها، إذن فلا تغسل.
-الزوجة غير مطالبة -بشكل عام- بخدمة زوجها، إذن فلا تخدم.
-الزوجة لا تُرضع طفلها إلا بأجر، إذن فلن تُرضع حتى تؤجر.
-الزوجة وعلاقتها بزوجها، إذن فلا علاقة حتى توافق (وذلك لأن الأمر في أصله مودة ورحمة، ولا خلاف في ذلك ولا عليه)
إذن؛ فالقضية الشائكة بل إنَّ المعضلة الحقيقة تتعلق باجتماع كل مثل هذه الفتاوى في وقت واحد، ومن ثم فلا تفتيت لها عند المرأة في هذا السياق.
والسؤال الذي يغُلِّف كل هذه القضايا معًا، ويؤطر هذا النقاش يكمن في:
هل هذه الرؤى أوالفتاوى أو النصائح أو الحقوق أو مهما يكن اسمها- موجهة إلى الزوجات الحاليات وكذلك زوجات المستقبل؟
وقبل الإجابة لابد أن نعي جيدًا عددًا من التساؤلات منها:
ألم تنتشر نسب الطلاق في المجتمع أمام أعيننا في السنوات الأخيرة، لأسباب كثيرة ومتعددة. وفي الوقت ذاته ألم تقل نسب الارتباط الجاد وكذلك معدلات الزواج في المجتمع؟!
ولا يمكننا أن نغض الطرف أو نتغافل عما نراه الآن من تلك تلك اللغة حتى في خطاب البنات الصغيرات، وغيرها من الأمور، فما بالنا عندما يكبرن ويكن ذوات مسئولية مجتمعية تجاه زوج وأبناء وأسرة، وتلك الأخيرة- كما نعلم علم اليقين- أنها لا تتكون مفرداتها بسهولة في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الراهنة شأننا شأن مجتمعات كثيرة.
إذن، ما الهدف من ترويج مثل هذه الآراء أو الفتاوى لكل من هب ودب- بحجة مناصرة المرأة، ولا اعتراض على الهدف، لكن الاعتراض على الوسيلة والطريقة واجتماعها معا في آنٍ - في مجتمع عربي له عاداته وتقاليده الراسخة منذ القدم...
اسألوا عن قيمة الأم (الزوجة) ومكانتها في المجتمعات الريفية والمدنية ، ستجدون أفراد تلك المجتمعات يرزحون تحت أقدام الأم لخدمتها، فهم يقدسونها لنيل رضاها (ولله الحمد)
ألم تكن تلك الأم زوجة؟! ألم تكن ذات مسئولية كبرى لأنها عصب الأسرة وركنها الركين وأصلها المتين وجذرها الضارب في أعماق المجتمع؟!
إذن، إن كانت تلك اللاءات -المذكورة في البداية- وغيرها تلك التي تهدف ظاهريا إلى تقنين وضبط زوايا علاقة الزوجة بزوجها، فأين تكمن المودة والرحمة بينهما؟ وأين ذلك الرابط المقدس؟ وكيف يتم تقويته؟
المرأة- لا شك- يجب أن تُقدر ويجب أن تُعامل معاملة تليق بها، ويجب أن تُوضع في موضعها المناسب...
وهنا نقول: إن ما ينبغي أن يوازي ذلك هو الاعتدال في توجيه مثل هذه الخطابات التوعوية؛ لكي لا نخسر الغث والسمين، وكذلك لئلا نخسر العظم واللحم، ولن يتبقى سوى هياكل أسرية تفتقد إلى مقومات التواد الحقيقي، وبناء عليه ستنتشر مصطلحات لا تمت للاستقرار الاجتماعي والمجتمعي الذي هو جزءٌ لا يتجزأ من الأمن المجتمعي والقومي- بحال، لأنها لن تغض الطرف عن الصغائر ولأنها تتمسك وستتمسك بما ييريها حقوقها فقط بنظرة ذاتية، وستتحول فضيلة الإيثار إلى الأثرة، وفي نهاية المطاف لن يكسب أحدٌ، لأن الكسبان في هذه الحالة- لاشك - خسران.
إن أهم ما يميز مجتمعاتنا العربية ما يُعرف بالامتداد العائلي، فيقال: أتعرف فلانًا؟
نعم، أعرفه ابًا عن جَدٍّ.
وكذلك الأسرة التي تتألف من الأب والأم والأبناء، فالأبناء لا ينفصلون عن الأصل إلا في وقت الزواج عكس المجتمعات الغربية التي لها ثقافتها الخاصة كذلك.
حتى بعد الزواج يكون بيت العائلة العربي هو الملاذ الآمن والحاضن عند تقلب حال الأسرة، ومن ثم فبيت العائلة هو الملاذ الآمن، فما بالكم عندما تكون الأم ملاذًا فوق الملاذ وأمانًا فوق الأمان.
إن غاية القول ومنتهاه هو: لا تضربوا وتد الخيمة بمثل هذه النصائح التي في ظاهرها رحمة وفي باطنها العذاب؛ لأنه إن سقط الوتد انهارت الخيمة، فلا تُخلخلوا الوتد.
** الأستاذ المساعد بكلية الآداب. جامعة الإسكندرية