السبت 20 ابريل 2024

بلاغة الزمن فى خطابات التنصيب الرئاسى من السادات إلى السيسى (2)

مقالات5-9-2022 | 16:56

قامت الباحثة د. حنان عبد الوهاب عبد الحميد الأستاذ المساعد بالمعهد العالى للإعلام وفنون الاتصال بالسادس من اكتوبر بتحديد إشكاليتها البحثية من خلال الكشف عن التنافر أو التقارب الخطابى فيما يتصل بثلاثية الزمن وفقا للتقارب أو التنافر الأيديولوجى بين (خطابات الافتتاحية الأربع (السادات ومبارك ومرسى والسيسي) فيما يتصل بالخطاب النقدى (فيركليف)، والكشف عن البنى المعرفية والخلفية والخبرة السياسية لمنتج الخطابات الأربع (السادات ومبارك ومرسى والسيسي) وأثرها فى تقديم المنتج الخطابى وفقا لخطاب فان ديك، ورصد الأنساق اللغوية الخاصة بالذات (أنا/نحن) والآخر(هم)، وأثرها فى بناء الدلالات الخطابية وفقا لخطاب فان ديك، والكشف عن الخطاب الارتدادي، ورصد كيفية توظيف الخطابات الأربع (السادات ومبارك ومرسى والسيسي) النزعة البراجماتية فى استقطاب الجماهير لخطابها السياسي.

 

أولًا: خطاب تنصيب الرئيس السادات أمام مجلس الأمة فى 7 أكتوبر 1970:

(1) البنى الأيديولوجية والمعرفية فى خطاب السادات

قبل الانطلاق إلى انعكاس البنى الأيديولوجية على انتاج خطاب السادات الافتتاحى (خطاب التنصيب) يجدر بنا أن نحدد مفهوم الأيديلوجية حيث أننا نتوافق فى هذا الطرح مع مفهوم استرنزى للأيديولوجية الذى عرفها بأنها: “مصفوفات من الأفكار والصور التى تقطن عقول الأفراد، كما يتم النظر للإيديولوجيات على أنها ليست الأفكار أو الصور ولكن الممارسات التى تبنى وتحدد من خلال بنى اجتماعية اقتصادية محددة".

وفقا لهذا التصور المفهومى للأيديولوجية يمكن الرجوع إلى علاقة السادات بتنظيم الضباط الأحرار، وعلاقته بمجلس قيادة الثورة، ومن قبلهما علاقته بجمال عبد الناصر، وكاريزما جمال عبد الناصر الداخلية والخارجية التى انتجت جميعها ملابسات الخطاب السياسي.

شكل جمال عبد الناصر بؤرة حديث السادات، فقد كرر الرئيس السادات ذكر كلمة جمال عبد الناصر فى الخطاب لاصقا به كل الصفات الإيجابية ثمانية عشر مرة. فى إطار تجسيد الماضى فى الحاضر والمستقبل

جدول (1) دلالة الزمن فى خطاب السادات (الماضي| الحاضر| المستقبل)

 

الخطاب

دلالة الزمن

1-

جئت اليكم على طريق جمال عبد الناصر

وصل الماضى بالحاضر من خلال الطريق

2-

توجيه بالسير على طريق جمال عبد الناصر

رسم مسار المستقبل من خلال الماضى

3-

أعتبر ذلك أمرا بالسير على طريق جمال عبد الناصر.

الأمر فعل يحيل للمستقبل

4-

 طريق جمال عبد الناصر

طلب مستقبلي

5-

ولو كان جمال عبد الناصر بيننا

تمنى يفيد الاستقبال

6-

معالم طريق جمال عبد الناصر

ماضى يفيد الحاضر

7-

مجمل طريق جمال عبد الناصر

ماضى يفيد الحاضر

8-

نادى بها وعمل من أجلها جمال عبد الناصر

استمرار على المسيرة من الماضى للمستقبل

9-

علمنا جمال عبد الناصر

استمرار الماضى بالحاضر بالمستقبل

10-

قائدنا جمال عبد الناصر

الوفاء للماضي

11-

مجمل طريق عبد الناصر

طلب مستقبلي

12-

برنامج متكامل قدمه جمال عبد الناصر

استمرار على المسيرة من الماضى للمستقبل

13-

وهو العلامة التى كتبها جمال عبد الناصر

استرشاد

14-

وجود جمال عبد الناصر

وصل الماضى بالحاضر بالمستقبل

15-

غياب جمال عبد الناصر شىء آخر

اختلاف الماض عن المستقبل

16-

ان جمال عبد الناصر كان بطلا تاريخيا

الاستمرارية فالأبطال مستمرون عبر الأزمنة

17-

ما كان يتحمله جمال عبد الناصر

الوفاء للماضي

18-

كلكم والأمة بأسرها معى قولا وعملا على طريق جمال عبد الناصر 

الاستمرارية

 

يتبين من تحليل الخطاب أن كلمة طريق عبد الناصر شكلت الرابط بين كلمات الخطاب وكانت الكلمة الأكثر تكرارا مما يدل على أن السادات أخذ عبد الناصر القدوة ولن يتحرك خطوة إلا بمقتضى طريقة عبد الناصر، والسؤال الذى يثيره الخطاب هل بالفعل كان يريد السادات أن يلبث ثوب عبد الناصر أم أنه أراد فقط أن يتغلب على الموقف الذى وضع فيه بين المطرقة والسندان، مطرقة مراكز القوة ورغبتهم فى القفز على السلطة أو القضاء على السادات وتحريكه مثل الدمية ونزع السلطان عنه، وسندان كاريزما عبد الناصر وحب الشعب له، وامتصاص الصدمة.

ويرجع السبب فى ذلك إلى كاريزما جمال عبد الناصر ؛ فلقد لمع نجم عبد الناصر فى فترة تواجده مع محمد نجيب على الرغم من وجود العديد من الضباط الاحرار حينئذ فإن عبد الناصر هو الذى تصدر المشهد السياسى ووظف الكاريزما فى الخطاب السياسى حول الكرامة الوطنية والتحرر الوطنى فى الداخل والخارج، وتصدرت حروب عبد الناصر فى 1956، وحروبه فى اليمن ومساندته لثورة الجزائر والوحدة مع سوريا ومحاولته المتعددة لتجميع الصف العربى والوحدة العربية والقومية العربية، جعلت منه زعيما للوحدة العربية، كما أن محاولاته الخاصة بحركة عدم الانحياز حولته إلى زعيم عالمى يناضل ضد الإمبريالية الأمريكية.

 

أما فى الداخل فقد ارتفعت صورة عبد الناصر من خلال مشروعى تأمين قناة السويس وبناء السد العالي، وكذلك مبادئ ومشاريع الإصلاح الاقتصادى والزراعى التى سوغت فكرة أنه مع المواطن المصري، صعب ذلك الطريق على من يخلف عبد الناصر، فضلا عن كاريزما جمال عبد الناصر، فإن نكسه 1967 جعلت من الذى يخلف عبد الناصر عليه أن يسترد الأرض بوصفه زعيم للأمة العربية. وقد شكلا هذا العنصران محور خطاب السادات أمام مجلس الأمة.

إن ارهاصات خطاب السادات أمام مجلس الأمة سبقت بخطاب تأبين عبد الناصر من قبل السادات مفتتحة بكلمات يعمها الأسى والحزن والتى مازالت عالقة فى الأذان والأسماع، وقال السادات بتأثر بالغ وهو يقرأ بيانا على شاشة التلفزيون الرسمي: "فقدت الجمهورية العربية المتحدة وفقدت الأمة العربية وفقدت الإنسانية كلها رجلا من أغنى الرجال، رجلا من أغلى الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال، هو الرئيس جمال عبد الناصر".وتابع أن عبد الناصر توفى "بينما هو واقف فى ساحة النضال يكافح من أجل وحدة الأمة العربية ومن أجل يوم انتصارها".

 

إن محور خطاب السادات دار فى مجمله حول جمال عبد الناصر، ومن ثم يجب أن نلقى الضوء على الوضع السياسى داخليا وخارجيا، الذى شكل شخصية عبد الناصر وأثر على خلفه الرئيس السادات، فقد ظهر جمال عبد الناصر من خلال وسائل الإعلام داخليا بأنه القائد الفعلى لثورة 23 يوليو1952 ليخلص الشعب من الإنجليز والملك، وعلى الرغم من صراعه ومجلس قيادة الثورة مع محمد نجيب حول السلطة، إلا أنه استطاع أن يقود مجلس قيادة الثورة وفقا لآرائه ويحولهم إلى صفه، فعلى الرغم من الحب الشعبى لمحمد نجيب، إلا أن مجلس قيادة الثورة استطاع أن يمهد لعبد الناصر الطريق من خلال عزله لمحمد نجيب.

لقد تكرر ذكر جمال عبد الناصر فى خطاب السادات أمام مجلس الأمة فى 7 أكتوبر 1970 الذى يعد بمثابة الخطاب الافتتاحى للعهد الرئاسى الجديد، وقبل الشروع فى تحليل الخطاب، بيد أن واقع تكرار الحديث عن عبد الناصر، لا يرجع إلى اقتناع السادات ولكن فرضه عليه الوضع الخاص بحب الشعب لعبد الناصر، ومراكز القوى التى كانت غير مقتنعة بالسادات خلفا لعبد الناصر وترى فى نفسها الأفضلية.

أثر وفاة عبد الناصر المفاجئة بدأ يظهر ما أطلق عليه السادات فى كتابه البحث عن الذات مراكز القوي،فمنهم من كان ينضم إلى الاتحاد السوفيتى وجهز نفسه ليصبح الوريث الشرعى لعبد الناصر، وبعد انتخاب السادات رئيسا للجمهورية أرادت مراكز القوة أن تصعد الصراع بحجة أننا يجب أن نسير على خط عبد الناصر، وذلك ما يدلل عليه نص مذكرات الذات.

لكن واقع الأمر كان على خلاف ما قدمه الرئيس السادات فى خطابه أمام البرلمان، فلم يكن يريد الاستمرار على خطى جمال عبد الناصر ولكنه كان يهادن مراكز القوى من جانب، ويستميل الشعب الذى لا يعرف سوى زعامة جمال عبد الناصر. وذلك ما وضحه فى مذكراته وفقا للنص التالي:

(2) الأنساق اللغوية الخاصة بالذات (أنا/نحن) والآخر(هم) فى خطاب السادات:

تتمثل الأنساق الخطابية اللغوية فى الضمير الأول (أنا/نحن) والثانى والثالث، حيث يشير الضمير الأول

جدول (2) دلالة الذات الفردية أنا والذات الجماعية (نحن) فى خطاب السادات  

الضمير

التكرار

الدال

المدلول

أنا

-

- لم يتم ذكرها مطلقا

نكران الذات – والتضائل أمام ذكر عبد الناصر والتماهى فى شخصية عبد الناصر

نحن

3

نحن فى صراع مصيرى 

نحن فى حاجة إلى وضوح الهدف.

نحن فى حاجة إلى هذه الوحدة

تدل على الصراع بين البقاء أو الاختفاء.

تدل على فقدان البوصلة، وفقدان الهوية والهدف، والمتاهة التى ترك عبد الناصر الشعب بها.

هم

1

وأعداؤنا هم اسرائيل والصهيونية الدولية والاستعمار العالمي

يدل الضمير هم على الغائب والتى يمكن أن تعنى الصديق أو العدو، وتشير إلى النيابة عن ذكر الاسم، لكن السادات حدد إسرائيل والصهيونية الدولية والاستعمار العالمي، وهى نفس الكلمات التى كان يستخدمها جمال عبد الناصر فى خطبه

هو

2

بسؤال محدد هو: ماذا كان يطلب منا

وهو طريق شاق

استخدم الضمير هو للإشارة إلى شيء غير حسى بغية التأكيد والتجسيد

 

من خلال الطرح العام لدلالة الذات الفردية أنا والذات الجماعية (نحن) فى خطاب السادات، نجد أنه لم يستخدم أنا الذاتية مطلقا لأنه أراد أن يوظف التجاهل هنا بغية كسب ثقة الجماهير والقوى الأخرى فى أن هدفه الأساسى يرمى إلى الالتفاف حول سياسة جمال عبد الناصر ، ولا توجد له سياسه بديله سواه، فى حين أشار إلى الضمير أنا ليعبر به عن الأعداء وتمثل ذلك فى التأكيد على هم مع ناء الفاعلين وأعداؤنا هم اسرائيل والصهيونية الدولية والاستعمار العالمى، كما أنه أنتقل من الخاص إلى العام من خلال ذكر إسرائيل التى تعبر عن الدولة، ثم الكيان الصهيونى ثم عطف على الاستعمار العالمى ويقصد به أمريكا الذى سرعان ما تغير هذا الخطاب بعد حرب أكتوبر، أما كلمة هو فقد تم حجزها أيضا لجمال عبد العناصر، من جملة استفهامية غرضها ودلالاتها التأكيد.

 (3) الأنساق الزمنية فى خطاب السادات:

على الرغم من أن خطب التنصيب تعد خارطة الطريق بين الحاكم والمحكوم والمانفستو الذى يصوغ فيه الحاكم آليات حكمه وسياساته تجاه الشعب، طارحا فيها طموحاته وآماله وتحدياته وشارحا ثلاثية الزمن التى لم تفتأ أن تتغير (الماضى والحاضر والمستقبل).

حدد الخطاب أربع آليات خاصة بالتعامل مع الأحداث الماضية والحاضرة والمستقبلية فى رسم سياسة مصر، وفقا للماضى تتركز فى محورين الأول البقاء على طريق عبد الناصر والتوافق مع سياسته فيما يتصل بكل تعاملاتها، ويتمثل التحدى الماضى فى إزالة العدوان الإسرائيلي، أما سياسته الحاضرة فإنها تتمثل فى اتباع سياسة عدم الانحياز والتمسك بالعلاقات مع الاتحاد السوفيتي، فى حين يتمثل المستقبل فى مواصلة النضال الذى كان يقوم به عبد الناصر من أجل الوحدة العربية وإزالة العدوان الذى احتل الأراضى العربية.

 

جدول (3) دلالة الماضى والحاضر والمستقبل خطاب السادات

الزمن

الأحداث

التطابق أو الاختلاف مع السياسة السابقة

الماضي

وفاة عبد الناصر  

احتلال إسرائيل

التوافق... طريق عبد الناصر

التوافق مع سياسة عبد الناصر

الحاضر

التمسك بسياسة عدم الانحياز

التمسك بالعلاقات مع الاتحاد السوفيتي

التوافق مع سياسة عبد الناصر الخارجية.

 

المستقبل

مواصلة النضال من أجل وحدة الأمة العربية

مواصلة النضال من أجل تحرير كل الأرض العربية المحتلة فى عدوان سنة 1967

التوافق مع سياسة عبد الناصر الخارجية.

 

 

إن ثلاثية الزمن المتمثلة فى التاريخ (الماضي) والحاضر (الأحداث الحالية) والمستقبل (الرؤية حيال الأحداث المتوقعة) فقد شكل الماضى حدثان أساسيان هما: الأول: وفاة عبد الناصر، والثانى احتلال إسرائيل حيث كان لابد للسادات أن يكون له موقف حيال عبد الناصر الذى شكل كاريزما فى وجدان المصرين، واحتلال إسرائيل للأرض الذى خلقه عبد الناصر تركة ثقيلة على السادات، وفى المقابل تشكل الحاضر، التمسك بسياسة عدم الانحياز والتمسك بالعلاقات مع الاتحاد السوفيتي، وفى المقابل فقد تشكل تصوره المستقبلى حيال الأحداث الراهنية التى طرحها كتحديات وهى موت عبد الناصر والاحتلال الإسرائيلى فقد جاء المستقبل ليشكل تصور السادات حيال هذين الموقفين مواصلة النضال من أجل وحدة الأمة العربية، ومواصلة النضال من أجل تحرير كل الأرض العربية المحتلة فى عدوان سنة 1967 من أجل تحقيق التوافق مع سياسة عبد الناصر الخارجية.

وفى الأسبوع المقبل نواصل عرض نتائج هذه الدراسة المهمة.