تجتاز الموهبة بصاحبها دائماً كل الحدود، والفنان الموهوب لا يظل حبيساً في دور واحد، وهذا ما ينطبق على الفنان القدير يحيى شاهين، فهو البارع في أداء دور الشيخ الورع التقي كما أداه في فيلم كهرمان وجعلوني مجرماً وإبن النيل وبلال مؤذن الرسول وهو رجل الصحراء كما جسده في عدة أدوار منها غرام بثينة وانتقام الحبيب وليلى العامرية وراوية وسلطانة الصحراء.. في ذكرى ميلاه نلقي الضوء على سيرة الفنان المبدع يحيى شاهين.
عند تداول سيرة الرجل المسيطر على بيته في أي عصر ستقفز صورة الفنان يحيى شاهين من ذاكرتك وتجدها أمام عينيك، فهو "سي السيد" في السينما المصرية وهو الفنان الوقور المتزن التي تضج شخصيته بكل صفات الرجولة، وأيضاً لما يمتلكه من صوت نبراته قوية هادئة تمكن يحيى شاهين من توظيفه حسب الشخصية التي يقدمها، ومازالت جملته التي ألقاها في فيلم شئ من الخوف وهي "جواز عتريس من فؤاده باطل" ترن في أذان كل من رأى الفيلم.. أذن نحن أمام شخصية عبقرية، حرصت على تنوع أدوارها في السينما المصرية، ومن العجيب أن تقتنع بدوره عندما يصبح الشيخ الوقور أو الشاب الرومانسي مثل أدواره في فيلم إرحم دموعي وقرية العشاق والحب الصامت وأين عمري وعشاق الليل.
جسد يحيى شاهين الرومانسية في السينما في أروع صورها، وقد أضفى عليها إباء الرجل وكبرياؤه، ولم يكن العاشق أو الرومانسي الذي يطغى عليه الحب ويصبح أسيراً لهوى محبوبته، وهذا ما ظهر جلياً في فيلم هذا الرجل أحبه مع ماجدة عام 1962 الذي يعد من علامات السينما المصرية.. ومن الرومانسية إلى أدوار الكوميديا التي تليق بتكوينه ووقاره، فظهر يحيى شاهين بدور كوميدي برع فيه في فيلم تفاحة آدم مع هند رستم وأيضاً له دور كوميدي آخر مع عماد حمدي في فيلم المراهقان.. وسيظل دوره في ثلاثية نجيب محفوظ محفوراً في أذهان محبي السينما.
وعن مولده ونشأته نجد أن يحيى شاهين ولد في 28 يوليو 1917، وظهرت موهبته في التمثيل في المرحلة الإبتدائية حتى ترأس فريق التمثيل المدرسي وظلت معه الموهبة بعد حصوله على دبلوم الفنون التطبيقية ثم بكالوريوس في هندسة النسيج ، وتم تعيينه مهندساً للنسيج بشركة المحلة الكبرى، غير انه اتجه إلى التمثيل بفرقة المسرح بدار الأوبرا بتوصية من بشارة واكيم وبعدها التحق بفرقة فاطمة رشدي ليصبح الفتى الأول في فرقتها خلفاً لأحمد علام، وبرع شاهين في دوره بمسرحية روميو جولييت ومرتفعات ويذيرنيج لينطلق بعدها إلى عالم السينما عام 1939 ليشارك في فيلم دنانير مع أم كلثوم لتكون محطته التالية أكثر حظاً في عام 1942 حيث شارك في أربعة أفلام وهي لو كنت غني ومحطة الأنس والمتهمة مع رائدة السينما آسيا داغر ليشارك بعدها في فيلم حبابة مع أم السينما عزيزة أمير ويعود لمشاركة كوكب الشرق في بطولة فيلم سلامة ثم توضع صورته لأول مرة على أفيش فيلم المظاهر ويكتب إسمه بنفس بنط إسم البطلة وهي المطربة رجاء عبده ثم يشارك العملاقة فاطمة رشدي بطولة فيلمين وهما عواطف والطائشة عام 1946.
إذن يرصد تاريخ السينما أن بدايات الفنان يحيى شاهين كانت مع عمالقة الطرب والتمثيل منهم أم كلثوم ورجاء عبده وفاطمى رشدي وعزيزة أمير وآسيا داغر، وقد أكد يحيى جدارته وتمكنه أمام الجيل الثاني مثل فاتن حمامة في فيلم سلو قلبي وارحم دموعي وراقية إبراهيم في فيلم زينب وليلى مراد في فيلم سيدة القطار والحياة الحب وماجدة في فيلم الغريب وعشاق الليل.. وتلك كانت بطولات مطلقة في تاريخه السينمائي، حتى الأدوار الثانية التي قام بها في فيلم لا أنام وشئ من الخوف وجعلوني مجرماً تعد من أشهر أدواره في السينما المصرية.